ليس من المبالغ به إطلاق مصطلح "الموت الأسود" على وباء الطاعون الذي اجتاح أوروبا في القرن الرابع عشر الميلادي، فبعض المؤرخين قدروا أن هذا الوباء قد أودى بحياة ثلث سكان أوروبا بينما يجد مؤرخون آخرون مثل المؤرخ النرويجي أولي يروغن بنديكتو أن هذا الوباء تسبب في موت أكثر من نصف السكان.
فما هو هذا الوباء وكيف انتشر في أنحاء أوروبا؟
متى بدأ الموت الأسود؟
بحسب موقع Live Science اجتاح الموت الأسود منطقة الشرق الأوسط وأوروبا في الفترة بين عامي 1346 و1353، لكن هناك إشارات على أنه ربما قد بدأ قبل ذلك بعقودٍ عدة، تحديداً في هضبة التبت بوسط آسيا.
وما لا يعرفه الكثيرون هو أن الطاعون استمر في اجتياح أوروبا والشرق الأوسط وما حولهما خلال القرون الأربعة التالية، إذ كان يعود للظهور كل 10 إلى 20 سنة.
تُعرف فترة تكرار انتشار وباء الطاعون بين القرنين الرابع عشر والثامن عشر باسم الوباء الثاني.
بينما حدث ما يُعرف بالوباء الأول بدايةً من القرن السادس إلى القرن الثامن الميلادي، بينما حدث الوباء الثالث بين عامي 1860 و1960 تقريباً.
ويرى المؤرخ بنديكتو أن اسم "الموت الأسود" هو في الحقيقة سوء فهم وترجمة خاطئة للتعبير اللاتيني "atra mors" الذي كان يعني في ذلك الوقت "مفزع" و"أسود".
ولا يوجد ارتباط بين هذا الاسم المروع والأعراض التي يعانيها المصابون بالمرض.
أسباب وأعراض الطاعون
تنتقل بكتيريا الطاعون المسماة يرسينيا إلى البشر من خلال لدغات الحشرات التي تغذت من قبل على القوارض أو الحيوانات المصابة بالمرض مثل الجرذان والسناجب البرية والكلاب، أما الطاعون الرئوي فينتقل بمجرد استنشاق الرذاذ المتطاير لسعال شخص أو حيوان مصاب.
أما أعراض المرض فتترواح ما بين الحمى والقشعريرة والصداع وآلام البطن والإسهال والقيء ونزيف من الفم أو الأنف أو المستقيم في حالة طاعون إنتان الدم.
لكن، مع عجز المعالجين في القرن الرابع عشر عن تفسير سبب الطاعون عزاه الأوروبيون إلى القوى الفلكية والزلازل وتسميم اليهود للآبار.
كيف أثر الموت الأسود على أوروبا؟
على الرغم من أن الأمر قد يبدو مفاجئاً لشعوب العصر الحديث، إلا أن شعوب القرون الوسطى والقرون الحديثة الأولى اعتادت الطاعون وتقبلت الخسارة الفادحة التي تكبدها السكان بسبب المرض.
ومع طول العهد بهذا الوباء، بدأ الأطباء والعلماء بالعمل على فهم مرض الطاعون وعلاجه بطريقة أفضل، وخاصةً من حيث منع وصوله وانتشاره في مجتمعاتهم.
فحدثت العديد من التطورات المهمة في تاريخ الطب والصحة بفضل الطاعون، مثل: إحياء علم التشريح واكتشاف الدورة الدموية وتطور إجراءات الصحة العامة.
وبينما لم يتضح سبب انتهاء الوباء الثاني في غرب أوروبا، استمر الوباء في اجتياح روسيا والإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر.
ويقدِّر المؤرخ النرويجي أولي يروغن بنديكتو أن 50-60% من سكان أوروبا ماتوا خلال فترة الموت الأسود، وهي نسبة أكبر من النسبة التي تُذكر في كثير من الأحيان والتي تشير إلى أن ثلث الأوروبيين فقدوا حياتهم بسبب المرض.
متى انتهى الموت الأسود؟
كان طاعون لندن العظيم هو آخر تفش كبير للمرض في إنجلترا، ويبدو أيضاً أن الطاعون كان قد اختفى من الأراضي الإسبانية والألمانية بعد القرن السابع عشر.
ويُعتبر طاعون مارسيليا في فرنسا (1720-1721) هو آخر تفش كبير للمرض في غرب أوروبا.
يزعم بعض المؤرخين أن الصحة العامة كانت قد تحسنت إلى الحد الذي سمح بوقف انتشار الطاعون، لا سيما من خلال الاستخدام المنظم والفعال للتشريعات الصحية.
في حين يشير آخرون إلى أن السبب هو التغيرات الهائلة في البشر أو القوارض أو في البكتيريا المسببة للمرض نفسها.
لكن ما هو واضح، أنه في القرون الأربعة بين فترة الموت الأسود واختفاء الطاعون من أوروبا، عمل الأطباء بلا كلل لتفسير هذا المرض المروع واحتوائه وعلاجه.