لو كان السوفييت اتخذوا قراراً بغزو ألمانيا الغربية في الأيام الأولى من الحرب الباردة "1947-1991" ، كانوا سيجدون في انتظارهم جيشاً قوامه 40 ألف مقاتل، لم يكونوا يعرفون عنهم أي شيء، وكانوا سيواجهون حينها أيضاً جيشاً سرياً من جنود هتلر السابقين كانوا بانتظار اللحظة المناسبة لتصفية حساباتهم مع السوفييت والشيوعيين.
اكتشفت مجلة Der Spiegel الألمانية ملفاً مدفوناً في أرشيف دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية. يكشف عن أنه في عام 1949 شكّل 2000 ضابط سابق في وحدات إس إس وقوات فيرماخت -وهي القوات المسلحة النظامية في ألمانيا- قوات سرية شبه عسكرية ربما يصل عددها إلى 40 ألف مقاتل استعداداً لوقوع حرب.
لم تكن تعرف قوات الحلفاء (فرنسا، أمريكا، بريطانيا)، التي احتلت ألمانيا أي شيء عن هذه القوات. وإلا كانوا سيكتشفون تورط عديد من الجنرالات النازيين الذين صار بعضهم لاحقاً قادة في حلف الشمال الأطلسي(الناتو). إذ بدا أن الجيش السري أيده جنرالات سابقون في جيش الرايخ الثالث الألماني، مثل هانز سبيديل، الذي صار قائد القوات البرية في حلف شمال الأطلسي وسط أوروبا عام 1957، وأدولف هويزنغر، أول مفتش عام في جيش الدفاع الاتحادي الألماني، ومعهم جيش من قدامى المحاربين الألمان المدعومين من كبار الضباط النازيين السابقين، الذين كانوا لا يزالون يحملون الرتب العسكرية ضمن صفوف جيش ألمانيا الغربية.من صاحب فكرة تكوين الجيش السري؟
كان ألبرت شنز هو صاحب فكرة تكوين هذا الجيش، وهو عقيد سابق في قوات فيرماخت "وهي القوات المسلحة الموحدة لألمانيا في عام 1935 إلى عام 1945″، والذي صار فيما بعد مسؤولاً في جيش الدفاع الاتحادي الألماني.
ومثلما هو الحال مع قدامى المحاربين الألمان الآخرين في أعقاب الحرب، كان شنز قلقاً مما سيحدث إذا غزا السوفييت ألمانيا الغربية، التي لم يكن هناك جيش يدافع عنها حتى عام 1955، بعدما سرحت الولايات المتحدة أغلب قوام جيشها في 1945، ما ترك ألمانيا الغربية عُرضة لغزو السوفييت.
أراد شنز فريقاً حربياً مستعداً ومُشكلاً من الضباط ذوي الخبرة القتالية، الذين كانوا سيشكلون نواة الفرق القتالية ما إذا غزا السوفييت. وكان مقتنعاً بأنه إذا هاجم السوفييت، كانت جحافل قدامى المحاربين الألمان -ولم يكن هؤلاء قليلين بعد الحرب العالمية الثانية- سوف يتوافدون من أجل الانضمام إلى تلك القوات.
خططوا لشن حرب عصابات ضد السوفييت، وربما كانوا سينطلقون من إسبانيا أو سويسرا.
حتى البرلمان لم يكن يعرف عن هذه القوات
لم يعرف برلمان ألمانيا الغربية أيضاً شيئاً عن هذا الجيش السري، لكن قائده كان ضمن قوات الأمن الألمانية الرسمية. في عام 1951، اقترب شنز من منظمة جيهلين، وهو الاسم الذي عُرفت به الاستخبارات الألمانية في هذا الوقت، وعرض تقديم خدمات إليهم.
كان التوقيت مثالياً، فقد كانت الحرب الكورية مشتعلة، وكان القادة الأمريكيون قلقين من أن يكون هذا الصراع بين السوفييت وألمانيا مجرد محاولة سوفييتية لإبعاد أمريكا عن أوروبا الغربية للانفراد بها.
تجسس أفراد الجيش السري على الساسة اليساريين في ألمانيا الغربية، تحسباً للغزو السوفييتي في أي لحظة.
ربما يتساءل البعض، كيف كان سيبدو أداء هذه الفرقة في حال قامت الحرب بالفعل، يرى محللون أن أداءهم كان متوقعاً أن يكون جيداً، إذ تشير التقارير التي نشرتها المجلة الألمانية والتي كشفت سر الوحدات السرية أن خطة قتالهم كانت تعمد على التصدي لدبابات السوفييت.
وتوقعوا انضمام عشرات الآلاف من قدامى المحاربين لإرباك خطوط الإمدادات السوفييتية عبر البحر.
في الوقت نفسه كان متوقعاً أن تكون مقاومة السوفييت شرسة، ولم يكونوا ليبدوا أي هوادة أو رحمة تجاه جماعة مسلحة يقودها نازيون سابقون.
يُذكّر هذا الجيش أيضاً بأن هتلر كان لديه نفس الفكرة، عندما كانت جيوش الحلفاء والسوفييت يضيقون الخناق بلا رحمة على ألمانيا من الشرق والغرب في عامي 1944 و1945، كان لدى هتلر تصور بأن الشعب الألماني سينهض لمواجهة الغزاة على نمط حرب العصابات مع توغلهم في الأراضي الألمانية.
لكن التجربة أثبتت أن الشعب الألماني منهك ومدمر ولم يقوَ على الحرب.