أمريكا "بلاد الحرية"، تأسست من ولاياتٍ متناقضة بعد حربٍ ثورية دامت 8 سنوات، كان رئيس أمريكا الأول بعدها هو الجنرال جورج واشنطن. لكن هذا الرئيس الأول حظي بعدة تناقضات واضحة في أثناء حكمه. وفي هذا التقرير نعرض لكم بعض الحقائق الكثيرة عن أول رئيس للدولة، التي أصبحت أقوى دولة في العالم، وفق ما نشره موقع History الأمريكي.
1- لم يحصل إلا على التعليم الابتدائي
انتهى مشوار الرئيس الأول للولايات المتحدة في التعليم النظامي بعد وفاة والده، وكانت سنُّه حينها 11 عاماً. حرم هذا الحادث المفاجئ جورج واشنطن من فرصة إكمال تعليمه في إنجلترا، وهو امتيازٌ حصل عليه إخوته غير الأشقاء الأكبر سناً.
لاحقاً، لم تتزوج والدة واشنطن، وهو ما أجبر ابنها المراهق على تحمُّل أعباء ثقيلة في سنٍّ مبكرة؛ لكونه الأخ الأكبر لستة أطفالٍ في عائلة والده الثانية.
علَّمته أمه كيف يدير مزرعة تبغ، وعندما بلغ 16 عاماً تولى أول وظيفةٍ له كمسّاحٍ للأراضي. وظل واشنطن يشعر بالحرج بقية حياته من عدم إكماله تعليمه، خصوصاً أن منتقديه كانوا دائماً ما يعايرونه بذلك.
وقد وصفه جون آدامز، الرئيس الثاني لأمريكا، بأنه "شخص أُمّي، غير متعلم، وأن أحداً لم يعد يقرأ عنه، بسبب مواقفه وسمعته".
2- قاد وهو شاب مناوشاتٍ عسكريةً كارثيةً كانت شرارة حربٍ عالميةٍ مصغرة
بينما كانت إمبراطوريتا فرنسا وبريطانيا الاستعماريتان تتقاتلان من أجل الأراضي على أطراف مستعمرات أمريكا الشمالية، وقفت ولاية فرجينيا (مسقط رأس جورج) مع البريطانيين.
أُرسل جورج واشنطن، بصفته ضابطاً في قوات فيرجينيا، إلى وادي أوهايو (غرب ولاية بنسلفانيا الآن) مع نحو 150 جندياً، للمساعدة في صد أية هجماتٍ يشنها الفرنسيون. وحذَّره حلفاؤه من السكان اللأصليين لأمريكا، من أن قوةً فرنسيةً صغيرةً أقامت معسكراً على بعد عدة أميالٍ من موقعه، فقاد هجوماً مع 40 من جنوده، إلى جانب عشرات من المحاربين السكان الأصليين على المعسكر الفرنسي.
في نهاية المناوشات قُتل ما لا يقل عن 10 جنود فرنسيين، وجندي واحد من قوات فيرجينيا التي يقودها واشنطن. لكن الحدث الأبرز كان مقتل النبيل الفرنسي جوزيف كولون دي فيليرز، نبيل جيمونفيل، الذي قال الفرنسيون لاحقاً إنه كان في مهمةٍ دبلوماسيةٍ.
أثار اغتيال جيمونفيل غضب الفرنسيين، الذين وصفوا واشنطن بالقاتل. وتصاعد الصراع بين الفرنسيين والبريطانيين، ليتحول إلى الحرب الفرنسية الهندية، وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء العالم، فيما يُعرف باسم حرب السنوات السبع. وحتى الآن لا يزال هناك اختلافٌ في أمر من أطلق الرصاصة الأولى في تلك المناوشات.
3- حُبُّ جورج واشنطن الأول كان زوجة أعز أصدقائه
قبل أسابيع من حفل زفاف جورج واشنطن كتب تلك الرسالة: "ليس للعالم دخلٌ في حبي لك، الذي أعلنه لك بهذه الطريقة، في حين أريد أن أخفيه تماماً"، لكنه لم يرسلها إلى خطيبته مارثا كوستيس؛ بل أرسلها إلى سالي فيرفاكس، التي كانت متزوجةً بجورج فيرفاكس أحد أعز أصدقاء جورج، وابن أحد أكبر مُلاك الأراضي في فيرجينيا.
نشأت الصداقة بين واشنطن وسالي، التي يصفها بـ "الجميلة ذات العيون الداكنة" في مرحلة مراهقته الحرجة، ويُرجع المؤرخون الفضل إليها في صقله اجتماعياً، وتعليمه كيفية التصرف والمحادثة بين الأثرياء والأقوياء، وحتى كيفية أداء رقصة المينويت الفرنسية. ولكن لم يتضح لأحدٍ حتى الآن، ما إذا كانت قد جمعتهما علاقةٌ رومانسية أم لا.
4- صنعوا له أسنانه من أسنان العبيد
عند مشاهدتك لوحات جورج واشنطن ستلاحظ أنه لم يكن يبتسم كثيراً؛ فقد دُمِّرَت أسنانه بسبب استخدامه إياها في تقشير الجوز. واضطر للجوء إلى الأسنان الصناعية التي صنعها من مواد كثيرة. في الواقع لقد صنعوا طقم أسنانه من أسنانٍ بشريةٍ حقيقيةٍ، فقد سحِبَت من أفواه الفقراء وعماله المستعبَدين، بجانب العاج وأسنان البقر والرصاص!
المثير أن طقم الأسنان كان يحتوي على زنبرك صغيرٍ يساعده على فتح فمه وإغلاقه. كانت أسنانه المستعارة تسبب له كثيراً من الإزعاج، وكانت أحد الأسباب التي تجعله نادراً ما يبتسم. وكان عليه أن يتناول الشراب وكعك الذرة (لطراوته)، مُقطِّعاً إياه إلى قطعٍ صغيرةٍ؛ لجعله أسهل في الأكل.
5- لم يكن جنرالاً بارعاً، لكنه كان رائعاً في فنون التجسس والمخابرات
كافح واشنطن بقوةٍ للفوز في الحرب الثورية، التي أوصلت أمريكا إلى ما هي عليه الآن، بجيشٍ كان يعاني نقصاً دائماً في القوة، والتدريب، والموارد. لذلك، من أجل أن ينتصر على واحدةٍ من كبرى القوات العسكرية في العالم، كان عليه أن يعتمد بشكلٍ كبير على سلاحه غير المرئي: شبكة الاستخبارات السرية.
طوال فترة النزاع، ساعده جواسيسه على اتخاذ قراراتٍ جريئةٍ وحكيمةٍ من شأنها قلب مجرى الصراع، وفي بعض الحالات، أنقذت هذه القرارات حياته.
تعجُّ قصة شبكة التجسس السرية لواشنطن، وكيف ساعدت الأمريكيين على الفوز بثورتهم، بالمكائد: فكانت هناك رسائل مكتوبةٌ بالحبر السري، وعميلةٌ نادرةٌ عُرفت باسم العميل 355، كانت عميلةً مزدوجةً من أصلٍ إفريقيٍّ، وخيّاطٌ وطنيٌ كان يجمع المعلومات في أثناء صنع الملابس للضباط البريطانيين، وكان سبب الإعدام الشنيع للجاسوس ناثان هيل.
وفقاً لوكالة المخابرات المركزية: "فقد كان واشنطن يشارك في عمليات الاستخبارات أكثر من أي قائدٍ عامٍ للقوات الأمريكية، ولم يتفوق عليه في ذلك أحدٌ إلى أن جاء الرئيس دوايت أيزنهاور خلال الحرب العالمية الثانية".
6- عندما استقال من منصبه كجنرال لم يكن يريد أن يصبح رئيساً
كان جورج واشنطن أبرز جنرالات الحرب الثورية الأمريكية التي وحَّدت أمريكا، وبعد الحرب عاد إلى دياره في جبل فيرنون، ليعيش حياته المرفهة مع أسرته، لكن لظروفٍ كثيرة تم انتخابه أول رئيس لأمريكا، وهو في طريقه إلى واشنطن أخبر جورج صديقَه الجنرال هنري نوكس، الذي شارك معه في حرب الاستقلال الأمريكية، وكان أول وزير حرب للولايات المتحدة: "ستكون تحركاتي لرئاسة الحكومة مختلطة بمشاعر لا تختلف عن مشاعر الجاني الذي يسير لحكم إعدامه".
بعدما أصبح رئيساً أصابت خياراته السياسية كثيراً من حوله بالحنق، ورغم أن عيد ميلاده أصبح "يوم الرؤساء" في أمريكا، فإن عديداً من السياسيين ورؤساء أمريكا اللاحقين كانوا معارضين لسياساته، ويبدو أن واشنطن خسر كثيراً من شعبيته وجماهيريته بعد أن أصبح رئيساً.
7- لم ينجب أبناء لكنه كان أباً لكثيرين
لم يثبت بشكلٍ قاطع، سبب عدم وجود أطفال لجورج واشنطن. تتراوح النظريات بين إصابة جورج المبكرة بالجدري أو السُّل وإصابة زوجته مارثا بالحصبة.
لكن عندما تزوج واشنطن، مارثا كانت أرملةً شابةً ثريةً، وأصبح هو الوصيّ القانوني على طفليها: جون بارك كوستيس (أربع سنوات) ومارثا بارك كوستيس (عامان). كان مولعاً جداً بهما، وحزن بشدةٍ عندما ماتت الطفلة في سن 17 عاماً، بسبب نوبة صرعٍ.
كأب، كان مولعاً بشكلٍ خاص بتقديم المشورة عبر الرسائل، حول كل شيء تقريباً، من التعليم إلى الرومانسية. لقد أزعج ابن زوجته ليتحلى بمزيدٍ من الانضباط في دراسته، وحذَّر حفيدته من الزواج لأسبابٍ خاطئة، فكتب لها: "الحب شيءٌ جميلٌ عظيمٌ، ولكن مثل كل الأشياء اللذيذة الأخرى فإنه يسبب التخمة، مثل طعامٍ لذيذٍ جداً، لدرجة أنه لا يمكن العيش عليه وحده".
8- كان مولعاً بحيواناته
لم يكن واشنطن أول رئيسٍ لأمريكا فحسب؛ بل كان أول مربٍّ للبغال فيها! وإدراكاً منه لقيمة البغل بالنسبة للمزارعين، يُعتقد أن واشنطن كان مسؤولاً عن إنشاء مخزون البغال الذي عمِل على دعم الزراعة الأمريكية في الجنوب عدة أجيالٍ.
ولم تكن البغال الحيوانات الوحيدة التي رباها واشنطن. فبالإضافة إلى عديد من أنواع الطيور، احتفظ واشنطن بعديد من سلالات الكلاب بموطنه في جبل فيرنون، وضمن الدالميشن، والثعالب الإنجليزية، وكلاب الصيد الفرنسية، وكلاب السلوقي، والسلوقي الإيطالي، والدرواس، ونيوفاوندلاندز، والبوينترز، والإسبانيل والترير.
باختصار كان جورج واشنطن عاشقاً للكلاب الضخمة، يربي كلاب الصيد بشكلٍ انتقائيٍّ على مر السنين، وأعطاهم أسماء محبَّبة مثل: سويت ليبس، وفينوس، وترولف، وتاستر، وتيبلر، ودران كارد، ومدام موس.
9- كان واشنطن حذراً حين يتطرق الأمر إلى معتقداته الدينية
هناك كثير من الشائعات، أو فلنقل التخمينات حول معتقدات جورج واشنطن الدينية، فالبعض يعتقد أنه ربما كان ملحداً، في حين يؤكد البعض الآخر أنه كان مسيحياً.
وبالطبع يصعب توقُّع معتقداته الدينية، خصوصاً مع وجود عددٍ قليلٍ جداً من السجلات التي يمكن الاعتماد عليها، يقتصر المؤرخون في الغالب على تحليل أفعاله، ومحاولة فهم ما كان يعتقده من خلالها.
المشكلة هي أنه حتى أفعاله الواضحة يمكن أن تبدو متناقضةً في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، شجَّع الرئيس الأول زملاءه وفريقه على العبادة والتناوب على الكنيسة، لكنه نفسه كان يصعب عليه أحياناً الحضور إلى الكنيسة عدة أسابيع متتالية.
ولسنواتٍ عديدةٍ أخرى كان يعمل باعتباره فرداً من رجال الكنيسة ونائباً للكنيسة، لكنه ترك الخدمة بدلاً من الاندماج في الطائفة. وبينما كان يستخدم لفظ "العناية الإلهية" كثيراً في كتاباته، كان بها قليل نسبياً من كلمات مثل "الله" أو "يسوع المسيح".
ورغم هذا الموقف الذي يبدو أنه "ليس مسيحياً كفاية"، فإنه أيضاً كان شخصاً متسامحاً مع كل الديانات، فهو الذي كتب "صدر أمريكا مفتوح لأحضان المظلومين والمضطهدين من مختلف الأوطان والديانات، وعلينا أن نرحِّب بهم للمشاركة في حقوقنا وامتيازاتنا كافة. قد يكونون مسلمين، ويهوداً، ومسيحيين من أية طائفة، أو قد يكونون ملحدين!". وربما كان هذا الموقف ما أثار التكهنات بشأن أن جورج واشنطن كان ملحداً.
10- كانت علاقته بالعبودية معقدةً
تعد مواقفه المتناقضة تجاه العبودية واحدة من أبرز ألغاز حياته. مثل جميع مُلاك الأراضي الأثرياء في فرجينيا، كان واشنطن يمتلك عبيداً يعملون في أرضه، وامتلك أول عمالٍ مستعبَدين بنفسه عندما تُوفي والده في عام 1743. كان واشنطن يبلغ حينها 11 عاماً فقط، وكان يملك 10 عبيد. وبحلول الوقت الذي تزوج فيه مارثا كوستيس في عام 1759، كان قد اشترى ما لا يقل عن ثمانيةٍ آخرين، وكانت زوجته تمتلك عبيداً أيضاً قبل الزواج.
على مر السنين، تطور تفكير واشنطن في العبودية. وخلال الحرب، أصبح غير مرتاحٍ أكثر لفكرة شراء البشر الآخرين وامتلاكهم. وبينما أيد الإلغاء من الناحية النظرية، لم يجرِّبه من الناحية العملية. واعتمد في مزرعته وثروته وموقعه بالمجتمع على العمال المستعبَدين.
وعندما فرَّت إحدى جواري مارثا المستعبَدات طلباً للحرية في عام 1796، أمضى واشنطن السنوات الثلاث الأخيرة من حياته؛ محاوِلاً إجبارها على العودة. ولكن عندما حان الوقت لصياغة وصيته، فقد وصّى فيها بتحرير عبيده، بشرط أن يظلوا مع مارثا لبقية حياتها.
وفي عام 1780، أصدرت ولاية بنسلفانيا قانون إلغاء تحرير العبيد التدريدي، ووفق القانون فإن العبيد الذين جاءوا إلى الولاية مستعبَدين، يتم تحريرهم بعد إقامتهم بستة أشهر فقط. وللالتفاف على ذلك فقد عاش واشنطن بين بنسلفانيا ونيويورك، مضطراً إلى جلب عبيد كلَّ ستة أشهر في بنسلفانيا، كي لا يخالف القانون.
نختم هذا التقرير بمعلومةٍ مثيرة، فقد كان واشنطن يخشى أن يُدفن وهو على قيد الحياة، لأنه كان مقتنعاً بأن هناك آخرين عبر التاريخ قد دُفنوا أحياءً. وأمر بعدم دفن جثته مدة ثلاثة أيام بعد وفاته، فقط من باب الاحتياط.