العميل ST1، كان هذا اسم الجاسوس البريطاني سيدني رايلي العميل في مكتب المُخابرات البريطانية، الذي لُقب بـ"أعظم جاسوس في التاريخ" و"القرمزي من روسيا الحمراء"، وقيل إنه أول " جاسوس خارق" في القرن العشرين، الجاسوس الروسي الجنسية
والذي عمل لصالح المُخابرات البريطانية ضد روسيا وألمانيا، وانتهى به المطاف معتقلاً عام 1925 بواسطة الشرطة السرية البلشفية.
بذل سيدني الكثير من الخدمات الكبيرة كعميل سري للمخابرات البريطانية.
وظلت قصته ومشواره في الجاسوسية مادة تستحق التقديم على الشاشات التليفزيونية، فكان المسلسل التليفزيوني المكون من 12 حلقة " Reilly: Ace of Spie" وهو من إنتاج شركة "euston films" ، المسلسل مأخوذ من كتاب يحمل نفس العنوان كتبه روبن بروس لوكهارت، والذي نُشر في بريطانيا عام 1967.
كان رايلي هو الجاسوس الذي حصل على أسرار البحرية الألمانية لصالح بريطانيا، يستخدم جاذبيته لإغراء
زوجات السياسيين والعسكريين وضباط الأمن للحصول على معلومات منهن.
بداية حياته.. ولدٌ وحيد رَحل مُبكراً وتعددت هويّاته
ولد رايلي ابناً وحيداً لهيرش ياكوف روزنبيليوم وزوجته بولينا برامسون، وقد كان لديه شقيقتان فقط، يُقال أن الأب كان طبيباً يهودياً في مدينة أوديسا، ويُقال أيضاً أنه كان مقاولاً ومالك أرض، وكان نشطاً في حركة التحرر اليهودية.
بعد عام 1897 انتقل رايلي إلى البرازيل، تاركاً وراءه العديد من الهويات المُزيفة وعمليات الخداع؛ وهو بالضبط ما جعله نوع الشخص الذي تحتاج إليه المُخابرات البريطانية عميلاً لها في حربها ضد النظام البلشفي.
وتذكر المصادر عنه إنه امتلك 11 جواز سفر و11 زوجة وأجاد 7 لغات من بينها الإنكليزية والروسية والبولندية والألمانية والفرنسية.
ساعد رايلي المُخابرات البريطانية في العديد من العمليات الناجحة خلال الحرب العالمية الأولى، واستولى على أسرار سياسية وعسكرية من ألمانيا وروسيا لمصلحة الإنكليز، وهو نفسه المُحتال القاتل الذي كان الكثير عن ماضيه مشكوكاً فيه ولا يعرفه إلا جهاز الاستخبارات الذي كان يعمل به، وتم الاحتفاظ بملفه ضمن الملفات المحفوظة بمكتب التحقيقات الفيدرالي.
جاسوس مميز لكنه مجرم
يقول أندرو كوك، والذي عمل خبيراً في الشؤون الخارجية لوزير الدفاع البريطاني جورج روبرتسون وجون سبيلار: "حسب علمي لم يقتل رايلي أي شخص في سياق تجسسه، لا ينفي هذا أنه قد قتل بالفعل في السابق، ولكن بهدف الحصول على المال.
قتل رايلي عام 1898 شخصاً من عائلة هيو توماس حتى يتمكن من الزواج من زوجته البالغة من العمر 24 عاماً بالإضافة إلى الاستيلاء على ثروته، وقد انتحل صفة الطبيب المحلي لتوقيع شهادة الوفاة، لقد كان جاسوساً جيداً جداً ولكنه أيضاً كان مجرماً".
شكت المُخابرات فيه ودعمه ونستون تشرشل!
بدأت العلاقة التي جمعت بين رايلي وجهاز الاستخبارات البريطاني من منطقة الأمازون، بصلات بينه وبين الجيش البريطاني، وتم ترشيحه للمخابرات البريطانية في لندن كشخص صالح للعمل داخل روسيا.
جاءت التقارير بشأنه أنه لا يستحق الثقة، لأنه ليس لديه أي قدر من الانتماء أو المبادئ، وبالتالي لا يُوصى به لأي منصب يتطلب الولاء إذ أنه لن يتردد في استخدامه لتعزيز مصالحه التجارية الخاصة.
يقول الكاتب كريستوفر أندرو أن ونستون تشرشل نفسه هو من دعم تجنيد رايلي، لأنه رأى أنه يتمتع بشخصية جذابة وبارعة في العمل الاستخباراتي.
وفي عام 1899 غيّر اسمه إلى رايلي، وزور جواز سفر يحمل هذا الاسم بالإضافة إلى الجنسية البريطانية.
أما عن الخدمات الجليلة التي قدّمها لبريطانيا، فكانت المعلومات والتقارير الدقيقة التي نقلها للمخابرات البريطانية، فعلى مدار أعوام كتب رايلي تقاريره حول التطورات النفطية الروسية في مدينة باكو.
وتطور السكك الحديدية عبر سيبيريا، كما كانت له تقارير حول التطورات النفطية في إيران عام 1902، كذلك رصد التحصينات البحرية في بورت آرثر بمنشوريا في الصين عام 1905.
العمالة المُزوجة احتمال غير مُستبعد
وبالرغم من أن رايلي كان يُقيم في لندن، إلا إنه قضى معظم وقته في الشرق الأقصى. ففي عام 1904 بدأ العمل في شركة تجارة بالصين.
يقول الكاتب، ريتشارد ديكون، إن رايلي كان يعمل كعميل مزدوج يخدم كلاً من البريطانيين واليابانيين، ويُعتقد أنه بالإضافة إلى العمل مع البريطانيين، كان يتجسس لصالح النظام القيصري أيضاً.
يضيف ديكون: "أعتقد أنه كان مُستعداً لفعل أي شيء من أجل الحصول على المال، وفي عام 1906 كان لديه شقة فخمة في سان بطرسبرغ، وكان عضواً في النادي الأكثر تميزاً في المدينة."
كان رايلي دائم التنكر، فيُقال أنه تنكر ذات مرة في زي كاهن على شاطئ الريفييرا الفرنسية، وقد استطاع التأثير على صاحب الامتياز النفطي الإيراني وليام دارسي.
وأقنعه ببيع تنازلات النفط لبريطانيا ضد المنافسة الفرنسية الشديدة، وهو ما عاد بفائدة كبيرة على إمدادات الطاقة ببريطانيا.
معلومات مهمة من موقعه الوظيفي الحساس
لم يكن رايلي مجرد مواطن روسي يعمل جاسوساً لصالح المُخابرات البريطانية، بل كان في موقع وظيفي حساس.
فبحكم عمله مُديراً بالوكالة الألمانية لبناء السفن في سانت بطرسبرغ بروسيا، تمكن من الوصول إلى تفاصيل خطة التطوير البحري التي استمرت لمدة خمس سنوات في ألمانيا، والتي أبلغها إلى لندن على مدار ثلاث سنوات قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
كذلك قام بمهام مُتكررة خلف الخطوط الألمانية، فتمكن من تزويد بريطانيا بتفاصيل اجتماع هيئة الأركان العامة بحضور القيصر ويليام الثاني، الإمبراطور الألماني، والذي كان رايلي حاضراً له بحكم موقعه الشخصي.
وقد جعلته اتصالاته الروسية عالية المستوى لا يُقدر بثمن بالنسبة لبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
تنظيم انقلاب ضد لينين
تمكن رايلي من تنظيم انقلاب ضد الزعيم السوفييتي لينين في سبتمبر عام 1918، ويُتردد أن الانقلاب كان يتضمن مُحاولة اغتيال لينين.
لكن المؤامرة لم يُكتب لها النجاح، فقد استطاعت الشرطة السرية البلشفية اختراقها، واستطاع رايلي تجنب الاعتقال بسببها بأعجوبة، فتمكن من الفرار من منزله قبل نصف ساعة فقط من وصول ضباط الشرطة، ورغم فشل الانتفاضة إلا إن رايلي أُدين بالإعدام الذي لم يُطبق عليه حينها بسبب تمكنه من الهرب.
شديد الدعم لمصلحة الحلفاء
كان رايلي مُستعداً لفعل أي شيء لدعم مصلحة الحُلفاء والتي تضم بريطانيا في حربهم على دول المحور التي تضم ألمانيا، ففي مدينة نيويورك عام 1914 تمكن من شراء ذخيرة وساعد في مُكافحة التخريب الألماني للَمصانع الأميركية التي تزود الحلفاء بمُنتجات يحتاجونها.
ومن نيويورك إلى لندن حيث قضى وقتاً قصيراً، ثم هُرّب رايلي إلى ألمانيا في عام 1917 وأُعطيت له مُهمة معرفة مدى قدرات ألمانيا في الحرب القادمة.
يقول جورج نيفيل بلاند من وزارة الخارجية البريطانية إن رايلي كان رجلاً يتمتع بشجاعة كبيرة، لكن تلك الشجاعة كانت مُقترنة بضمير شبه معدوم، وهو ما جعله سلاحاً ذا حدّين.
في عام 1918 توجه رايلي إلى موسكو عازماً الإطاحة بالنظام البَلشفي، فقد كان لديه كراهية شديدة للشيوعية، ويرى أنها نشأت على دماء البرجوازية -الطبقات العاملة-، وأن قادتها كانوا مُجرمين وقتلة.
اعتقاله وأمر ستالين بإعدامه
لكن خططه تعرضت للإحباط بسبب الخيانة، واُضطر إلى الفرار حينها، ويُعتقد أنه قام بسلسلة من الرحلات الأخرى إلى روسيا، إلى أن اُعتقل في سبتمبر عام 1925 وتم تنفيذ الحكم بإعدامه.
ووفقاً لأخر الأبحاث حول ملابسات تنفيذ حكم الإعدام بسيدني رايلي، وما إذا كان قد تم تنفيذ الحكم أم لا، ثبت أن الحكم جاء مُباشرة من ستالين، القائد الثاني للاتحاد السوفييتي.
أصدر ستالين حُكماً بإطلاق النيران على رايلي، الشاهد الوحيد على هذا الأمر هو الكولونيل بوريس جودز، العقيد بالمُخابرات الروسية، وكان جودز قد شارك في عملية عام 1925 و خلالها أغوُي العميل السري البريطاني رايلي من أجل الذهاب إلى موسكو.
يقول جودز "بعدما تم اعتقال رايلي، وفي فترة التحقيق معه، كان يتم نقله في كثير من الأحيان للمشي في غابة سوكولنيكي خارج موسكو، وفي إحدى مرات السير هذه تم إطلاق النيران عليه، ونُقلت جثته إلى الوحدة الطبية حيث تم تصويرها."
ويؤكد جودز أن مُنفذ الحكم قد أعطاه المُسدس الذي نفذ به حكم الإعدام، وأن جودز ظل مُحتفظاً به تذكاراً حتى عام 1937.
الغموض حول رايلي: إدعاءات ومعلومات غير مؤكدة حوله
الاسم الأصلي لرايلي غير معروف حتى الآن.. فهو سيجموند أو شلومو أو جورجي روزنبلوم، ولم يتمكن أحد من تحديد اسمه الحقيقي، ولد في 24 مارس/آذار عام 1874، بمدينة أوديسا جمهورية أوكرانيا، روسيا، وقد ادعى رايلي في وقت لاحق أنه ولد في أيرلندا.
لا يُعرف ما هو تعليم رايلي على وجه الدقة، أو ما إذا كان التحق بإحدى الجامعات أم لا، على الرغم من الادعاءات الكثيرة غير المؤكدة في هذا الشأن.
لكن من المُحتمل بنسبة كبيرة أن يكون درس الكيمياء في فيينا عام 1890، لأنه أظهر المعرفة الكافية بالكيمياء بشكل يُمكنه من الحصول على العضوية في الجمعية الكيميائية في عام 1896 ومعهد الكيمياء في عام 1897.
يقول الكاتب جايلز ميلتون، الذي بحث في الادعاءات المُبكرة لحياة رايلي: "كان كلا والديه يهوديين، على الرغم من أنهم تحولوا إلى الكاثوليكية، لقد هرب رايلي من أوديسا في أواخر سنوات مراهقته لأسباب لا تزال غامضة.
ثم قام بتدوين حكايات حول كيف كان طباخاً، ثم عمله برسو السفن، وعمله مهندساً للسكك الحديدية في الهند، وبواب دعارة في البرازيل، ولكن ظل قيامه بكل هذه الوظائف أيضاً أمراً غير مؤكد.
كما قيل إنه عمل في التجسس لصالح الحكومة اليابانية، بالإضافة إلى العديد من القصص التي لم يتم التحقق منها حول مُغامراته المُبكرة في التجسس".
ومن المُرجح لدى البعض أن الكاتب إيان فليمنج، حين أبدع شخصية جيمس بوند، كان يضع في ذهنه نموذج هذا العميل، وهو ما أدى بالبعض إلى وصفه بأنه جيمس بوند الحقيقي، كانت تلك هي الألقاب التي حازها الجاسوس المعروف باسم سيدني رايلي.
ومثلما كان ميلاده لغزاً كانت وفاته لغزاً أيضاً فقد ترددت مزاعم أن رايلي قام بتزوير اختفائه وعاد مرة أخرى إلى أرض ولادته، وهو ما دفع الخبير كوك إلى تقديم أدلة الطب الشرعي، استناداً إلى صور جثته، ليثبت عدم صحة هذه المزاعم.