غيبوبة بوتين وقنصلية القحطاني.. لماذا وكيف تتشابه الأنظمة المستبدة؟

عدد القراءات
4,870
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/29 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/29 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش

مع إطلالة كل صباح تأتينا أخبار من روسيا الاتحادية أو من المملكة العربية السعودية تصلح لأن تكون سيناريوهات أفلام تشويق ورعب. في روسيا يتم تصوير تلك الأخبار على أرض الواقع، وتحديداً في أستوديوهات "أطلق الكذبة وكررها حتى تصدقها". بينما في السعودية يشرف سعود القحطاني، وهو أشهر من نار على علم، على تصوير أفعاله في أستوديوهات "إن لم تستح فافعل ما شئت".

قبل عدة أعوام، في العاصمة البريطانية لندن، وُجد رجل مستلقٍ في أحد الأزقة وبقربه امرأة مستلقية أيضاً، وبدا الأمر وكأنهما يغطان في سبات عميق، ليتبين فيما بعد أنهما كانا في حالة غيبوبة. وبالكشف عن هويتهما وُجد أن الرجل هو العميل الاستخباراتي المزدوج الروسي سيرغي سكريبال وابنته. وأثبتت التحقيقات الجنائية البريطانية أنهما تعرّضا إلى غاز أعصاب من قبل عملاء روس. وبالأمس القريب وقبل أن يصعد المعارض الروسي ألكسي نافالني إلى الطائرة احتسى كأساً من الشاي وهو اليوم يرقد في غيبوبة في أحد مستشفيات ألمانيا ويشتبه القضاء هناك بأن سبب الغيبوبة ناتج عن تجرّعه كمية من سُمّ ما.

وعلى الضفة الأخرى من العالم، حضر الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده في تركيا وبعد أن دخلها اختفى ومحيت آثاره إلى الأبد. وقبله صعد الأمير السعودي سلطان بن تركي الثاني إلى الطائرة الملكية في باريس وكانت وجهة الرحلة مصر لكن لم تطأ قدماه أرض مطار القاهرة واختفى.

لذلك نأمل، وفي القريب العاجل، من أية محكمة دولية أن تطلب من الرفقاء الروس الذين يدبرون تلك العمليات ومن سعود القحطاني كتابة مذكراتهم، ولو شريطة منحهم حصانة من المحاكمة، وذلك خدمة لكتاب سيناريوهات الأفلام السينمائية، حيث سيصبح بحوزتهم قصص حقيقية تتحف المشاهدين بأفلام شيقة، إضافة إلى ذلك تعفي هؤلاء الكتاب من مشقة البحث عن حبكات لقصصهم. إذ سيكفي، على سبيل المثال، قراءة مذكرات القحطاني لإنتاج سلاسل من أفلام الرعب والجاسوسية والتشويق والجريمة، لأنها ستضم حتماً باقة من الحبكات الحقيقية وهي صراحة أغرب من الخيال. 

وبما أن هناك أناساً كثراً لا يهتمون كثيراً بمشاهدة الأفلام، يسألون عن أسباب هذا التطابق في سلوك الروس والسعوديين تجاه مواطنيهم، ويسألون: لماذا يعامل هؤلاء من يعارضهم وكأنه كَفَر وخان؟ ولماذا يعتبر هؤلاء كل من  يعبر عن رأي حر كأنه صاحب بدعة ومرتكبٌ لكبيرة.

والجواب في رأيي هو أن أولي الأمر في هذين البلدين لم يدرسوا سوى كتاب "الأمير" لميكافيلي باعتباره أرقى ما وصل إليه الفكر البشري في شرح وسائل بلوغ الحكم وطرق ممارسته والحفاظ عليه. حتى إنهم تجاوزوا أوغستو  بينوشيه، حاكم تشيلي سابقاً، وفرديناند ماركوس ديكتاتور الفلبين الأشهر بأشواط كبيرة. وهذا الصنف من الطغاة المعاصرين لا يصدق أن الرأي العام  العالمي يستنكر أفعالهم ويعتبر أن ضميرهم في غيبوبة ويطالب باختفائهم أو أنهم مكروهين من مواطنيهم. والحقيقة أن مثل هؤلاء لن يختفوا من العالم في عصر يسوده حكم التفاهة، في عصر البلاهة الذي نعيش فيه هذا. وحكم التفاهة هذا لم يتفرّد باكتشافه الفيلسوف الكندي آلان دونو وحده بل سبقه إليه وبقرون عدة الرسول العربي الكريم  عندما أدان حكم الرويبضة ورفضه. 

ولذلك، ليس غريباً أن يدخل من وُلد في روسيا في غيبوبة، وأن يختفي من   وُلد في المملكة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد