حتى أكبر مكتبة في العالم الآن.. مكتبة الكونغرس الشهيرة التي تضم ما يقرب من 29 مليون كتاب، والتي أسَّسها توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأميركية عام 1800، أُحرقت على يد الإنكليز في 1814.
وفقدت المكتبة مقتنياتها، لكنَّها عوَّضتها بشراء مكتبة توماس جيفرسون، وتعرَّضت المكتبة لحريق كبير آخر سبَّبه عيب في إحدى المداخن، ودمرت النيران ما يقرب من 35 ألف كتاب، من إجمالي 55 ألف كتاب مما كانت تقتنيه المكتبة.
بعد ذلك تم بناء جناح جديد للمكتبة بمواد غير قابلة للاشتعال في العام 1853، وأخذت بعد ذلك المكتبة في التوسع لتضم فيما بعد 3 مبان رئيسية عملاقة.
لكن في العصور القديمة، كانت هناك مكتبات عملاقة لم تكتب لها النجاة مما مرَّ بها من نوازل وكوارث، فضاعت معها أجزاء نادرة من تراث البشرية.
سنستعرض أبرزها فيما يلي:
مكتبة أرسطو: تلاشت بعد أن أصبحت أعمال المعلم الأول محرمة
في عام 335 قبل الميلاد، أسس أرسطو في أثينا مدرسته الخاصة (الليسيوم)، وسميت (المشائية) أيضاً، لأن أرسطو كان يلقي دروسه أثناء المشي والتجوال بصحبة تلاميذه.
جذبت مدرسة الليسيوم الطلاب من جميع أنحاء العالم اليوناني، وجمعت مجموعة من المخطوطات التي تجعلها واحدة من أولى المكتبات الكبرى في العالم، وقد ضمَّت أعمال أرسطو، التي تبلغ نحو 200 كتاب.
بعد وفاة أرسطو الذي لُقب بالمعلم الأول سيطر الطلاب المفضّلون له على الليسيوم.
واستمرَّت مدرسة الليسيوم بإدارة تلاميذه لمدة ثمانية قرون بعده، ويقال إنه تم إغلاقها على أيدي الإمبراطور المسيحي قسطنطين، حيث كانت الفلسفة في عهد هذا الأخير محرمة.
تلاشى تأثير المدرسة، ولعدة أجيال كانت أعمال أرسطو كلها منسية.. ويُقال إن ما تبقَّى منها من كتب نُقل إلى مكتبة الإسكندرية التي دُمِّرَتْ فيما بعد.
مكتبة الإسكندرية: أعظم مكتبات العالم وأول مركز دراسات في التاريخ
كانت كبرى مكتبات عصرها، إن لم تكن أعظم مكتبات كل العصور، ويقال إن اليوناني ديمتري فاليرون هو الذي أوحى للقائد المقدوني الإسكندر الأكبر بإنشائها.
ولكن المؤسس الحقيقي للمكتبة هو بطليموس الأول، بداية من عام 300 قبل الميلاد، وقيل إنه استغرق في إنشائها 16 عاماً.
ولكن الفضل في نهضتها وازدهارها في القرن الثالث قبل الميلاد، هو بطليموس الثاني.
وضمَّت المكتبة أكبرَ مجموعة من الكتب في العالم القديم، والتي وصل عددها آنذاك حسب بعض التقديرات إلى مليون كتاب، بما في ذلك أعمال هوميروس ومكتبة أرسطو.
قال المؤرخ ابن العبري واسمه غريغوريوس أبو الفرج بن هارون في كتابه "مختصر الدول"، إن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية بعد أن استأذن الخليفة عمر بن الخطاب.
وقد ورد مثل هذا الكلام في دائرة المعارف البريطانية في الطبعة الحادية عشرة، ثم حذف من دائرة المعارف البريطانية في الطبعة الرابعة عشرة، بعد أن تأكد المحققون من عدم صدق هذا الخبر، وتسجل الموسوعة الآن أن ظروف تدمير المكتبة تبقى غامضة.
حقائق التاريخ تبرئ العرب من تهمة حرق مكتبة الإسكندرية، حسب خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، الذي أكد أن مؤرِّخي العرب الذين ذكروا أن عمرو بن العاص حرق مكتبة الإسكندرية بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، لم يعاصروا فترة دخول العرب المسلمين لمصر عام 642م، ونقلوا عن بعضهم البعض من دون وجود أصل تاريخي محقق لكل ما نقلوه، ما ينفي رواياتهم تماماً.
العديد من المؤرخين أكدوا حرق يوليوس قيصر لمكتبة الإسكندرية عام 48م، حسب ريحان، ومنهم ألفريد بتلر، الذي أكد عدم وجود مكتبة الإسكندرية أثناء فتح العرب لمصر، نظراً لأنه تم إحراقها بواسطة يوليوس قيصر إمبراطور الرومان، أثناء النزاع على حكم مصر بين كليوباترا وأخيها بطليموس الصغير، الذي حاصر يوليوس قيصر في القصر الملكي بالإسكندرية، وطلب يوليوس قيصر النجدة بقوات من ولايات أخرى تابعة للإمبراطورية الرومانية.
ثم أمر يوليوس قيصر بحرق السفن الموجودة على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية، حتى لا تستفيد منها القوات المحاصرة له، وامتدَّت النيران لمكتبة الإسكندرية فأحرقتها بالكامل.
كما أن هناك كتابات لمؤرخين تؤكد حرق يوليوس قيصر لمكتبة الإسكندرية، ومنهم بلوتارخ، الذي ذكر في كتاب "حياة قيصر" الذي كتبه فى نهاية القرن الأول الميلادي، أن مكتبة الإسكندرية احترقت بفعل الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر لتدمير الأسطول المصري المرابط بميناء الإسكندرية، كما أشار المؤرخ الروماني أولوس غليوس في القرن الثاني الميلادي، إلى أن مكتبة الإسكندرية احترقت بطريق الخطأ.
وفي القرن الرابع الميلادي اتَّفق المؤرخ أميانوس مرسلينوس والمؤرخ المسيحي أوروسيوس على أن مكتبة الإسكندرية أُحرقت بسبب الحريق الذي بدأه يوليوس قيصر.
ومع ذلك يعتقد أن المكتبة ظلَّت موجودة، ولكن بدرجة أقل من السابق، ولكن عانت من التدمير المتكرّر جراء الاضطرابات داخل الإمبراطورية الرومانية.
وفي القرن الرابع أصبحت الوثنية غير قانونية بموجب مرسوم من الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول في 391م، وأغلقت معابد الإسكندرية الوثنية ثم دمرت، بما في ذلك السيرابيوم، الذي كان في وقت ما يؤوي جزءاً من المكتبة الكبرى، ويعتقد بعض العلماء أن بقايا مكتبة الإسكندرية قد دمرت في هذا الوقت.
وفي عام 2002 تم إعادة بنائها تحت اسم مكتبة الإسكندرية الجديدة.
مكتبة بيرغامون: جاء كتبها من تركيا إلى مصر مهرا لكليوباترا
واحدة من أهم المكتبات في العالم القديم، حيث تأسَّست قبل العصر الهلنستي في مدينة بيرغامون، وهي من أهم المدن في الإمبراطورية الرومانية القديمة، وتقع في الأناضول (تركيا حالياً).
وتعتبر منافسة لمكتبة الإسكندرية، وتقول الروايات التاريخية إن المكتبة كانت تحتوي على غرفة القراءة الرئيسية الكبرى، التي وقف في وسطها تمثال أثينا
إلهة الحكمة، وكانت بها العديد من الرفوف والجدران التي تسمح بتدوير الهواء لترطيب الجو بنيت مع حكم الملك يومينس الثاني.
ويقال إنها احتوت على 200 ألف مجلد.. وتاريخها محاط بقدر كبير من الغموض، ويعتقد أنها تعرَّضت لحريق حطمها.
كما يقال إن مارك أنتوني قدّم لمكتبة الإسكندرية جميع مجلداتها، كهدية زواج لكليوباترا، ويقال أيضاً إنه تم التبرع بعدد كبير من هذه الكتب لمكتبة الإسكندرية القديمة، عندما تضرَّرت مما فعله يوليوس قيصر.
مهما كانت حقيقة ذلك، فإن دراسة أنقاض موقع المكتبة دعمت فكرة أن المكتبة كانت تمتلك هذا العدد الرهيب من الكتب كما تقول الأساطير.
مكتبة القسطنطينية: مصيرها تائه بين الصليبيين والعثمانيين
بعد زمن طويل مرَّ على دمار مكتبة الإسكندرية والمكتبات القديمة الأخرى، قرر الإمبراطور البيزنطي قسطنطينوس الثاني إنشاء المكتبة لنسخ الكتب المكتوبة على لفائف البردي التي ساءت حالتها، وساهم بذلك في المحافظة على الكتب الإغريقية القديمة وحفظ المعرفة القديمة لليونان والإغريق لأكثر من ألف عام.
هناك عدد من النظريات حول أسباب انهيار هذه المكتبة، بما في ذلك الاقتراح أنها دمرت خلال الحملة الصليبية الرابعة عام 1204، أو خلال الفتح 1453 للمدينة من قبل الإمبراطورية العثمانية.
وقيل أيضاً إنها قد تكون اختفت تدريجياً على مدى فترة طويلة من الزمن، بسبب عدد من الحرائق المختلفة.
مكتبة كورفينوس: واحدة من عجائب عصر النهضة التي تعرَّضت للنهب بعد هزيمة أصحابها
واحدة من المكتبات الأكثر إثارة للإعجاب في فترة عصر النهضة، أسَّسها ماتياس كورفينوس، وهو ملك المجر من عام 1458 إلى عام 1490.
وجد بها أكثر من 2000 كتاب، واعتبر البعض أنها تأتي في المرتبة الثانية بعد مكتبة الفاتيكان.. كما قيل إن بعض الكتب الموجودة بها جاءت من مكتبة القسطنطينية.
وفي أعقاب معركة موهاكس (هي معركة وقعت بين الدولة العثمانية ومملكة المجر في 29 أغسطس/آب 1526م) تعرَّضت المكتبة للنهب والتدمير، ومن بين الكتب التي كانت تشغلها المكتبة تم تتبع 216 كتاباً فقط.
ونظراً لأنه لم يتم إعطاء جميع الكتب الموجودة في المكتبة علامات مميزة، كان من الصعب معرفة ما إذا كانت هناك أي كتب أخرى ما زالت موجودة أم لا.
مكتبة بترارك: مؤسسها أراد بيعها مقابل منزل
كان فرانشيسكو بترارك باحثاً إيطاليّاً وشاعراً، وقد قام ببناء مكتبة تضمُّ مجموعةً من الكتب من جميع أنحاء أوروبا، التي أصبحت في نهاية المطاف واحدةً من أكبر المكتبات من نوعها في العالم خلال القرن الرابع عشر، وأراد أن يعطيها بأكملها لمدينة البندقية بإيطاليا في مقابل الحصول على منزل هناك.
لكن هذه الخطة لم تتحقق. وقيل إن الكثير من هذه المجموعة قد تم تفريقها في مواقع أخرى مختلفة، وقيل إن المجلدات التي بقيت في البندقية اختفت في ظروف غامضة.
ومن المعروف أن بعض المجلدات أصبحت الآن في حوزة مكتبة فرنسا الوطنية، لكن لا تزال هناك شكوك حول مصير البقية.
مكتبات المايا: الإسبان أحرقوا الكتب التي تتحدث عن بداية الكون
ظهرت حضارة "المايا" في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، وانتشرت من جنوب شرقي المكسيك إلى غربي هندوراس والسلفادور، وبلغت ذروتها بين القرنين السادس والتاسع بعد الميلاد، قبل أن تبدأ بالاندثار في القرن السادس عشر بعد الغزو الإسباني.
طورت حضارة المايا نظاماً للكتابة استخدمتْه لتسجيل معلومات خاصة بثقافتهم على الكتب القابلة للطيِّ، والمعروفة باسم المخطوطات.
وكانت هذه المخطوطات تشكل جزءاً أساسيّاً من ثقافتهم، ومن هذه الكتابات كتاب بوبول فوه (كتاب المايا المقدس)، وفيه ذُكرت بدايات الكون، وكان محور هذا الكتاب هو شعب كويتشي.
ضاعت الكثير من مخطوطات حضارة المايا، قد ضاعت بسبب قيام الغزاة الإسبان بإحراقها خلال الفتح الإسباني لشبه جزيرة يوكاتان خلال القرن السادس عشر، ولا يُعرف سوى عدد قليل من المخطوطات التي نَجَتْ من هذه الفترة.
مكتبة هانلين يوان: سرقة تاريخ الصين العظيم في انتفاضة شعبية
هي واحدة من أهم المكتبات في تاريخ الصين، وتمَّ تدميرُ جزء كبير من محتوياتها بسبب الحرائق التي اشتعلت في المبنى أثناء ثورة الملاكمين (انتفاضة شعبية صينية بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 1899 وانتهت في 7 سبتمبر/أيلول 1901، قامت بها جمعية الحق والقبضات المتآلفة ضد التأثير الأجنبي المتنامي في البلاد في مختلف المجالات).
قيل إن هذه المكتبة احتوت على أكثر من 11 ألف مجلد فردي، يغطي مئات السنين من التاريخ الصيني، ويعتقد أنه تمت سرقة هذه الكتب في أعقاب هذا النزاع.
مكتبة ملك فرنسا شارل الخامس: لا أحد يعرف ما حدث لها
أسس الملك شارل الخامس بقصر اللوفر مكتبته الخاصة عام 1368، وكانت تضم 917 مخطوطاً نادراً، لكنها اندثرت بعد رحيله.
من غير الواضح ما حدث لجميع المخطوطات الموجودة في مكتبة شارل الأصلية.
تم جلب بعض من هذه الأعمال إلى لندن، حيث يحتفظ بها الآن من قبل المكتبة البريطانية، لكن مصير الكثير منها لا يزال غير معروف.
وقام الملك لويس الحادي عشر، الذي حكم فيما بين عامي 1461 و1483 بتأسيس مكتبة أخرى في اللوفر، والتي أصبحت فيما بعد مكتبة فرنسا الوطنية.