برز اسم محافظة السويداء في الآونة الأخيرة وتصدّرت أخبارها مواقع ونشرات الأخبار بشكل لافت، وذلك بسبب التظاهرات التي اندلعت فيها لأول مرة منذ عقود، على خلفية الأزمة المعيشية وانهيار سعر صرف الليرة السورية.
فما قصة السويداء؟ ولماذا تختلف عن غيرها من المحافظات السورية؟ وهل يعدُّ أهلها من ضمن الأقليات المؤيدة لنظام الرئيس بشار الأسد؟
السويداء.. عاصمة دروز سوريا
تقع محافظة السويداء في أقصى جنوب سوريا، على بعد 100 كيلومتر جنوب شرق العاصمة دمشق.
يبلغ عدد سكان المحافظة 770 ألف نسمة طبقاً لإحصائيات العام 2011.
تتميز السويداء عن غيرها من المحافظات السورية بأن معظم سكّانها ينتمون إلى الطائفة الدرزية، إلى جانب أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وبعض القرى التي يسكن فيها البدو في المناطق المحاذية لدرعا.
والدروز الموحدون هم طائفة دينية إسلامية، يعيش معظم أتباعها في سوريا وفلسطين وإسرائيل ولبنان، وتعد محافظة السويداء السورية وجبل العرب (أو جبل الدروز) أبرز معاقلهم، كما يعدّ قائد الثورة السورية على الفرنسيين سلطان باشا الأطرش أشهر أتباعها، إلى جانب السياسي اللبناني الراحل كمال جنبلاط وابنه وليد.
بحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، فإن الغموض يحيط بنشأة الطائفة الدرزية وبداياتها، لكن الشائع أنّ الطائفة انشقت عن الشيعة الإسماعيليّة خلال المرحلة الفاطمية في القرن العاشر، ولكن بعض الباحثين يعتبرونها عقيدة مستقلّة عن الدين الإسلامي.
الطائفة التي تتراوح التقديرات حول عدد أتباعها بين 800 ألف و2 مليون، تأسست محمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بـ "أنوشتكين" في مصر قبل أكثر من ألف عام، قبل أن يهاجر أتباعها إلى الشام.
من اللّافت لدى هذه الطائفة عقائدياًّ الحفاظ على إخفاء تعاليم دينهم وتفاصيله، واعتباره سرّاً لايجوز الاطلاع عليه إلا لمن قرر أن يستلم الدّين، كما لا يستطيع من لم يُولد لأسرة درزية أن يعتنق الدين الدرزي.
كتاب الحكمة هو الكتاب المقدّس لدى "الموحدين الدروز"، ويُطلق على رجال الدين اسم "شيخ العقل"، وأساس طائفتهم توحيد الإله، لذلك يُسمون الموحدين ومن الأسماء الشائعة لديهم أيضا "بنومعروف".
ورغم رفض طائفة صغيرة من الدروز الذين يعيشون في إسرائيل تبعيتهم للدين الإسلامي، يدعو الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط الدروز دائماً إلى الحوار الإسلامي – الإسلامي مع باقي الطوائف، ويشدد على أنهم لم يخرجوا يوماً من عباءة المسلمين.
دورها في تاريخ سوريا.. وأبطال خلّد التاريخ أسماءهم
تعاقبت الحضارات على أرض السويداء منذ آلاف السنين، وفي ربوع المحافظة تتواجد آثار خلّفها الأراميّون والصفويّون والأنباط وكذلك اليونان والرومان، حيث تنتشر آثارهم في كافّة أرجاء المحافظة بشكل كثيف جداً.
مدينة شهبا
تعد مدينة شهبا أحد المعالم السياحية في المحافظة، وثاني أكبر المدن بعد السويداء، برز اسمها أيضاً بشكل واضح في التظاهرات الأخيرة التي شهدتها المحافظة، كفاعل أساسي في الوقوف في وجه النظام، والتنديد باستمراره في تجويع الشعب ومساهمته في الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا.
موقفها هذا ليس بالجديد، فقد لعبت شهبا دوراً مهماً في كافة الحضارات التي مرت على المنطقة، سيما في الحضارة الرومانية، بل وأصبحت نموذجاً للمدن الرومانية بعد أن حكم أحد أبنائها الإمبراطورية الرومانية آنذاك.
وإلى جانب مدينة شهبا، تضمّ محافظة السويداء عدداً من المعابد القديمة؛ مثل معبد هيليوس، ومعبد إله الشمس، معبد زيوس – كبير آلهة الإغريق -، إلى جانب قلعة صلخد التي يعود تاريخ إنشائها إلى العصر الفاطمي.
أعلام ومشاهير من السويداء
يرتبط اسم السويداء ارتباطاً وثيقاً باسم سلطان باشا الأطرش، البطل الثوري الذي قاد الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925، مُنح لقب باشا تقديراً له من السّلطات العثمانيّة على خدماته في دول أوروبا الشرقية.
وعن مشاهير السويداء في الفن و السياسة نذكر،المطربة والممثلة أسمهان، وشقيقها الموسيقار فريد الأطرش أحد أبرز أعلام الفنّ العربيّ، إلى جانب الفنان الراحل فهد بلّان الذي غنّى مجموعة من الأغاني التي مازالت عالقةً في الذاكرة العربية، مثل "واشرح لها"و"لاركب حدك يالموتور" و"يا سلامة".
كما ينحدر الفنان الكوميدي الراحل ناجي جبر المعروف بشخصية "أبو عنتر" من محافظة السويداء، إلى جانب ابنتي أخيه الممثلتان مرح وليلى جبر، والممثلة السورية جومانا مراد.
وإذا كنت ممن يتابعون "الثورة السورية"، فلا بد أنك سمعت أغنية "يا حيف" التي غنّاها ابن السويداء سميح شقير في أوائل العام 2011 تعبيراً منه عن دعم حراك الشارع.
وعلى صعيد الإعلاميين، ينحدر الإعلامي الشهير فيصل القاسم مقدِّم برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة "الجزيرة" من نفس المحافظة التي تنتمي إليها لونا الشبل التي سبق أن عملت كمذيعة في "الجزيرة" أيضاً، قبل أن تشغل منصب المستشارة الإعلامية لدى رئيس النظام السوري بشار الأسد بين عامي 2011 و2017.
إلى جانب ذلك، يعد الأمين العام السابق لحزب البعث العربي الاشتراكي شبلي العيسمي من أشهر أبناء المحافظة الجنوبية؛ ومع اندلاع الثورة السورية، قام النظام بخطفه من لبنان آنذاك بسبب مواقفه المؤيدة للثورة السورية وخوفاً من تأثيره على موقف الدروز من النظام.
دور السويداء في الثورة السّورية
على مدى عقد من الزمن، ومنذ اندلاع الثورة السورية، لم تشهد محافظة السويداء تظاهرات حاشدة كالتي تشهدها في الآونة الأخيرة، ففي الأعوام السابقة خرجت تظاهرات على رقعة ضيقة ذات مطالب محدودة، ولكن غلاء الأسعار والضنك المعيشي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فلأول مرة ومنذ اندلاع الثورة السورية، خرجت السويداء عن صمتها، وتضامنت علناً مع بقية المحافظات السورية، تحت شعارات بغالبيتها تطالب برحيل الأسد وإنهاء التدخل الخارجي في البلاد، وتندد بالانهيار الاقتصادي.