المشربيات هي إحدى أهم ألوان الفن المعماري الإسلامي المميزة، ظهرت مع بدايات العصر العباسي بالقرن السادس الهجري – الثالث عشر الميلادي، وأصبحت من علامات العمارة في مصر والشام وشبه الجزيرة منذ ظهورها وحتى أوائل القرن العشرين، فاستخدمت في المباني السكنية بمختلف مستوياتها الاجتماعية من القصور إلى المنازل الفخمة إلى البيوت في الحارات لدرجة أنه كان يقاس مدى ثراء أصحاب المنازل من شكل مشربياتها، كما استخدمت في المؤسسات الخدمية والإدارية والمباني العامة مثل دور الإمارة والخانات والمستشفيات وغيرها.
سبب تسمية المشربية أو الشناشيل
ويرجع سبب تسميتها بالـ"المشربية" إلى كلمة "مشرب" بمعنى الغرف العالية، أو المكان الذي يُشرب منه الماء، حيث كان يوضع خارج المشربيات الأواني الفخارية الخاصة بالشرب، ويعتقد البعض أنها سُميت بالـ"المشرفية"، وذلك لأن نساء أهل البيت كانوا يطلون على الطريق منها ثم حُرفت إلى المشربية، ويرجح البعض سبب التسمية إلى خشب "المشرب" أحد أنواع الخشب الذي صُنعت منه المشربيات.
كما أنها سُميت في العراق بـ"الشناشيل" يقال أنها تعني "مقصورة الملك" وأن الكلمة مركبة تنحدر من أصل تركي، أو فارسي، أوغير ذلك، وإنها مؤلفة من (شاه) بمعنى الملك و(شن) بمعنى المقصورة.
وعرفت أيضاً في بعض الدول الإسلامية باسم الروشان أو الروشن وهي تعريب للكلمة الفارسية (روزن) والتي تعني الكوة أو النافذة أو الشرفة.
لماذا صمم المهندسون المسلمون المشربيات؟
يعتبر الكثيرون أن المشربيات هي تعبير عن قمة إبداع الهندسة فى العصر الإسلامي، والسبب يرجع إلى أن المهندسين المسلمين استطاعوا تطويع واستخدام العديد من قوانين الفيزياء والمناخ وكذلك مراعاة الخصوصيات الثقافية المرتبطة بالبيت المسلم. استخدامها جميعاً في تصميم المشربية، للمشربيات فوائد عديدة، منها:
1- التحكم في درجة الحرارة والضوء
ارتبط وجود المشربيات أو الشناشيل في البداية بالبيئة الصحراوية حيث كان لا بدّ للإنسان أن يُطوّر طريقته بالبناء بحيث يوفّر بيئة داخلية مريحة ومناسبة للحياة بمعزل عن أجواء الصحراء الحارّة، أيضاً يصعب فهم عمل المشربيّة بمعزل عن البناء ككُل، لذا لا بدّ من الإشارة إلى طريقة البناء الصحراوية حيث استُخدمت الجدران الطينيّة السميكة في البناء لإمتصاص الحرارة الشديدة أثناء النهار ومنعها من الوصول إلى داخل الغرف لكنّ هذا النظام لم يكن متكاملاً بما يكفي، حيث إنّ الفتحات الصغيرة لم تكن تكفي لإنارة الغرف، لكن المشربيات قدّمت الحل لهذه المشاكل، حيث إنها تدخل كميّات كبيرة من الضوء غير المباشر، وتمنع أشعة الشمس المباشرة وبذلك أثبتت فعاليّة كبيرة في الوصول إلى بيئة داخليّة مريحة وفعالة بالرغم من الظروف الخارجيّة شديدة الحرارة.
2- تعديل شكل الجدران وإضفاء مظهر جمالي
كما كان لها فائدة رئيسية في العراق وهي تعديل شكل الطابق الأرضي غير المتجانس إلى شكل متجانس ذي زوايا قائمة، وبالتالي تصحيح غرف الطابق نفسه إلى غرف ذات أضلاع قائمة متوازية، بالإضافة إلى أن المشربيات المغلقة كانت تضيف إلى مساحة الغرف في الطوابق العلوية مع بقاء مساحة الأرض ثابتة.
وكان للمشربيات تأثير على تصميم الشارع أيضاً حيث إنها تزيد من احتواء الشارع للمارة وتضفي طابعاً رقيقاً عليه لوجود الخشب والنقوش الدقيقة فيه، فكانت واجهات الشوارع تبدو دائماً بمظهر جمالي فخم.
3- الخصوصية
بالإضافة لتأثيرها الجمالي والفيزيائي، وفرت المشربية الخصوصية للسكان مع السماح لهم في الوقت ذاته بالنظر إلى الخارج من خلالها خاصة مع ظهور المشربية ذات الجزأين، كما اعطت المشربية بعداً نفسياً مريح حيث يشعر المقيم أنه غير منفصل عن الخارج وفي الوقت ذاته مستمتع بخصوصيته.