تكشف نقاط قوتك وضعفك وتدخلك في مخاطرة مؤلمة.. متى ستقرأ “أطياف كاميليا”؟

عدد القراءات
1,316
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/27 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/27 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش
مصدر الصورة: iStock

"قراءة نص شعري طويل تحتاج لاستراحات عديدة، وكأنني في معركة ضارية لا يمكن إنهاؤها في جلسة واحدة".

هذا ما تردد داخل عقلي منذ تصفح وقراءة الصفحات الأولى من رواية "أطياف كاميليا" للكاتبة المصرية نورا ناجي.

"ما ذنبي أن أظل عالقة في هذا الزمن الذي لا أستطيع الاندماج فيه؛ هذا الزمن الذي يُفككني شيئاً فشيئاً، أشعر أنني أتحلل ببطء وأنا علی قيد الحياة، أشعر بأطرافي تذوب، بشرتي تتفتت، عظامي تجف وتصبح أكثر هشاشة، أشعر بقلبي يتشظی، أشعر بالزمن يحلّني كما ينحل الملح من الماء، أستسلم له، وأذوب بداخله؟".

أن تقرأ لشخص يعرف نقاط القوة والضعف فيك، بحكم الموهبة الأدبية والفنية وخبرات الحياة التي تُكتسب من تجاربها، فهذه مخاطرة كبيرة ممزوجة باللذة والألم في كل مقطع تقرأه، وفي كل مرة تخرج من جزء وتدخل إلی الآخر تشعر فيه أنك نجوت من صفحات تصر علی إبكائك وجعلك أكثر وضوحاً أمام عاطفتك.

الخروج بسلام من رواية كهذه يعني الانتصار، والشعور بقيمة الفن الذي يمكنه مواساة الجميع وتطييب خاطرهم؛ لأنه يعبر عنهم ويشعر بهم ويربت علی قلوبهم ويخبرهم بأنهم ليسوا وحدهم من عاشوا صعاب الحياة.

عن كاميليا

تدور الرواية حول كاميليا، البطلة، والراوية. لن أخبرك أن كل الحكايات مثيرة ورائعة جداً، وعاطفية للغاية، وتحمل بين طياتها شجناً وحنيناً جارفاَ للماضي وللذكريات التي عشناها يوماً ما، لأنك بالفعل ستعرف روعة هذا العمل حينما يتصلب شعر يدك حينما تصادف مقطعاً كُتب بواسطة كاميليا، يشبه تجربة عشتها في حياتك يوماً ما، لأنك ستشعر بانقباض غريب بروحك حينما تصادف مقطعاً ما يشرح أدق المشاعر التي تتعلق بالحب أو الفقد.

"الزمن يغيّر كل شيء، يضيف طبقات من الاعتياد علی قلوبنا، ويعيد تكوين الحياة أمام أعيننا، القرب يجعل الصورة تبدو أكثر وضوحاً، نری النغبشات الدقيقة عليها، التي لا نراها بسبب الافتتان في البدايات".

في 178 صفحة مقسمة لأجزاء كثيرة كتبت نورا ناجي رواية تحكي عن الحب والأسرة واللانتماء، عن القيود والغربة والحيوات التي نتطلع إليها ولا نعيشها، عن قسوة التجارب التي قد تؤدي لدفننا علی قيد الحياة، عن القاهرة وطنطا ووسط البلد، عن الحب الذي لا نحصل عليه فيحول حياتنا لبكائيات طويلة وليالي شجن لا تنتهي، وعن الحب الذي نحصل عليه فيكون هو ذنبنا الوحيد في الحياة.

الرواية تبدو لي قصيدةً شعر طويلة جداً، سلسة ومرتبة، لوحةً فنيةً تزين سقف قصر عظيم رُسمت بواسطة مايكل أنجلو مثلاً، من شدة إتقانها وترابطها مع حياتنا الواقعية العادية، الرواية الحزينة التي يمكنك تخيل نغمات تشايكوفسكي موسيقی تصويرية لها، أو بالأحری موسيقی جنائزية، إذا صح التعبير لوصف حالة الشجن والحنين العام في الرواية.

الرواية تبدو شربة ماء من عذوبتها، في لغة سهلة وقصة جميلة تبدو "أطياف كاميليا" رواية تُثبت وجود قلم لقامة أدبية عظيمة تعيش بيننا تُدعی نورا ناجي، ككاتب أعرف مدى صعوبة كتابة شيء مؤثر وحقيقي بلغة تبدو سهلة يفهمها الجميع، ككاتب أعرف أن هذا العمل ترددت كاتبته في كتابة الكثير من مقاطعه، وجرت إضافة وحذف الكثير منه، ووضع في مكتب حفظ الأعمال التي ستنشر يوماً ما، جميعنا نملك أوراقاً سنقوم بنشرها، ولكن في الوقت المناسب، وربما الوقت المناسب بالنسبة للكاتبة أتی حينما اكتملت الصورة ببطء تام، ولكن بوضوح شديد، كي تحكي عن كاميليا العمّة وكاميليا الصبية، وعن جمال وناصر وناديا، وعن الجد ذي القدم الخشبية، عن حكايات المراهقة وحب الظهور رائعين وخطف الأنظار، وعن التطوق للعيش في حياة أوسع من حياتنا الضيقة تلك.

"الحياة غريبة يا كاميليا، دائرة منغلقة نلف فيها مثل الثور في ساقية".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد