حتى وإن لم تكن من المطّلعين على حضارة مصر القديمة، فمن المؤكد أنك سمعت باسم أحد أشهر فراعنتها: توت عنخ آمون، الملك الشاب الذي حكم مصر فترة وجيزة ومات بعمر الـ 18 بظروف غامضة بقيت لغزاً حتى يومنا هذا.
ولعل أحد أهم أسباب شهرة توت عنخ آمون دوناً عن سواه، هو كثرة الأساطير التي حيكت حوله.
فقد قيل أن اللعنة سترافق كل من يدخل قبره، حتى أن البعض اعتقدوا أن رياح الحرب العالمية الثانية هبت بسبب استخراج مزامير توت عنخ آمون من تابوته والعزف بها على الملاً.
وبالرغم من معرفتنا لأغلب الأساطير المتعلقة بهذا الفرعون الشاب، يُقدر موقع History Extra وجود العديد من الحقائق التي نجهلها عنه، والتي لخصها المؤرخ جويس تيلديسلي بالتالي:
1. اسمه الحقيقي ليس توت عنخ آمون
"توت عنخ آتون" هو الاسم الأصلي لتوت عنخ آمون الذي يرجح أنه وُلد في تل العمارنة (المنيا، مصر)
ويعكس هذا الاسم، الذي يعني حرفياً "الصورة الحية للإله آتون"، حقيقة أنَّ والديّ توت عنخ آمون كانا يعبدان إله الشمس المعروف باسم "آتون".
لكن وبعد قضائه سنوات على العرش، غيَّر الملك الشاب ديانته، وهجر الإله آتون، وبدأ يعبد الإله آمون (الذي كان يُقدَّس باعتباره ملك الآلهة).
وهو ما دفع الملك الشاب لتغيير اسمه لتوت عنخ آمون؛ أي "الصورة الحية للإله آمون".
لكن توت عنخ آمون ليس الاسم الذي كان يعرفه به شعبه، فعلى غرار جميع ملوك مصر، كان لتوت عنخ آمون في الحقيقة 5 أسماء ملكية.
وهذه الأسماء هي عبارات قصيرة تعكس محور حكمه، لذا رسمياً، كان توت عنخ آمون يُطلق عليه:
1. اللقب الحوري: الصورة الحية للإله حورس على الأرض.
2. اللقب النبتي: ومعناه المنتمي للربتين الجميلتين؛ إلهة مصر العليا (أو حامية الجنوب) نخبت، وإلهة مصر السفلى (أو حامية الشمال) واجت، وهما تحميان جميع الملوك.
3. لقب حور الذهبي/حورس المنتصر: صورة إله الشمس على الأرض، أو ابن الإله رع.
4. اسم الميلاد: نب خبرو رع.
5. الاسم التتويجي: توت عنخ آمون.
2. مقبرة توت عنخ آمون.. أصغر مقبرة ملكية في وادي الملوك
شيَّد الفراعنة الأوائل أهرامات لافتة للغاية شمال صحراء مصر.
ولكن وفي عهد المملكة المصرية الحديثة (1550- 1069 قبل الميلاد)، تغيّرت عادات الدفن وأصبحت طريقة الفراعنة الأوائل موضة قديمة.
وصار أغلب الملوك، في عهد هذه المملكة، يُدفنون ببعض السرية في مقابر محفورة في الصخور تشق نفقاً عبر وادي الملوك على الضفة الغربية من نهر النيل جنوبي مدينة طيبة (مدينة الأقصر الآن).
وهذه المقابر لها أبواب خفية، لكنها رحبة ومزخرفة بعناية من الداخل.
وفي حين أن دفن توت عنخ آمون بين أسلافه كان ليساعده على الانتقال للعالم الآخر، بحسب اعتقاد المصريين القدماء.
فمن المرجح أنَّ توت عنخ آمون كان يتمنى أن يُدفَن في مقبرة رائعة في الوادي الرئيسي أو حتى في الوادي الغربي المُتفرِّع منه، حيث دفن جده أمنحوتب الثالث.
لكن أياً كانت نواياه، فنحن نعرف أنَّ توت عنخ آمون دُفِن حقيقةً في مقبرة ضيقة حُفِرَت في أرض الوادي الرئيسي.
وربما يرجع ذلك إلى أنَّ توت عنخ آمون مات في سن مبكرة للغاية قبل أن يتسنى له استكمال خطط دفنه الطموحة.
وربما لم تكن مقبرته قد اكتمل بناؤها بعد؛ لذا كان لابد من دفنه في مقبرة بديلة غير ملكية.
لكن الاحتمال الذي يبدو أكثر ترجيحاً هو أنَّ خليفة توت عنخ آمون، الملك آي، الذي ورث العرش بعد أن أصبح مسناً، هو من أجرى عملية المقايضة الاستراتيجية.
فبعد أربع سنوات فقط من وفاة توت عنخ آمون، دُفِنَ آي في مقبرة رائعة في الوادي الغربي، بالقرب من قبر أمنحوتب الثالث.
ويظن علماء المصريات حالياً أن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون لم يكتمل بعد، فهناك احتمالية أن تكون هناك غرف مخبأة خلف حائط الجص الموجود في غرفة دفنه.
3. توت عنخ آمون دُفِّن في تابوت مستعمل
ترقد مومياء توت عنخ آمون في حاضنة من 3 توابيت ذهبية، كل واحدة منها مُركَّبة بإحكام داخل الأخرى مثل مجموعة من دمى الماتريوشكا الروسية.
وأثناء طقوس الدفن تُوضَع التوابيت مجتمعة داخل تابوت حجري مربع الشكل.
لكن لسوء الحظ، تبيَّن أنَّ التابوت الذهبي الخارجي أكبر قليلاً من الحجم المناسب؛ ولهذا برَزَ المكان المخصص لأصابع القدم خارج التابوت الحجري؛ ما أحال دون غلق غطائه.
لكن سرعان ما استُدعي نجارون وقطعوا الجزء المخصص لأصابع القدم في التابوت. وبعد أكثر من 3000 عام، وجد هوارد كارتر الشظايا تقبع في قاع التابوت الحجري.
تتشابه توابيت توت عنخ آمون الذهبية الثلاث في الطراز؛ بمعنى أنها على هيئة إنسان، وتشكَّلت لتبدو مثل إله الموتى أوزيريس بينما هو مستلقي على ظهره ويحمل في يدين متقاطعتين سوطاً وصولجاناً -رمزي قوته.
إلا أنَّ التابوت الثاني له طراز مختلف قليلاً، ولا يشبه وجهه وجهي التابوتين الآخرين، ولا الوجه المرسوم على قناع موت توت عنخ آمون.
ولهذا، يعتقد كثيرٌ من علماء المصريات الحاليين أنَّ التابوت الثاني -ومعه بعض الأمتعة الأخرى الموجودة في مقبرة توت عنخ آمون- إنما صُنِعَ في الأصل لشخصية نفرنفروآتون الغامضة، وهو شخص مبهم يظهر اسمه في النقوش التاريخية، ويُحتمل أنه كان خليفة توت عنخ آمون المباشر.
4. كان توت عنخ آمون يحب صيد النعام
عُثِر في غرفة دفن توت عنخ آمون، وتحديداً بالقرب من جسده، على مروحته المصنوعة من ريش النعام.
وكانت المروحة تتكون في الأصل من مقبض ذهبي طويل تعلوه "راحة يد" شبه دائرية مُثبَّت لها 42 ريشة تتناوب بين اللونين الأبيض والبني.
هَلَكَت هذه الريشات منذ زمن بعيد، إلا أنَّ قصتها لا تزال مُسجَّلة على مقبض المروحة.
وتخبرنا هذه القصة بأنَّ ريشات المروحة مأخوذة من طيور نعام اصطادها الملك بنفسه في صحراء شرق هليوبليس (بالقرب من مدينة القاهرة الحالية).
ويظهر في المشهد المنقوش على أحد جانبي راحة المروحة توت عنخ آمون وهو ينطلق في مركبته لصيد النعام، وعلى الوجه الآخر، وهو يعود منتصراً بفريسته.
كان لطيور النعام أهمية خاصة في مصر القديمة، وكان ريشها وبيضها تُقدَّر بأنها أغراض فاخرة.
وكان صيد النعام رياضة ملكية تسمح للملك باستعراض سيطرته على الطبيعة، ولأنها كانت نسخة بديلة عن المعارك، فكانت بالتالي هواية خطيرة.
ويمكن أن نرى جسد توت عنخ آمون قد تضرر بشدة قبل عملية التحنيط.
هل وضع مروحته من ريش النعام على مقربة شديدة من جسده له دلالة؟ هل يمكن أنَّ شخصاً ما حاول أن يخبرنا بهذه الطريقة أنَّ الملك الشاب تُوفيّ عقب حادثة صيد نعام مميتة؟
5. قلب توت عنخ آمون مفقود
آمن القدماء المصريون بالبعث بعد الموت، لكنهم اعتقدوا أنَّ الطريقة الوحيدة لحدوث ذلك هو بحفظ الجسد في حالة قريبة مما كانت عليه أثناء حياتها؛ وهو ما دفعهم لتطوير علم التحنيط الصناعي.
وتشمل عملية التحنيط بالأساس تجفيف الجسد في ملح النطرون، ثم لفّه في طبقات كثير من اللفافات لحفظه في الشكل الذي كان عليه قبل الوفاة.
وفي بداية عملية التحنيط، تُنتَزع الأعضاء الداخلية وتُحفَظ منفصلة.
أما المخ، الذي لم تكن وظيفته معروفة وقتها، فكان يُتخلَّص منه؛ إذ كانوا يعتقدون أنَّ القلب هو العضو المسؤول عن التفكير.
ومن هنا، سيكون القلب ضرورياً في الحياة الأخرى؛ ولهذا كان يُترَك مكانه، وإذا انتُزِع بالخطأ، تُعاد حياكته في الجسد، وإن لم يكن دوماً في مكانه الأصلي.
ومع ذلك، فقلب توت عنخ آمون غير موجود في مومياته، ووُضِعَ بدلاً منه تميمة على شكل جعران منقوش عليها تعويذة جنائزية.
قد يكون حدث هذا ببساطة لأنَّ المُحنطين كانوا مهملين.
لكن ربما يكون ذلك علامة على أنَّ توت عنخ آمون مات في مكان بعيد عن موطنه، وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى مكان عمل المُحنِّطين، تآكل قلبه لدرجة استحال معها تحنيطه.
6. إحدى مقتنيات توت عنخ آمون المفضلة هو خنجر حديدي مصنوع من حجارة النيازك
عثر هوارد كارتر على خنجرين ملفوفين بحذر داخل الأربطة التي تلف مومياء توت عنخ آمون؛ إحداهما نصله ذهبي، بينما الآخر له نصل حديدي، وكلاهما له غَمَد ذهبي.
ومن بين الاثنين، كان الخنجر الحديدي هو الأثمن على الإطلاق لأنه خلال حياة توت عنخ آمون (الذي استمر حكمه من عام 1336 حتى 27 قبل الميلاد)، كان الحديد، أو "حديد السماء" كما كان يُطلَق عليه، معدناً نادراً ونفيساً.
ومثلما يشير اسمه، كان "حديد السماء" يُستخرَج بالكامل تقريباً من النيازك.
وعُثِرَ على أغراضٍ حديدية أخرى في مقبرة توت عنخ آمون؛ وهي: 16 نصلاً صغيراً، ومسند رأس صغير، وتميمة.
وتشير حقيقة أنَّ هذه القطع ليست مُتقنَة الصنع وصغيرة الحجم إلى أنها من صُنع حرفيين محليين وجدوا مشقة في تصنيع حديد النيازك النادر.
إلا أنَّ الخنجر ذا النصل الحديد مختلف؛ فهو مُتقَّن الصنع، ما يُرجِح أنه ورد إلى مصر من منطقة اعتادت تصنيع الحديد.
وتخبرنا السجلات الدبلوماسية الملكية بأنه قبل ميلاد توت عنخ آمون بعدة سنوات، أرسل توشراتا، ملك ميتاني، خنجراً حديدياً إلى مصر هدية إلى صهره الجديد أمنحوتب الثالث.
وبالنظر إلى ندرة المصنوعات الحديدية عالية الجودة في ذلك الوقت، فمن المحتمل أنَّ توت عنخ آمون، حفيد أمنحوتب، ورث الخنجر عن جده، ودُفِن في النهاية معه.
7. قيل أن مزاميره أشعلت الحرب العالمية الثانية
من بين الأمتعة الموجودة في مقبرة توت عنخ آمون، هناك مجموعة صغيرة من الآلات الموسيقية، عبارة عن زوج من المُصفِقات مصنوعين من العاج، وخرخاشتين (آلتي سيستروم)، ومزمارين أحدهما مصنوع من الفضة والبوق من الذهب، والآخر من البرونز المطلي جزئياً بالذهب.
وفي أبريل/نيسان 1939، عُزِفَ بالمزمارين في حفل بمتحف القاهرة أذيع في بث مباشر على راديو BBC البريطاني، ووصل عدد جمهوره إلى 150 مليون مستمعاً.
لكن العازف جيمس تابيرن استخدم بوقاً حديثاً؛ ما أحدث تلفاً في المزمار الفضي.
وفي عام 1941، عُزِفَ بالمزمار البرونزي مرة أخرى، لكن هذه المرة دون بوق حديث.
وزعم بعضٌ ممن تأثروا بأسطورة "لعنة توت عنخ آمون" أنَّ المزمارين لديهما القدرة على إشعال حرب.
ورجحوا أنَّ البث المباشر لحفل 1939 هو ما دفع بريطانيا لدخول الحرب العالمية الثانية.
8. توت عنخ آمون مدفون في واحد من أثمن التوابيت في العالم
واحد من توابيت توت عنخ آمون الثلاثة مصنوع من الخشب المطلي بطبقة من الذهب، لكن ما أثار دهشة هوارد كارتر هو أنَّ التابوت الداخلي مصنوع من طبقات سميكة من الذهب المطروق.
ويبلغ طول هذا التابوت 1.88 متر، ويزن 110.4 كيلوغرام.
ولو فُكِّكَ لأجزاء وبيع اليوم، فستزيد قيمته عن مليون يورو.
لكن باعتباره المرقد الأخير لتوت عنخ آمون، فهو بالتأكيد لا يُقدَّر بثمن.