مع الحجر الصحي الذي فرضته معظم دول العالم على سكانها، وإلزام مَن يخرج منهم بارتداء أقنعة طبية في الأماكن العامة مع التزام شروط التباعد الاجتماعي، انتشرت صورة قديمة لسيدتين ترتديان ملابس أنيقة وقبعتين، وقناعين على وجهيهما.
ادعى بعض رواد الشبكات الاجتماعية أن الصورة تعود إلى جائحة "الإنفلونزا الإسبانية" عام 1918، وأنها تظهر كيف أصبحت الكمامات الطبية جزءاً من الرداء اليومي التقليدي، لكن هذا ليس صحيحاً.
الصورة حقيقية، لكن ما قيل عنها غير حقيقي، إذ التقطت الصورة قبل أكثر من 5 سنوات من ظهور جائحة الإنفلونزا حتى، إذ التقطت عام 1913 في ألمانيا، ضمن صور أزياء السيدات في هذا العام، لتظهر صيحات الموضة الجديدة التي كانت تتبعها السيدات، هذا يعني أن ارتداء أقنعة الوجه لم يكن لغرض طبي على الإطلاق.
أما هذه الصيحة فهي أقرب لموضة البرقع القديمة التي كنا نعرفها في مصر ودول الخليج، وقد ظهرت تأثراً بالأزياء العثمانية التقليدية في تلك الفترة، والتي ظهرت بوازعٍ ديني.
خاصة أن هذه الفترة تلت حرب البلقان، التي حدثت بين عامي 1912 و1913، بهدف السيطرة على أراضي الدولة العثمانية جنوب شرق أوروبا، خصوصاً مقدونيا ومعظم تراقيا، وفق موقع كشف الحقائق Snopes.
لكن هذا لا يمنع أن ارتداء الأقنعة خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية كان إلزامياً في دول عدة، ففي أوروبا كان ضباط الشرطة وعمال الصرف الصحي والمواطنون العاديون يرتدون أقنعة في محاولة لمنع انتشار المرض، وفي أمريكا مثلاً كانت الشرطة تسيّر دوريات في الشوارع للتأكد من ارتداء الناس الأقنعة في الأماكن العامة.
جائحة H1N1، المعروفة باسم الإنفلونزا الإسبانية حدثت عام 1918، وكانت واحدة من أكثر الأحداث فتكاً بالبشرية في التاريخ، إذ أصابت ما يقدر بنحو 500 مليون شخص (حوالي ثلث إجمالي سكان العالم وقتها)، وقتلت ما بين 50 إلى 100 مليون شخص.
وقد أطلق عليها هذا الاسم لأنَّ إسبانيا كانت واحدة من البلدان القلائل التي مكَّنت المراسلين الصحافيين في عام 1918 من التحدث عن انتشار المرض الخطير بحرية، في الوقت الذي فرضت فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا رقابةً على التقارير المُبكّرة وحظرتها.
ورغم أن المرض اجتاح العالم في ثلاث موجات، بدأ في نصف الكرة الشمالي بموجةٍ خفيفة في ربيع عام 1918، وأعقبتها موجةٌ فتّاكة في الخريف التالي، ثم موجة انتقامية في الأشهر الأولى من عام 1919، وأثر كثيراً على حياة الناس قبل ظهوره وبعدها، فإنه لم يصل إلى الدرجة التي يرتدي فيها الناس الكمامات الطبية كموضة.