على طريقة نجيب محفوظ في الحكايات.. هل قرأت “أوراق حلاق”؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/07 الساعة 11:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/07 الساعة 14:05 بتوقيت غرينتش
على طريقة نجيب محفوظ في الحكايات.. هل قرأت "أوراق حلاق"؟

"قصة، رواية، حكاية، فهذا سؤال ثقيل علی نفسي، التصنيف يشترط مُسمی، ولكنها مجرد أوراق، أوراق حلاق."

بهذه الكلمات ختم الكاتب "هشام عيد" افتتاحية كتابه "أوراق حلاق" الذي يدور حول رجل تمر تحت يديه رؤوس أغلب الناس.

"هشام عيد" فنان حر، رفض تقييد العمل بتصنيف أدبي، تركه يسبح بفرادة فكرته وجمال مفرداته وسط الكتب المصنفة.

"حلاقين آخر زمن وجدوا زبائن آخر زمن، لا عجب أن الناس توقفت عن سماع أغاني عبدالحليم وصارت تسمع أغاني الهَلس."

هشام عيد يدخل الحواري والشوارع، ويسمع الأحاديث العادية، ولكنه يكتب عن كل عادي بطريقة رائعة. على طريقة نجيب محفوظ في نقل الأجواء المحلية، والغرق فيها، يخرج نص "أوراق حلاق" نصاً فنياً بديعاً، مكتوباً بلغة بسيطة، وأفكار عميقة، يتحدث عن الناس العادية، والمزيفة. عن الناس جميعاً، وما يقولونه بينهم وبين بعضهم.

"نوبة غضب واحدة، قد تجعل كل ما بيننا من وفاق يبدو كالأكذوبة."

الحكايات في الحي لا تنضب، وكما يقول المثل: "اللي يعيش ياما يشوف، واللي يلف يشوف أكتر." يبدو أن كاتبنا طاف كثيراً، وسمع حكايات كثيرة كلها تصلح أن يكتبها، ليس من جودتها كلها، ولكن من جودة كتاباته التي تجعل أي حكاية رديئة قصة رائعة بسبب مفرداته وجمله السلسة. كما قدرته علی تكثيف السرد أحياناً بشكل يجعلك تلهث من الركض وراء الحكاية التي فجأة قد تلفظ أنفاسها الأخيرة بنهاية علی يد خبير مثل كاتب العمل.

"كيف تحولت الحمائم إلی كواسر تقتل أو تموت."

الحكايات عن الشباب والصبا والغرائز، والجنس والموت وتدخين الشيشة، وأيام الشباب وغنج الصبايا العذب الذي يصهر الحديد ويحول أشد الرجال إلی أطفال في أحضان النساء. وحكايات أخرى كتبها هشام عيد بقدرة هائلة على الربط بين قصص قصيرة وجعلها رواية، كسجادة فارسية من صنع يد أمهر النساجين. تبدو "أوراق حلاق" مثالاً حياً على قدرة أديب مصري أن يصنع من الكلمات عقداً جميلاً يزين الرقبة، أو ثوباً رائعاً، من ترتديه تصير أميرة تنتظر فارساً ينتزعها من بؤس الشارع الذي يحتوي الميكانيكي ودكان الحلاق والخياط والسباك. يبدو هنا "هشام عيد" وحده من استطاع وصف كل هذا في عمل واحد.

"إن بعضهم يموت لأن الحياة غير جديرة به."

الموت في أوراق الحلاق يأتي خاطفاً، سارقاً الشخصية التي تتعلق بها كقارئ ثم يهرب بها بعيداً لترتاح من قسوة صراعات الحياة مثلما حدث مع "أميرة" أو يأتي لأن الحياة ليست جديرة بمثل "عماد عفت" الرجل الذي يرحل عن الحياة لأنها قبيحة جداً.

"غلطات الأخيار بهجة الأشرار."

حينما تقرأ هذا العمل من الصعب أن تحكم حكماً مطلقاً على أبطاله، الفقر بلطجي لا يعرف الرحمة، والشهوة خطيئة منذ الأزل، والكيف يذل كل ما يعرف طريقاً له، والعوز لا يفرق بين أحد والآخر، وكلنا هنا في هذه الأوراق، لذلك تجد الشاعرية عند هشام عيد مُبكية، تجعلك تدمع دون أن تدري، حتی لو كنت صلباً، ستجد الدموع طريقها لعينيك حينما تقرأ هذا العمل.

"لماذا ينفرد الله بهذا الخيار؟ يأخذ من يحب ويستبقي من نكره؟"

نجد هنا فلسفة كاتب العمل حيادية. الأبطال مثلنا. لماذا لا نطرح الأسئلة؟ لماذا لا نتفاعل ونتعاطف معهم؟ ولماذا لا نتمنى لهم حياة أقل بؤساً من تلك؟

ولكن الأقدار لا تعرف للأمنيات طريقاً، وتأتي وتذهب الأحداث ونحن هنا نؤدي أدوارنا المكتوبة لأننا لا نملك شيئاً سوى الانتظار.

"ربما كنت أنا الغبي منذ البداية، هل يدرك الأشرار أنهم أشرار؟"

هذا العمل من النوع الذي لا يموت، ولا يتم تركه أو نسيانه، هو عمل شامل، يجمع كل المشاعر، وكل المفردات، ويمزج الحب والكره، الخير والشر، الطيب والخبيث، وغيرها من الأشياء التي تحدث بداخلك، وتجعلك تقرأ عملاً مثل هذا بصبر بالغ، لتتذوق منه مفردات حلوة، وتشرب منه بعد ظمأ كتابة جيدة تروي عطشك كقارئ لعمل رائع لا يشبه غيره.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد