"فخر مساجد عصر المماليك".. هذا ما يوصف به مسجد السلطان المؤيد شيخ أو مسجد المؤيد أو المسجد المؤيدي الذي يُعتبر من أهم المساجد الأثرية في القاهرة، والذي بناه السلطان المؤيد بسبب "نذر" قديم كان قد وعد به.
وبالرغم من أن المسجد لا يزال يحتفظ بملامحه التي تشهد على أنه واحد من التحف المعمارية الهامة التي خلفها المماليك، فإنه مرّ بالعديد من الأهوال التي غيّرت قليلاً من شكله وجعلته بحاجة إلى الترميم، فقد تم قصفه بالمدافع قديماً، كما تعرّض للسرقة عدة مرات.
فلنتعرف معاً على المسجد المؤيدي، وقصة النذر التي كانت سبباً في بنائه:
مسجد السلطان المؤيد شيخ
كان المؤيد مملوكاً اشتراه السلطان الظاهر سيف الدين برقوق وهو صغير ثم أعتقه واعتنى به وعلّمه فنون الحرب والفروسية، وعندما كبر أصبح أحد أمراء الدولة المملوكية.
وقد ساعدته الأقدار وحسن تدبيره على اعتلاء كرسي السلطنة، ليصبح بذلك السلطان المملوكي الثامن والعشرين من أصل تركي الذي يحكم مصر عام 1412.
كان المؤيد مغرماً بالعمارة، فأنشأ منارة بالأزهر وجدد مسجد المقياس وأنشأ الخانقاه الخروبية وكذلك أنشأ عدة مساجد وأسبلة ومكاتب وعمائر أخرى بمصر والشام، لم يبق منها سوى بقايا سبيل ومصلى بالقلعة والبيمارستان بالمحجر والحمام بشارع تحت الربع وبالتأكيد، المسجد المؤيدي الذي أمر ببنائه في عام 1415 ليكون واحداً من أهم مساجد العصر المملوكي.
عندما توفي المؤيد في عام 1421 كانت قبة المسجد لا تزال قيد البناء، مع ذلك سُمي المسجد تيمناً به بعد إنهاء بنائه.
كما ضم المسجد ضريح المؤيد، وأضرحة أبنائه كذلك الصارمي إبراهيم والمظفر أحمد وأبوالفتح موسى.
من سجن إلى أحد أشهر المساجد الأثرية في القاهرة
قبل أن يُبنى مسجد السلطان مؤيد شيخ في ما يعرف حالياً بالسكرية بمنطقة الدرب الأحمر التابعة لحي وسط القاهرة، ضم موقعه سجناً قديماً عُرف باسم "خزانة شمائل"، وقد سُجن فيه المؤيد شيخ مدة من الزمن عندما كان أميراً لأسباب اختلف حولها المؤرخون.
عانى المؤيد كثيراً في سجنه، فنذر إلى الله إن نجا من محنته وخرج من السجن أن يبني مكانه مسجداً، وأن يكون المسجد وقفاً لوجه الله.
ولما أصبح سلطان مصر وفَّى بنذره فاشترى عدة دور وحارات مجاورة للسجن وهدمها جميعها، ليشيد مكانها مسجد السلطان المؤيد.
أشرف المهندس بدر الدين بن محب الدين الاستادار على البناء، بالتعاون مع الأمير ططر وبهاء الدين محمد بن البرجي، وقد كان المؤيد يمر بذاته بين الحين والآخر لمتابعة أعمال البناء.
وقد كان من بين البنائين المشاركين في أعمال العمارة محمد بن القزاز الذي تولى إقامة المنارتين الشرقية والغربية.
بلغت نفقات البناء ما يزيد على 70 ألف دينار، ونقلت إليه مكتبة كبيرة كانت بالقلعة، وكذلك 500 مجلد أهداها كاتب السر ناصر الدين محمد البارزي للمؤيد.
وقد قام السلطان المؤيد بتعيين مدرسين للمسجد لتدريس المذاهب الأربعة والحديث والقراءات والطب، وذلك بينما لا لم يكن بناء المسجد قد اكتمل بعد.
وصف مسجد السلطان المؤيد شيخ
للمسجد أربع إيوانات أو وجهات تم تجديد ثلاث منها حديثاً على نفس طرازها القديم، أما الوجهة الرابعة الرئيسية الشرقية فهي التي لا تزال محتفظة بتفاصيلها الأثرية القديمة، وهي وجهة كبيرة شاهقة حُليت أعتاب شبابيكها بالرخام.
يطل الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد على شارع المعز لدين الله وبه الواجهة الرئيسية والمدخل، ويطل الجزء الشمالي الشرقي على شارع الأشرقية، أما الشمالي الغربي ففيه مكان للوضوء ومساكن لطلبة العلم، والجزء الجنوبي الغربي يطل على شارع تحت الربع "شارع أحمد ماهر حالياً"، وتتداخل الزاوية الجنوبية للمسجد مع البرج الغربي لباب زويلة (أحد أبواب القاهرة القديمة).
يوجد للمسجد منارتان شاهقتان فوق باب زويلة، وقبة كبيرة مبنية من الحجر ومحلاة بالزخارف، ويضم قبرين يحوي أحدهما الصارمي إبراهيم، والمظفر أحمد، وأبوالفتح موسى وهم أبناء السلطان المؤيد، فيما يرقد بالقبر الثاني السلطان المؤيد شيخ.
ويجاور مسجد السلطان المؤيد شيخ عدة مساجد أثرية أخرى مثل مسجد الصالح طلائع، وزاوية الناصر فرج بن برقوق.
ضرب المسجد المؤيدي بالمدافع
على عكس بقية المساجد المعاصرة له والتي حافظت على كثير من تفاصيلها، فقد تلفت أجزاء من مسجد السلطان المؤيد شيخ سريعاً وكانت بحاجة إلى الترميم عدة مرات.
ويعزو بعض المؤرخين ذلك إلى مهاجمة المسجد في عام 1665 حين أمر عمر باشا حاكم مصر بعد استفتاء العلماء بضرب المسجد بالمدافع، لإخراج المتحصنين به من الزرب وهم جماعة من الطغاة الفاسدين وقتئذ، فصوب العسكر 12 مدفعاً نحو المسجد إلى وقت العصر، فاستسلم المتحصنون وفتحوا الأبواب وقبض عليهم وقتلوا.
وقد أعاد ترميمه للمرة الأولى أحمد باشا والي مصر في عام 1690، وفي القرن التاسع عشر الميلادي كان المسجد قد وصل إلى أسوأ حال، فرُمّم مرة أخرى في عهد الخديوي إسماعيل.
ثم تلا ذلك أعمال ترميم عديدة على مر السنوات كان آخرها في عام 2016.
سرقة محتويات مسجد السلطان المؤيد شيخ
تعرّض باب مسجد المؤيد شيخ الذي يعد تحفة فنية ويعود أصله إلى مسجد السلطان حسن للسرقة 4 مرات.
تمثلت المرة الأولى في سرقة جزء من الطبق النجمي بالمصراع الأيسر، وجزء من الشريط السفلي بنفس المصراع، والمرة الثانية كانت بسرقة أحد الأجزاء النحاسية البارزة في حشوات الأبواب من الطبق النجمي السفلي، وكذلك من الطبق النجمي بالمصراع الأيسر، وسرقة حشوات بجانب الطبق النجمي السفلي للمصراع الأيمن، وأيضاً سرقة الشريط السفلي للباب بالكامل وهو الذي سبق سرقة جزء منه، أما المرة الثالثة فسرق فيها الطبق النجمي السفلي بالمصراع الأيسر، وفي المرة الرابعة سرق فيها جزء من الطبق النجمي السفلي بالمصراع الأيمن.
منارات المسجد على العملة الورقية المصرية
بما أن مسجد المؤيد شيخ من الآثار المصرية ذات الطراز الخاص، وكنوع من الاهتمام بالمعالم السياحية والأثرية، فقد تم تزيين وجه العملة الورقية المصرية فئة 100 جنيه برسم لمنارتي المسجد فوق باب زويلة في إصدارات قديمة كانت تطبع خلال الفترة من 1 مارس 1921 إلى 3 أبريل 1945، فيما كان يحمل ظهر الورقة صورة لمركب شراعي في نهر النيل.