القدس.. هؤلاء سكانها الأصليون الذين لجأوا إلى الفراعنة لإنقاذهم من بني إسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/24 الساعة 15:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/24 الساعة 15:26 بتوقيت غرينتش
View to Jerusalem old city. Israel

لم يكن يدور بخلد الأقوام الذين أسسوا مدينة القدس قبل نحو 5 آلاف عام، أنهم يضعون حجر الأساس لإحدى المدن المقدسة في تاريخ البشرية، والتي ستدور حولها وبسببها عشرات الحروب منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.

ومع مرور 919 عاماً على دخول الصليبيين للقدس في 15 يوليو/تموز 1099 وارتكابهم بعد ذلك مجازر بشعة في حق المدنيين الأبرياء، يجدر أن نقوم بجولة في تاريخ المدينة الطويل؛ لمعرفة مَن أسسها، ولماذا تصارعت عليها الأمم والإمبراطوريات عبر العصور.

مَن أنشأ هذه المدينة المقدسة؟ ومتى وُضع حجر أساسها؟

تأسَّست المدينة العتيقة سنة 3000 قبل الميلاد تقريباً، على يد اليبوسيين، وهم أحد البطون الكنعانية، الذين يُعتقد أنهم نشأوا في جزيرة العرب ونزحوا منها مع باقي القبائل الكنعانية.

وقد سُميت المدينة في ذلك الحين باسم "يبوس" نسبةً إلى القبيلة التي أسستها، كما كان يطلق عليها أيضاً مع المدن المحيطة بها "أرض كنعان"، وأُنشئت المدينة على تل يوفر لها الحماية، خاصة أنه يحيط به واديان من الشرق والغرب ومنطقة منخفضة من الجنوب، والجهة الوحيدة التي لم تكن محميَّة هي من الشمال.

وسميت أيضاً "أورشليم" نسبة إلى الإله "شالم"؛ أي إله السلام لدى الكنعانيين،

وقد وردت باسم "روشاليموم" في الكتابات المصرية، المعروفة بنصوص اللعنة، والتي يرجع تاريخها إلى القرنين الـ19 والـ18 قبل الميلاد، وتذكر أسماء ملوك كنعانيين وعموريين من خصوم المصريين كانوا يحكمون دولة-مدينة "أورشليم".

وتعترف كثير من المصادر المعنيَّة بالتاريخ اليهودي بحقيقة أن المدينة أسسها الكنعانيون.

ولكن من هم الكنعانيون الذين أسسوا المدينة؟ وما جذورهم؟

الكنعانيون أحد شعوب المجموعة السامية ذات الأصول الواحدة، التي تضم العرب والآراميين والعبرانيين والبابليين والآشوريين وغيرهم، والساميون هم جزء من مجموعة بشرية أكبر تسمى المجموعة الأفروآسيوية، التي تضم أيضاً المصريين القدماء والأمازيغ.

وتطورت الثقافة الكنعانية -على ما يبدو- من الثقافة الغاسولية السابقة، التي كانت رائدة في النظام الزراعي المتوسطي، والتي تضمنت البستنة الكثيفة، والزراعةَ الواسعةَ للحبوب، والنبيذ التجاري، وزراعة الزيتون، والرعي.

وهذه الحضارة -أي حضارة غاسوليان- تطورت نفسها من تجمُّع عربي رعوي، تطوَّر بدوره من اندماج بين سلالات من الثقافات الزراعية من العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري (والتي تضمنت ممارسة التدجين الحيواني، خلال أزمة المناخ 6200 ق.م. والثورة الزراعية في الشرق الأوسط).

وأسس الكنعانيون حضارة عظيمة في يبوس والمدن المحيطة بها؛ إذ كانوا بناة مدن ومهرة في تقطيع الأحجار الضخمة، وعملوا في الزراعة، خاصة زراعة الزيتون والفواكه، وصنعوا الفخار والنسيج، وعرفوا المعادن والتعدين وسنَّوا الشرائع والقوانين، مستفيدين من الحضارات المحيطة بهم في بابل ومصر.

تاريخ سيتكرر.. العبرانيون يطمعون في المدينة المزدهرة فيلجأ الكنعانيون إلى المصريين

تعرضت يبوس لهجمات الغزاة، خاصة العبرانيين، ونجح سكانها الكنعانيون في صدِّهم الغزاة عنها أزماناً طويلة، كما نجحوا أيضاً في بناء مدينتهم وعمارتها؛ عندما كانوا متحدين، ولكن لما تفرقت كلمتهم اشتد طمع العبرانيين فيهم، ما اضطرهم إلى التحالف مع فراعنة مصر، وطلبوا عونهم مثلما حدث مع "تحتمس الأول" عام 1550 ق.م، فلبى رغبتهم وساعدهم في صد غارات القبائل العبرانية، وأدت بهم هذه الاستعانة المتكررة إلى نوع من الخضوع لسلسلة من فراعنة مصر.

خضعت أرض كنعان، ومن ضمنها مدينة يبوس (القدس)، لنفوذ فراعنة مصر منذ عام 2400 ق. م وحتى عام 1200 ق.م، تخللتها فترات انقطاع، كان أبرزها وأطولها فترةً حكم الهكسوس لمصر (1674-1560 ق.م).

والآن بعد كل هذه السنوات.. أخيراً تمكن بنو إسرائيل من اقتحامها

أرض فلسطين، باعتراف التوراة ذاتها، كانت أرض غُربة بالنسبة إلى العبرانيين، باعتبارهم مغتربين في أرض فلسطين بين الكنعانيين سكانها الأصليين.

وتؤكد  التوراة، عدة مرات، غربة اليهود عن القدس تحديداً؛ ففي سِفر القضاة "11:19 و13″، نجد قصة تُظهر أن رجلاً عبرانياً يعتبر نفسه غريباً عندما وفدَ مع جماعة له إلى مشارف (يبوس).. "وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر، قال الغلام لسيده: (تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا). فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: (لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إسرائيل هُنَا)".

ويعتقد المؤرخون أن بني إسرائيل خرجوا من مصر في عهد الفرعون رمسيس الثاني (1250 ق.م)، ثم تاهوا في صحراء سيناء 40 سنة، وبعدها بدأوا في احتلال أرض كنعان، ونجحوا في ضم كثير من مدنها تحت سلطتهم باستثناء مدينة يبوس (القدس)، التي ظلت حصينة عليهم نحو قرن ونصف قرن من الزمان، حتى استطاع الملك/النبي داود السيطرة عليها تقريباً عام 1049 ق.م.

وأحبَّ داود "يبوس"، فاتخذها عاصمة لملكه وسماها مدينة داود، وظلت المدينة خاضعة له ولولده وخليفته الملك/النبيسليمان طوال فترة حكمهما، التي يعتقد البعض أنها استمرت نحو 70 عاماً. وبعد وفاة سليمان، اقتتل ابناه رحبعام ويربعام، وانقسمت المملكة إلى نصفين؛ أحدهما كانت يهوذا وعاصمتها أورشليم (القدس)، والآخر إسرائيل وعاصمتها شكيم.

دخل رحبعام ويربعام وخلفاؤهما في عشرات الحروب البينية التي استمرت نحو 4 قرون، ما أضعف مُلكهم وجعلهم فريسة سهلة لفراعنة مصر والآشوريين وملوك بابل، الذين كانوا يفرضون عليهم الجزية ويعزلونهم من المُلك.

يهود "أورشليم".. بين السبي البابلي والتدليل الفارسي

غزا ملك بابل، نبوخذ نصر، أرض كنعان، ونجح في دخول أورشليم عام 587 ق.م، بعد حصارٍ قاسٍ استمر عامين، ففقأ عين ملكها "صدقيا"؛ بسبب خيانته، ونهب قصورها وبيوتها، ودك أسوارها الحصينة، وأخذ شعبها بالكامل إلى بابل كعبيد.

استمرت أورشليم مدينة بابلية حتى هزم "كورش"، ملك فارس، البابليين عام 539 ق.م وأفنى مُلكهم، ثم أرسل جيشاً إلى أورشليم فاحتلها عام 538 ق.م. وبعدها سمح لليهود المشرَّدين بالعودة إليها والإقامة فيها، شيئاً فشيئاً بدأ اليهود في تعمير المدينة وإقامة سورها وبناء معابدهم، مقابل دفع الضرائب بانتظام للفرس، وهكذا أصبحت أورشليم مدينة فارسية خالصة نحو قرنين من الزمان.

وتُظهر الدلائل هيمنة الوجود العربي المتمثل بالأنباط في جنوب فلسطين، كما ظهرت مملكة قيدار العربية في العصر الفارسي.

وبعد أن أعفى الإسكندر اليهود من الجزية.. خلفاؤه ينفونهم إلى مصر

دخل الإسكندر الأكبر القدس عام 333 ق.م دون قتال، بعدما استسلم له يهودها، مقرِّين بسلطته، وحفظ الإسكندر لهم الجميل فسمح لهم بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وأعفاهم من الجزية مرة كل 7 سنين، وسمح لهم بسكِّ نقود نُقش عليها: "أورشليم المقدسة وخلاص صهيون".

بعد وفاة الإسكندر الأكبر، كانت القدس من نصيب قائده بطليموس الذي حكم مصر، الذي ثار اليهود عليه، فعاملهم بالشدة، وحاصر أورشليم عام 320 ق.م، ودك قسماً من حصونها، وأرسل آلاف اليهود إلى مصر أسرى، واستمر خلفاء بطليموس يحكمون المدينة حتى سيطر عليها السلوقيون (دولة ذات أصول إغريقية كالبطالمة) عام 198 ق.م.

"إيلياء".. الرومان خرَّبوها وحتى قاموا بتغيير اسمها

استغل الرومان الخلافات بين السلوقيين وسيطروا على أراضيهم، ثم حاصروا مدينة القدس عام 63 ق.م، وسقطت في أيديهم بعد حصار دامَ 3 أشهر قُصفت فيه بالمنجنيق، واستمر حكم الرومان وخلفائهم الروم البيزنطيين للقدس نحو 7 قرون حتى عام 636م، وقد شهد حكمهم أحداثاً عظاماً؛ منها ولادة السيد المسيح ووفاته واضطهاد المسيحيين، كما شهدت القدس عشرات الثورات اليهودية.

توسعت أورشليم في هذا العهد كثيراً، وحدَّث الرومان ومِن قَبلهم اليونان، أبنيتها وطرقها، وبنوا المجاري والسدود والجسور، وانتشرت فيها المدارس والثقافة الرومانية والمتحدثين باللغات.

وسمح الرومان لليهود بشيء من الحكم الذاتي، ونصَّبوا في سنة 37 ق.م هيرودس الأدومي، الذي اعتنق اليهودية، ملكاً على الجليل وبلاد يهوذا، فظل يحكمها باسم الرومان حتى السنة الرابعة الميلادية.

ولكن في عهد الإمبراطور نيرون، بدأت ثورة اليهود على الرومان، فقام القائد تيتوس في سنة 70م باحتلال أورشليم وفتك باليهود. ولما قامت ثورة اليهود من جديد بقيادة باركوخبا سنة 132م، أسرع الإمبراطور هادريانوس إلى إخمادها سنة 135م، وخرَّب أورشليم، وأسس مكانها مستعمرة رومانية، يَحرُم على اليهود دخولها، أطلق عليها اسم "إيليا كابيتولينا"" (إيليا هو اسم هادريان الأول).

ولما اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية، أعاد إلى المدينة اسم أورشليم، وقامت والدته هيلانة ببناء الكنائس فيها.

ويبدو أن تسمية "إيلياء" بقيت متداولة بين الناس، بدليل أنها وردت في عهد الأمان الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب للسكان بعد الفتح؛ إذ سماهم "أهل إيلياء".

ودب الوهن والضعف في الإمبراطورية البيزنطية لاحقاً، ما أغرى الفرس بالإغارة على أورشليم، ونجحوا في السيطرة عليها عام 614م، واستولوا على الصليب المقدس، لكنَّ حكمهم لم يدم سوى 14 عاماً؛ إذ استطاع الرومان استعادتها مرة أخرى عام 628م، وظلت بإيديهم حتى سيطر عليها المسلمون عام 636م.

ورغم تعاقُب الآشوريين والبابليين والإغريق والرومان على فلسطين، فإن أهلها لم يُقتلعوا منها، ويؤكد دي سي أوليري في كتابه "Arabia Before  Muhammad"، أنّ "معظم الفلاحين الفلسطينيين الحاليين هم أنسال تلك الأقوام التي سبقت الإسرائيليين".

وبدأ الحكم الإسلامي بـ"العُهدة العمرية" التي تضمنت شرطاً متعلقاً باليهود

من خلال تتبُّع المسار التاريخي، يتضح أن أغلب أهلها قبل الفتح العربي كانوا يتحدثون الآرامية (لغة سامية قريبة من العربية، وهي اللغة التي يُعتقد أن المسيح كان يتحدث بها)، أو من الإغريق والرومان، أو كانوا من أصول عربية مختلفة والذين كانوا ينتشرون بصفة خاصة في جنوب فلسطين، وكان أغلبهم من المسيحيين.

في حين تراجع الوجود اليهودي بعد نفي أعداد كبيرة منهم جراء الثورات المتعددة التي قاموا بها وتم إخمادها من قِبل الإمبراطوريات في المنطقة، خاصة الرومان.

دخل خليفة المسلمين الثاني، عمر بن الخطاب، مدينة القدس أو "إيلياء" كما كان يُطلق عليها في تلك الأيام عام 636م.

وأعطى عمر بن الخطاب أهل القدس أو "إيلياء" الأمان لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم في الوثيقة المعروفة باسم "العُهدة العمرية"، ثم بدأ بعد ذلك في تنظيم أمور المدينة من قضاء ودواوين وحِسبة وغيرها.

ويبدو مما ورد في "العهدة العمرية"، أن سكانها المسيحيين اشترطوا على الخليفة عمر بن الخطاب ألا يسكن إيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود، وهو ما يُظهر البغضاء بين الطائفتين، كما يُفهم منه أنه لم يكن بها -على الأرجح- يهود.

ولما فتح الخليفة عُمَر القدس ودخل كنيسة القيامة، حان وقت صلاة العصر، فدعاه أسقف الكنيسة للصلاة داخلها، فرفض عمر؛ خشية أن يحذو المسلمون حذوه، وربما أدى ذلك إلى تحويل الكنيسة إلى مسجد.

واستمرت القدس في حيازة المسلمين، وانتقلت تبعيتها من الأمويين إلى العباسيين، ثم إلى الطولونيين فالإخشيديين، ثم الفاطميين، ومن بعدهم السلاجقة الأتراك، واصطبغت بصبغتها الإسلامية، التي لا تزال آثارها باقية إلى اليوم، والظاهرة في مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، كما استمر الوجود المسيحي بالمدينة.

وثار أهل فلسطين والقدس مرات عديدة تحت حكم المسلمين، مثلهم في ذلك مثل غيرهم من الأمصار، وقمعت بعض الثورات بقسوة.

ثم وقعت المذبحة الكبرى.. بيت المقدس في يد الصليبيين

استغل الصليبيون الصراعات المشتعلة بين السلاجقة والفاطميين، ونظموا حملة كبيرة لغزو بيت المقدس والسيطرة عليه عام 1099م، أي بعد نحو 5 قرون من الحكم الإسلامي، ولما دخلوا المدينة في 15 يوليو/تموز 1099، أعملوا السيف في مسلميها، فقتلوا آلافاً منهم (بعض الروايات تحصيهم بـ70 ألفاً)، واستولوا على معظم المباني والممتلكات وحولوا مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة.

واستمرت سيطرة الصليبيين على المدينة المقدسة حتى طردهم صلاح الدين الأيوبي منها عام 1187م، بعدما هزمهم في معركة حطين، وحاصر المدينة حتى خرجوا منها لقاء دفع الجزية، وأعطى صلاح الدين الصليبيين الحق في زيارة كنيسة القيامة، ولكن أراد أن يضبط الأمر؛ خوفاً من عودتهم إليها فجعل مفاتيح كنيسة القيامة في يد "آل جودة" المسلمين.

الصدمة.. أحفاد صلاح الدين يسلِّمونها للصليبيين مرة ثانية!

انقسمت دولة صلاح الدين الأيوبي بعد وفاته إلى عدة ممالك متناحرة، دخلت في حروب بينية استنزفت قوتهم وكسرت شوكتهم، فعاد الصليبيون مرة أخرى إلى بيت المقدس، لكن هذه المرة بموافقة الملك الكامل، الذي عاهدهم عام 1228م على هدنة 10 سنوات مقابل ترك القدس تحت إدارتهم.

بعد ذلك بنحو 10 سنوات في عام 1239م، حاصر الملك الناصر داود المدينة 3 أسابيع وأخذها من الصليبيين، لكن الناصر اختلف مع ابن عمه الملك الصالح نجم الدين أيوب واقتتلا، فأعطى الناصر القدس للصليبيين مقابل مساعدته على قتال الملك الصالح، ولما حسم نجم الدين القتال لصالحه تفرَّغ لأمر القدس واستعادها مرة أخرى من الصليبيين عام 1245م، ومنذ ذلك الحين لم يستطع الصليبيون السيطرة عليها مرة أخرى رغم محاولاتهم.

انهارت الدولة الأيوبية في مصر بعد وفاة الملك الصالح نجم الدين، فسيطر عليها المماليك عام 1250م، الذين سرعان ما مدّوا نفوذهم إلى القدس، واهتم المماليك بالمدينة فأنشأوا عشرات المساجد والمدارس، كما أنشأوا القناطر وقنوات المياه والسُّبل، ونشطت فيها التجارة إلى أن ضعفت سلطتهم، فعمت الفتن وزاد السخط، وأذن هذا بالانهيار القادم.

القدس في عهد العثمانيين.. إصلاح ثم ضرائب فثورات

أخذ السلطان سليم العثماني القدس عام 1517م، بعدما نجحت قواته في هزيمة المماليك في معركتي مرج دابق واللجون، وخضعت المدينة المقدسة للإمبراطورية العثمانية حتى عام 1917م، تخللتها فترة انقطاع 10 سنوات من عام 1831 إلى عام 1841م، خضعت فيها المدينة لسلطان محمد علي باشا حاكم مصر وابنه إبراهيم باشا.

ا

اهتم العثمانيون في بداية حكمهم بعمارة القدس
اهتم العثمانيون في بداية حكمهم بعمارة القدس
، فأقاموا سورها وعمروا سُبلها ومهَّدوا طرقها، وأنشأوا عدداً من التكايا والمدارس والمساجد والحمامات العامة، ثم ما لبست عزائمهم أن فترت، فاهتموا بجباية الضرائب أكثر من الإصلاح.

وقام أهل القدس بالثورة عدة مرات خلال عهد العثمانيين، وحدثت أخطر هذه الثورات عام 1824م، عندما رفضوا دفع الضرائب التي فرضها عليهم والي الشام مصطفى باشا، وطردوا الجُباة من منازلهم، واستمرت الثورة مشتعلة عامين كاملين حتى أرسل إليهم السلطانُ محمودَ عبد الله باشا والي عكا، فحاصر القدس 7 أيام حتى وأد الثورة.

لكنَّ أهل القدس ثاروا مرة أخرى عام 1834م خلال حكم إبراهيم باشا بن محمد علي للشام؛ بسبب سياسة التجنيد الإجباري، وفرض الضرائب وجمع السلاح وكسر شوكة الزعامات المحلية وتحريض الأتراك، وكانت هذه ثورة عظيمة قُتل فيها الآلاف من أهل القدس وقراها.

في أواخر القرن الـ19، أُدخل بالقدس العديد من التحديثات، كان منها رصف طرق المدينة، وإنشاء السكة الحديدية بين يافا والقدس عام 1892م وإنشاء المستشفى البلدي عام 1891م، وإدخال الهاتف واستعمال اللاسلكي عام 1905م، لكن هذا لم يغيِّر واقع أن الإمبراطورية العثمانية كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة في تلك الفترة، وهو ما جعل الدول الأوروبية تتسابق لبسط نفوذها عليها. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1917م، قُسّمت أملاكها فكانت القدس من نصيب الاحتلال البريطاني.

القدس تحت الاحتلال البريطاني.. فتح باب الهجرة اليهودية

دخلت القوات البريطانية، بقيادة الجنرال ألنبي، إلى القدس في شهر ديسمبر/كانون الأول 1917، بعد انسحاب القوات التركية منها، وكانت القدس عاصمة لفلسطين طيلة فترة الانتداب البريطاني على فلسطين بموجب قرار عصبة الأمم.

وخضعت القدس للاحتلال البريطاني منذ عام 1917م وحتى عام 1948م، وأُعلنت في البداية الأحكام العرفية وحُكمت البلاد حكماً عسكرياً، ثم فوجئ سكان المدينة بوعد بلفور، الذي تعهَّد بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين، وبالتنصل الإنكليزي من الوعود التي منحوها للشريف حسين، حاكم مكة وقائد الثورة العربية، بإعطاء العرب حريتهم، فخرجوا في مظاهرات ودخلوا في اشتباكات دموية مع قوات الاحتلال، لكن ذلك لم يغير من الأمر الواقع شيئاً.

بدأت بريطانيا تنفيذ وعد بلفور، فسمحت لليهود بشراء الأراضي كيفما يشاءون خاصة في القدس، وفتحت أبواب الهجرة على مصرعيها، وسنَّت التشريعات التي تحمي اليهود وتمنحهم الامتيازات.

وتزعَّم مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، المقاومة العربية لهذه الهجرة، في حين تولى راغب النشاشيبي رئاسة بلدية القدس ما بين 1920 و1934.

تواصلت المظاهرات والإضرابات والاحتجاجات طوال فترة الاحتلال البريطاني؛ احتجاجاً على ما يفعله اليهود، ووقعت اشتباكات عنيفة قُتل فيها المئات من العرب واليهود والإنكليز، لكن سياسات الاحتلال استمرت دون تغيير.

أُحيلت قضية القدس إلى الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وصدر قرار في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947م بتدويل القدس. وفي عام 1948م أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب في فلسطين وسحب قواتها، فاستغلت العصابات الصهيونية هذه المناسبة وأعلنوا قيام دولة إسرائيل وعاصمتها القدس الغربية بعد أن هزموا الجيوش العربية، في حين خضعت القدس الشرقية للسيادة الأردنية.

العودة للاحتلال.. تبدأ برفع العَلم فوق مسجد قبة الصخرة

إغلاق المسجد الأقصى أسبوعاً، كان هذا أول مافعلته إسرائيل بالمدينة بعد الاستيلاء عليها إثر حرب يونيو/حزيران 1967، إذ احتلت إسرائيل القدس الشرقية بعد هزيمة العرب، ودخل الجنرال الإسرائيلي مردخاي غور ورفع العَلم الإسرائيلي فوق مسجد قبة الصخرة.

وفي يوم 21 أغسطس/آب 1969م، اقتحم متطرف أسترالي الجنسية -يدعى دينس مايكل- المسجد الاقصى من باب المغاربة، وأشعل النار في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى المبارك .

وفي عام 1980، سن الكنيست الإسرائيلي ما يُعرف باسم قانون القدس، الذي اعتبر القدس عاصمة إسرائيل وضم شرقي القدس إلى إسرائيل.

وفي 25 سبتمبر/أيلول 1996، انطلقت انتفاضة النفق أو انتفاضة الأقصى الأولى؛ عندما فتح الاحتلال مَخرجاً للنفق الغربي قرب باب الغوانمة، فدارت مواجهات عنيفة؛ أسفرت عن استشهاد أكثر من 60 فلسطينياً.

وبعد اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، ساحات المسجد الأقصى في 28 سبتمبر/أيلول 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى الثانية.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي 14 مايو/آيار 2018، احتفلت إسرائيل والولايات المتحدة بافتتاح السفارة الأميركية في القدس، بحضور وفد أميركي رسمي رفيع المستوى يضم ابنة الرئيس الأميركي إيفانكا ترمب، وسط مقاطعة من عدد كبير من سفراء دول العالم.


إقرأ أيضاً..

أهم العائلات الملكية في العالم.. اليابانية الأقدم، والبريطانية على عرش 16 بلداً، وسلطان ماليزيا بالانتخاب!

بأي زمن نعيش؟.. علماء يؤكدون أننا دخلنا عصراً جيولوجياً جديداً صنعه البشر وآخرون معترضون

علامات:
تحميل المزيد