قبل بضع سنوات، اكتشف فريق من علماء الآثار مجموعة من الجِرار المكسورة كانت إحداها تحتوي على مادة بيضاء غامضة، عندما كانوا بصدد تنظيف الرمال عن أحد المقابر الفرعونية القديمة.
كان لدى الفريق شكوك وتخمينات حول ماهية هذه المادة، بيد أن تحليلاً جديداً نشر في مجلة Analytical Chemistry قطع الشك باليقين وقدم الإجابة عن هذا السؤال "ما وجد خلال عملية التنقيب عن الحفريات كان قطعة جبن يبلغ عمرها تقريباً 3200 سنة، وهي واحدة من أقدم العينات الصلبة التي تم اكتشافها إلى حد الآن".
في رسالة إلكترونية، ذكر الكاتب الرئيسي لهذه الورقة البحثية، ومساعد أبحاث في جامعة بكين، إنريكو غريكو، أنه "حسب طريقة الحفظ ومكان العثور على العينة داخل المقبرة، اشتبه علماء الآثار والباحثون أنها طعام منذ بداية الأمر، وقد اكتشفنا بعد إجراء الاختبارات الأولى أنها بالفعل قطعة جبن".
وفي تقرير نشرته صحيفة New York Times الأميركية وفقاً للورقة البحثية، ينتمي القبر الذي عثر فيه على قطعة الجبن إلى "بتاح مس"، وهو مسؤول مصري رفيع المستوى عاش خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد وشغل منصب العمدة السابق لمدينة "ممفيس" القديمة.
وقد تم اكتشاف موقع الدفن لأول مرة سنة 1885، ولكن فُقد الموقع بسبب الرمال المتحركة؛ ليُكتشف مرة أخرى سنة 2010.
وحسب الأستاذ في جامعة فيرمونت الذي يدرس الكيمياء وتاريخ الجبن، بول كيندستيت، كان الجبن قديماً يُقدم في بعض الأحيان في الأعياد، ويدفن إلى جانب المصريين الأثرياء.
وتشبه تركيبة قطعة الجبن القديمة التي عُثر عليها الجبن المستخرج من حليب الماعز، ولكن مع وجود طعم حامض. وأضاف كي
ندستيدت أن "هذا النوع من الجين عالي الرطوبة، وقابل للدهن، ومدة صلاحيته قصيرة، ويفسد بسرعة كبيرة".
كما أفاد الدكتور كندستيت بأنه على الرغم من أن العينة التي تم العثور عليها من قبَل زملاء الدكتور غريكو قد تكون قديمة، فإن علماء آخرين اكتشفوا آثاراً للجبن أو الزبادي (من الصعب التمييز بينها) قد تكون أقدم من هذه القطعة المدفونة في المقبرة. وفي هذا الصدد، قال كيندستيت: "لقد قامت مجموعات أخرى بالكثير من العمل لاستخراج بقايا الشحوم والدهون من الأواني القديمة التي يعود تاريخها إلى 7000 سنة قبل الميلاد".
وقد أشار كندستيت إلى أن اكتشاف الدكتور غريكو وزملائه لم يكن في الواقع الأول من نوعه، فقد أبلغ فريق من الباحثين سنة 1942 عن اكتشافهم لشيء مماثل.
في ذات السياق، أكد فريق من الباحثين عثورهم على مادة غامضة في الجرار المصرية القديمة اشتبهوا في أنها قطعة من الجبن يعود تاريخها إلى 3200 قبل الميلاد. وقد ذكر الباحثون أن العينات "لم تكن لها رائحة، بل كان فيها طعم التراب فقط".
إن اكتشاف الدكتور غريكو للجبن في المقبرة المصرية لم يكن الأول من نوعه، إلا أن نتائج بحثه لها غاية أخرى، تتمثل في تطبيق التحليل البروتيني المتطور.
وحيال هذا الشأن، قال الدكتور كندستيت: "كما أقول لطلابي كل عام عندما أذهب لزيارة مصر، يجب على شخص ما المضي قدماً لتحليل هذه البقايا بالتقنيات الحديثة"، مشيراً إلى أنه يعتزم استخدام ورقة الدكتور غريكو البحثية في تدريس صفوفه في الخريف المقبل. وأفاد كندستيت بأن "هذه خطوة مستقبلية منطقية، وأعتقد أنكم سترون أبحاثاً أخرى مماثلة".
وجد الدكتور غريكو وزملاؤه في التحاليل التي أجروها المئات من "الببتيدات"، أو سلاسل الأحماض الأمينية، كان مصدر معظمها بشرياً، وهي ناتجة عن تلوث الجلد واللعاب البشري، ولكن من الأكيد أن هناك تسعة منها مرتبطة بالأبقار أو حليب الأبقار.