على أرض ظلت مجهولة لزمن طويل، قاد حنبعل أعتى حروبه، واستطاع التغلب على 100 ألف جندي، بينما كان تعداد جيشه لا يتجاوز 25 ألفاً، وولدت أسطورة المحارب الذي لا يقهر والذي يُنسب إليه اختراع العديد من التكتيكات الحربية في ساحات المعارك والتي لا زالت معتمدة حتى يومنا هذا.
ففي تلك الأرض المجهولة عام 220 ق.م دارت معركة تاغوس بين حنبعل وجنوده من جهة وبين الإيبيريين (الشعوب الذين عاشوا في شبه الجزيرة الإيبيرية) من جهة أخرى، واليوم بعد مضي آلاف السنين على انتهاء تلك المعركة، يؤكد بعض الباحثون أنهم تمكنوا من تحديد موقع الأرض التي جرت فوقها تلك الحرب الملحمية.
إليكم تفاصيل تلك الدراسة بحسب ما وردت في مجلة Smithsonian الأمريكية:
باحثون يكشفون عن موقع حنبعل الشهيرة
خاض القائد القرطاجي حنبعل جيوشه عبر جبال الألب باتجاه إيطاليا خلال ما يعرف بالحرب البونيقية الثانية، وقد كانت معركة تاغوس أول انتصاراته الكبيرة على أرضٍ يعتقد فريق بحث متخصص أنه اكتشف موقعها حديثاً.
بسبب الروايات غير المتطابقة للمؤرخين الكلاسيكيين بوليبيوس وليفيوس، إلى جانب الأدلة الأثرية الضئيلة، بقي الموقع الدقيق للمعركة قيد بحث ونقاش بين المؤرخين لأكثر من 200 سنة.
وبالرغم من أن المؤرخين يتفقون على أن تلك المعركة كانت على أرض إسبانية، فإنهم لم يكونوا متأكدين من الموقع الدقيق للمعركة هل كانت في مدينة توليدو، أو مدينة تلافيرا دي لا رينا، أو مدينة آرنخويث، أو مدينة كولمينار دي أوريغا، أو مدينة فوينتيدينيا؟
وتوصَّلت الدراسة الجديدة إلى الموقع المقترح من خلال الجمع بين روايات المعارك من العصور القديمة مع التحليل الحديث لشكل وتدفق نهر تاغوس والمناظر الطبيعية المحيطة به.
ووفقاً للورقة البحثية، يقترح الباحثون أن موقع معركة تاغوس الحقيقي يقع بين مدينتي درايبس وإيلانا بمقاطعة غوادالاخارا الإسبانية.
معركة تاغوس الملحمية
اشتهر حنبعل بغزواته ضد روما خلال الحرب البونيقية الثانية التي امتدت من 218 ق.م. حتى 201 ق.م، حين بدأ بالزحف مع جيوشه باتجاه إيطاليا.
لكن قبل عامين من صراعه مع روما، خاض الجنرال القرطاجي معركة محورية أقرب إلى وطنه.
يروي كلٌّ من بوليبيوس وليفيوس عن كمين نُصب لجيش حنبعل، البالغ 27 عاماً، عندما عاد إلى قاعدته في مدينة كارت هاداشت، الواقعة بمدينة كارتاخينا الإسبانية حالياً.
إذ يُقال إن جنود الجنرال البالغ عددهم 25 ألفاً وأفياله الحربية البالغة 40 فيلاً حربياً قد واجهوا جيشاً مكوناً من 100 ألف إيبيري من قبائل كاربينتاني وفيتون وأولكيد بالقرب من نهر تاغوس.
وقد نبهت التفاصيل التكتيكية للمعركة إلى براعة الجنرال الشاب في القيادة.
فمع تفوق العدو على قواته عددياً بنسبة أربعة إلى واحد، تحرك حنبعل لتجنب القتال في أرضٍ مفتوحة؛ ما منع ما كان من المحتمل أن يكون حمام دم.
وعندما هرب الجيش القرطاجي في عكس اتجاه تاغوس، تبعه الأيبيريون في مطاردة ساخنة، ولا شك أنهم اعتقدوا أنهم دفعوا الجيش الصغير مقارنة بأعدادهم إلى الهروب.
لكن في الواقع، قادهم حنبعل إلى فخ لم ينفعهم معه عددهم المتفوق.
إذ وجَّه القرطاجيون القبائل الإيبيرية إلى معابر ضيقة، حيث كانت مياه النهر السريعة ضحلة بما يكفي لعبورها سيراً على الأقدام.
ولمنع استخدام أي معابر بديلة، حصَّن جيش حنبعل أيضاً ضفة النهر.
بذلك، أُجبر الأيبيريون على العبور من المعابر الطبيعية، حيث كانوا أهدافاً سهلة لسلاح فرسان حنبعل، فيما فقد آخرون موضع أقدامهم وغرقوا في النهر، وواجه مَن تمكنوا من العبور بنجاح المشاة القرطاجيين وسرية أفيال الحرب.
وبالرغم من أن التاريخ قد روى لنا تفاصيل هذه المعركة الملحمية، فإن موقعها الدقيق لم يكن معروفاً.
كيف توصل الباحثون إلى موقع معركة تاغوس؟
وفقاً لصحيفة The TimesK توصَّل مؤلفو البحث الجديد إلى موقع النصر المذهل المقترح من خلال دراسة دقيقة للعوامل التاريخية والجغرافية والجيولوجية.
حيث حدد الباحثون أولاً أسرع طريق بري كان من الممكن أن تستخدمه قوات حنبعل للوصول إلى وجهتها: مدينة كارتاخينا الحالية.
بعد ذلك تتبع الباحثون مجرى النهر، إذ يرجح أن المعابر التي استخدمت في المعركة لا زالت موجودة اليوم.
كما درس الباحثون عدة أثريات يعتقد أنها بقايا التحصينات التي أنشأها جنود حنبعل على النهر، خصوصاً أن تلك الأثريات قريبة من تلة إل خاردن، التي من شأنها أن تمنح الجنرال مكاناً مرتفعاً لإدارة المعركة.
وِلتدعيم نتائجهم الأولية، أخبر الباحثون صحيفة El País أنهم ينوون إجراء دراسات أثرية مكمِّلة، تهدف إلى تحديد علامات أكثر وضوحاً للجيش القرطاجي، ومن بين ذلك عظام الأفيال.