إذا ذهبت برحلة سياحية إلى القاهرة يوماً ما، فلا تفوت زيارة أول مسجد صُمم على الطراز العثماني في مصر، مسجد سليمان باشا الخادم، أو جامع سارية الجبل.
للمكان سحر خاص، فور دخولك إلى حرم الجامع، ستشعر بالرهبة لمجرد أن تتخيل أن المصلين كانوا يقصدون هذا المكان للعبادة منذ أكثر من 400 عام من الآن، وعندما تدخل إلى المسجد، ستهبط عليك سكينة لا توصف، وسيبهرك جمال الخط الكوفي الذي نقشت فيه الآيات القرآنية على الأسقف والجدران.
لكن دعنا أولاً نحكِ لك قصة هذا الجامع، السبب وراء بنائه، ولماذا سمي بهذا الاسم:
مسجد سليمان باشا الخادم
في أعلى جبل المقطم، داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وعلى أطلال جامع فاطمي قديم هو جامع قسطة، بُني مسجد سليمان باشا الخادم في عام 1528 ليكون مسجداً مخصصاً للجنود الانكشاريين.
كان الانكشاريون من أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرهم نفوذاً وصلابة، وقد تم اختيارهم بعناية من نخبة قوات المشاة في الجيش.
لذلك كانت الدولة تحرص على منع اتصال الانكشارية بأقربائهم ليحافظوا على صلابتهم وقوتهم ويكرسوا حياتهم بالكامل للجيش العثماني ويبقوا بكامل تأهبهم وجاهزيتهم للقتال.
فكان يفرض عليهم العيش في الثكنات العسكرية حتى في أوقات السلم، لذا من الطبيعي أن تجهز تلك الثكنات بأماكن للنوم ومطابخ ومخازن أسلحة وكل الاحتياجات المدنية التي قد تخطر على البال.. وبالتأكيد لم تخلُ تلك الثكنات من المساجد.
وبناء على ذلك، بني هذا المسجد كي لا يضطر الجنود لمغادرة مكان إقامتهم وراء أسوار صلاح الدين، مهما كانت الأسباب، لا سيما وأن أقرب مسجد إليهم كان مسجد الناصر محمد بن قلاوون والذي كان بحالة سيئة ولا يصلح لإقامة الصلاة فيه.
لماذا أطلق على المسجد اسم سليمان باشا الخادم؟
كان سليمان باشا سياسياً عثمانياً خدم في عهد السلاطين بايزيد الثاني، وسليم الأول، وسليمان القانوني، وقد كان حاكماً لمصر لفترة طويلة امتدت من 1525 وحتى 1538 قبل أن يصبح صدراً أعظم في عام 1541.
عرف سليمان الخادم بإنجازاته العسكرية، إذ تمكنت القوات العثمانية تحت قيادته من السيطرة على عدن بعد تواطؤ أميرها مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية، كما أجرى حملة على الهند في عام 1538.
وإلى جانب ذلك اشتهر باهتمامه بالبناء والعمران خاصة في مصر التي حكمها قرابة 13 عاماً، ولعل أبرز إنجازاته في ذلك المجال الأمر ببناء المسجد الذي سمي تيمناً به، مسجد سليمان باشا الخادم والذي يعتبر أول مسجد يبنى على الطراز العثماني في مصر، إذ أمر الحاكم ببنائه على طراز الجوامع التي كانت تبنى في الأستانة آنذاك.
سارية الجبل أو سيدي سارية
مسجد سليمان باشا الخادم ليس التسمية الوحيدة التي يشتهر بها هذا الصرح العثماني الفريد، فهو يعرف أيضاً بمسجد "سارية الجبل" أو "سيدي سارية".
ولا يعرف على وجه التحديد سبب هذه التسمية، يقول البعض إنها ربما كانت تيمناً بالصحابي سارية بن زنيم بن عمر بن عبدالله قائد الجيوش الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي لقبه عمر بـ"سارية الجبل".
كذلك يطلق على المسجد اسم مسجد الرديني نسبة إلى الشيخ الرديني، وهو الحسن بن علي بن مرزوق بن عبدالله الرديني الفقيه المحدث.
تصميم مسجد سليمان باشا الخادم
يتكون المسجد من قسمين، أولهما مغطى ويمثل بيت الصلاة، وثانيهما مكشوف ويمثل الحرم.
أما مكان الصلاة فهو مغطى بقبة في الوسط تحيط بها أنصاف قباب مزينة بنقوش ملونة تتخللها كتابات متنوعة ويكسو جدرانه من أسفل وزرة من الرخام تنتهي بآيات قرآنية كتبت بالخط الكوفي.
ويتوسط جداره الشرقي محراب ومنبر من الرخام، أما الجدار الغربي فيحوي باباً يفضي إلى القسم الثاني.
القسم الثاني من المسجد (الحرم) عبارة عن صحن أوسط مكشوف تتوسطه نافورة معدة للوضوء، وفرشت أرضيته بالرخام الملون.
وبالجهة الغربية من الصحن قبة صغيرة بها عدة قبور عليها تراكيب رخامية ذات شواهد كتلك التي كانت منتشرة في ذلك العصر.
هذا وقد كانت قباب المسجد جميعها مكسوة بالقاشاني الأخضر، وقد صممت المآذن وفقاً للطراز العثماني الذي ساد في أغلب المساجد التي أنشئت في ذلك الزمان.