تلعب الأسلحة النارية اليوم دوراً كبيراً في مسيرة البشرية، كما لعبت دوراً هاماً منذ ظهورها في تغيير أشكال نظم الحكم، وحدود الدول بداية من الحروب وحتى حفظ الأمن، ومكافحة الجريمة. وعندما نتساءل عن بداية هذا التطور، فيجدر بنا التحدث عن الأسلحة النارية وتطورها.
من اختراع مسحوق متفجر في الصين منذ 11 قرناً عرف باسم البارود، إلى أحدث أسلحة نارية يحملها رجال الأمن والعسكريون اليوم، إليك نبذة عن تاريخ الأسلحة النارية، وكيف تطورت إلى ما نراه اليوم.
أول سلاح ناري في التاريخ.. من البارود الصيني
في حوالي القرن العاشر ميلادي، ظهر في الصين مسحوق البارود الأسود والذي تطور من مزج الفحم مع الملح الصخري وعنصر الكبريت، واستخدم في الاحتفالات والتواصل بالإشارات.
ولكن في الفترة الزمنية ما بين القرن العاشر والثاني عشر؛ ظهر في سجلات التاريخ الصيني اسم (هو ياو Huo Yao) وهو كيميائي صيني؛ طور باستخدام هذا المسحوق المسمى البارود أو شكل من أشكال الأسلحة النارية الأولية؛ الرمح الناري.
وكان أول مسدس -رمح ناري- عبارة عن ماسورة من ساق نبات البامبو أو من البرونز أو الحديد تُحشى بالبارود ثم أعلاه قطعة معدنية ثم يُشعَل يدوياً لتقذف قوة الانفجار المحدود بالقطعة المعدنية إلى الخارج في الاتجاه المرغوب فيه.
ومن هذا الابتكار غير الآمن والذي يمكن أن نتخيل كيف يمكن أن يسبب الأذى لمستخدمه بشكل مماثل من الشخص الذي يقف قبالته؛ طور الصينيون أول مدفع يدوي، باستخدام ماسورة معدنية أقوى وأكثر تحملاً لاحتراق البارود، وزوّدت هذه المواسير بحوامل خشبية قوية لسهولة حمل السلاح، والذي تبنته أسرة مينج الحاكمة في الصين بكثافة كسلاح لأفراد الجيش الإمبراطوري.
الأسلحة النارية وتطورها أوروبا وآسيا والشرق الأوسط
مع حركات التجارة بين أوروبا والصين، تحديداً بين القرن الثالث عشر والرابع عشر انتقلت المدافع اليدوية المخيفة آنذاك إلى أيادي الأوروبيين الذين قام بعضهم في دول مختلفة -مثل إسبانيا والبرتغال وبريطانيا- بتطوير هذه المدافع اليدوية، واستخدامها كسلاح أساسي للجنود في المعارك.
وبالطبع خلال القرون الوسطى، الفترة الأشد غموضاً في تاريخ العالم، انتقل السلاح الناري بشكل كثيف، ولم يعد يقتصر على الجيوش فقط، بل ولتيسير استخدامه كان بعض العامة والقراصنة يحشون أسلحتهم النارية بالمسامير والقطع الخشبية والنقود المعدنية وكل ما يمكن أن يسبب إصابة للأعداء.
في القرن الخامس عشر عرف العثمانيون الشكل الأكثر حداثة من المدافع اليدوية، وتبنته الإمبراطورية العثمانية كسلاح أساسي ساهم بشكل كبير في تأجيج انتصاراتها في أوروبا والشرق الأوسط أيضاً.
معضلات الأسلحة النارية.. الدقة أولوية هامة
عندما ينفجر البارود داخل مساحة صغيرة مثل الماسورة الأسطوانية، فإن قوة اندفاع المقذوف قد تطيح به بسرعة وقوة عشوائية كان حسابها قديماً أمراً عصيباً، وتطلب التصويب جهداً كبيراً بدون نتائج جيدة، لكن في أواخر القرن السادس عشر، اختلف الأمر، وتحديداً في بلدة أوغزبرغ الألمانية، والتي كانت مركزاً هاماً لصناعة الأسلحة والدروع آنذاك.
هناك ظهر اختراع غير وجه صناعة الأسلحة النارية وهو Rifling أي خشخشة جدران ماسورة الأسلحة من الداخل بشكل حلزوني لضبط قوة واتجاه المقذوف، وهنا كانت المحطة الأولى لسلاح ناري أكثر دقة، وأشد تأثيراً.
ثم تطور بعد هذا شكل المسدس أو البندقية من حيث التعبئة، ونظام تعمير البارود إلى ما عرف باسم Flintlock باستخدام فتيل قابل للاشتعال في مؤخرة السلاح لحرق البارود بشكل تدريجي.
وبالطبع جعلت التطورات الأخيرة البنادق والمسدسات صناعة كبيرة، تطورت في دول أوروبا مع الثورة الصناعية والتوسع الاستعماري الغربي.
ولكن مع الحرب البريطانية الأمريكية في أعقاب اكتشاف أمريكا وتحولها إلى وجهة جديدة عالمية، قفزت الأسلحة النارية قفزة تطورية كبيرة في الأسلحة النارية.
صامويل كولت وأول مسدس متعدد الطلقات.. وطلقات ذات جزأين
في عام 1836 ابتكر المخترع والمهندس الأمريكي صامويل كولت أول مسدس يدوي يتغلب على معضلة إعادة التعبئة، فقد كانت قبل هذا المسدسات والبنادق تعبأ من مقدمة ماسورة السلاح، بطلقة كروية واحدة؛ لكن مسدس كولت كان متقدماً، ومستقبلياً آنذاك.
ابتكر كولت المسدس ذا الساقية المعدنية الدوارة الذي يعبأ بطلقات متعددة -5 أو 6 طلقات- أسطوانية ذات جزأين -مقذوف وفارغ- وغير تماماً عمل السلاح الناري بتعبئة البارود داخل الطلقة نفسها وليس في ماسورة المسدس كما كان الحال سابقاً.
وبالطبع بعدما أثبت السلاح نجاحاً كبيراً أثناء حرب التحرير الأمريكية، بدأت شركات أخرى في تطوير أسلحة مشابهة؛ وإن لم تطغ على فكرة صامويل كولت الذي ينسب إليه اختراع المسدس الحديث.
ومن هذا الابتكار، سرعان ما ظهر أول مدفع آلي اشتقت فكرته بالأساس من مسدس كولت؛ وعُرف باسم مدفع غاتلينغ نسبة إلى المهندس ريتشارد غاتلينغ الذي ابتكره، والذي لم يكن ليوصف سوى بأنه مسدس كولت متضخم يطلق طلقات أضخم.
بندقية الخرطوش والأسلحة الحديثة
ينسب الفضل في ابتكار بندقية الخرطوش إلى المهندس والمخترع الأمريكي جون موزس براوننغ، والذي طور في بدايات القرن التاسع عشر بندقية مزدوجة الماسورة تطلق طلقات مختلفة التأثير، فالطلقة الخرطوشة كانت أسطوانة من الورق المقوى المعزز محشوة بحفنة من الكريات الصغيرة والبارود.
نافست هذه البنادق القوية التأثير عالية الصوت مسدسات وبنادق كولت، وبدأ أكثر مُطور في تجريب تقنيات مشابهة لتقنياتهم، ليشهد العالم ميلاد الأسلحة الحديثة والتي تطورت بشكل سريع مع نهاية القرن التاسع عشر.
وبدأت دول كبرى مثل بريطانيا وألمانيا والاتحاد السوفيتي في تصنيع نُسخ مختلفة من الأسلحة النارية خصوصاً مع اندلاع الحربين العالمية الاولى والثانية، فظهرت أسلحة شهيرة متنافسة مثل مدفع كلاشينكوف الرشاش وبندقية إم 16 الأمريكية، بخلاف المسدسات اليدوية الشهيرة لماركات مثل سميث آند ويسون ووالتر وبيريتا.
اليوم صارت الأسلحة النارية الآلية هي سلاح الحرب الأول للجنود، وصارت المسدسات والبنادق الخفيفة هي الاختيار الأول لقوات الشرطة في العالم، ولم يتوقف حتى يومنا هذا تطوير الأسلحة الخفيفة والآلية، فكل يوم يعكف المخترعون على الوصول لسلاح ناري متفوق لضمان القوة العسكرية والأمنية.