الرجل الذي أنقذ «برابيت» من مأساة أكبر بعد انفجار «تشيرنوبل».. ماذا فعل بوريس شربينا وكيف جسَّدته الدراما؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/06/26 الساعة 16:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/26 الساعة 16:54 بتوقيت غرينتش


ذكر مسلسل Chernobyl لشبكة HBO ملايين المشاهدين بحجم الدمار الكارثي الذي خلَّفته  الكارثة النووية عام 1986، ومنذ البداية للنهاية، نال المسلسل إشادة واسعة بسبب دقته في عرض الأحداث التاريخية.

ومع ذلك، فإن كل الأعمال الإبداعية غير الخيالية تُغير الحقيقة الواقعية للأحداث، حيث تحتاج إلى عرض المعلومات وفقاً للقيود التي يفرضها الوقت، وسرعة ووتيرة العرض.

وبالأغلب تتدخل الدراما لتعرض شخصيات مركبة، وتسيطر على سير الأحداث وتتحكم في آلية عرضها، لكنها لا تكون دقيقة تاريخياً، ووفق ما ورد في موقع All That's Interesting فإن شخصية بوريس شربيا، نائب رئيس الوزراء ونائب رئيس مجلس وزراء الاتحاد السوفيتي في وقت وقوع الكارثة، قد لا تكون دقيقة، لأن السرية ونقص المعلومات في الاتحاد السوفيتي أثناء حقبة الحرب الباردة جعلا مصداقية تجسيده في المسلسل محل شك إلى حد كبير.

بوريس شربينا في مسلسل  Chernobyl

في الحلقة الثانية من سلسلة  HBO، ظهر بوريس شربينا وفاليري ليجاسوف، عالم الفيزياء وعضو جمعية العلوم وهما في طريقهما إلى تشيرنوبل بالطائرة المروحية، وحين تردد العالم في شرح كيفية عمل المفاعل النووي، هُدّد بالإعدام.

وفقاً لمجلة The New Yorker، كان هذا المشهد ملفقّاً لانتباه المشاهدين. حيث لم تكن أحكام الإعدام الفورية مقبولة في الاتحاد السوفيتي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، حتى تلك الأحكام المؤجلة التي اتبعت بروتوكولات التسلسل الهرمي البيروقراطي في الاتحاد السوفيتي.

في الحقيقة لم يفكر شربينا قط في إلقاء ليجاسوف من المروحية لأن ذلك لم يكن القرار الأفضل للمهمة التي بين يديه، فضلاً عن اعتبارها جريمة قتل.

ووفقاً لمجلة Bustle، فإن رئيس الوزراء نيكولاي تيخونوف عيّن شربينا نائباً لرئيس الوزراء عام 1984. وكانت مهامه السابقة تشمل وزارة النفط والغاز والإشراف على مشروع خط أنابيب يورنغوي-بوماري-زهورود (أو مشروع خط أنابيب عبر سيبيريا).

كان شربينا في رحلة عمل ميدانية في سيبيريا عندما تلقى الخبر المشؤوم بوقوع الكارثة في الساعات الأولى من صباح يوم 26 أبريل/نيسان 1986. ووصل إلى مدينة برابيت بعد حوالي 18 ساعة من انفجار المفاعل، وأمر في النهاية بإخلاء المدينة.

ومع ذلك، يعرض مسلسل  HBO  شخصية شربينا بوصفه سوفيتياً بارداً، على الأقل خلال الساعات الأولى، حيث يُولي منصبه في الحكومة الأولوية قبل أي أضرار محتملة قد تقع على الآخرين. وتظهر الشخصية غير مستعدة للمخاطرة بمنصبها من خلال تصديق الحقائق التي يقدمها له مساعدوه

الأهم كان في محاولة إظهار شربينا من شخص متورط في البداية إلى شخص استطاع التنصل من مسؤولية وقوع الكارثة.

يمكننا القول إن الشخصية الحقيقية تختلف عن الشخصية التي أظهرها المسلسل، فقد جسَّدت الدراما الشخصية معتمدة على الخيال نظراً لفقر المعلومات عن الشخصية الحقيقية.

القصة الحقيقية لبوريس شربينا

 تحتوي الموسوعة السوفيتية العظمى على لمحة موجزة عن تاريخ شربينا، فتقول إنه وُلد ابناً لعامل بالسكك الحديدية في مدينة دبالتسيف، بجمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، عام 1919.

وتخرج في معهد خاركيف لمهندسي النقل بالسكك الحديدية بعمر الـ23، ثم في مدرسة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوكراني عام 1948. وبحلول عام 1950، شغل منصب أمين لجنة مدينة خاركيف.

وأصبح بوريس عضواً مرشحاً باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1961، وواصل نجمه الصعود في الاتحاد السوفيتي حتى أصبح وزيراً للنفط والغاز عام 1973، وفي عام 1976، أصبح عضواً رسمياً باللجنة المركزية

وخلال مسيرته الحافلة، حصل على وسامَي لينين، ووسام ثورة أكتوبر/تشرين الأول، وحصل على العديد من الميداليات لواجبه الوطني تجاه الاتحاد السوفيتي.

في عام 1984، عُيّن نائباً لرئيس الوزراء من قبل رئيس الوزراء نيكولاي تيخونوف. وبعد عامين، وجد نفسه في قلب أكبر كارثة نووية في التاريخ.

حقائق تشيرنوبل مقابل الخيال

في وقت وصول بوريس شربينا إلى المشهد، كان المفاعل المكشوف ينفث أعمدة من المواد المشعة لأكثر من 18 ساعة.

وبالرغم من وجود تقييم نهائي متفق عليه للكارثة، فإن الخوف من إساءة التصرّف أدى إلى سوء الأوضاع في المفاعل ليوم كامل، ولم يتم التدخل لاحتواء الأزمة إلا بعد وقت طويل من تسريب أخبار عن المفاعل ووصول الإشعاع إلى السويد وألمانيا.

ووفقاً لقناة History التليفزيونية، أراد شربينا استخدام المياه لإطفاء الحريق، وعندما شرح له العلماء أن المياه قد تجعل الحرائق النووية أسوأ، اُقترح استخدام الرمال والبورون بدائل للمياه.

سجل مسلسل Chernobyl  هذه الحقيقة بشكل واضح، وصور عملية إخلاء  برابيت بدقة، وعرض اتصال شربينا برئيسه، رئيس الوزراء نيكولاي ريجكوف الذي صرح لاحقاً "اتصل بي شربينا مساء يوم السبت، وأبلغني بالوضع. قال إنه وفقاً لقياسات مستوى الإشعاع، يجب إخلاء برابيت فوراً. المحطة قريبة، والتلوث الإشعاعي ينتقل بسرعة. والناس في المدينة غير مدركون للمخاطر، ويستمرون بعقد الأفراح".

وكان هذا الاتصال بمثابة الإنذار الذي أشعر ريجكوف بالخطر الفعلي، ودفعه لإصدار أوامره بإخلاء المدينة في اليوم التالي عبر القطارات والحافلات.

لم تضيّع سلسلة  HBO  أي وقت في تضمين كل تلك التفاصيل، ولكن يمكننا القول إنها صوّرت صراع إقناع الرؤساء وتنظيم القرارات بشكل أفضل من خلال تركيزها على الشخصية بدلاً من الحبكة. 

في النهاية، يمكننا القول إن المسلسل القصير أدى عملاً مذهلاً في تصوير ما حدث في برابيت عام 1986، من خلال تجسيد ما قام به العلماء دقيقة بدقيقة داخل المحطة النووية، إلى التسلسل الهرمي السوفيتي للمسؤوليات والولاء الأعمى، والخطوات التفصيلية التي اتخذتها شخصيات مثل ليجاسوف وشربينا.

تُوفي شربينا في موسكو يوم 22 أغسطس/آب 1990. وكان لموقفه ضد محاولات التستر على الكارثة إسهاماً لا يقدر بثمن للحد من أضرار الفاجعة النووية، والتي كان من المحتمل أن تكون أكثر تدميراً مما كانت عليه فعلياً.