قد لا تعرف أن اسم الشهر التاسع في التقويم القمري الهجري كان نفسه "رمضان" قبل الإسلام، وقبل بعثة النبي محمد.
فقد كان العرب يسمون أشهر السنة حسب أحداث وقوعها، مثل ذي الحجة الذي يقع فيه موسم الحج سنوياً، وربيع الذي يوافق فصل الربيع، ورمضان من الرمض أو "الرمضاء"، التي تعني شدة الحر، وهو المعنى المتوافق مع طبيعة شهر الصيام لدى المسلمين، حيث يشتد حر البطون الجوفاء من الجوع والعطش "فيكون جوفه رمضاً"، ويقال أيضاً إن التسمية من الرميض وهو السحاب والمطر.
لكن قبل ذلك كانت هناك أسماء قديمة مختلفة جرى توحيدها وتغييرها، فقد كان شهر رمضان يسمى "نَاتِق" على سبيل المثال.
الأشهر القمرية قبل وبعد الهجرة
كان العرب يعتقدون بأهمية القمر والعام القمري قبل الإسلام، والشهر القمري هو المدة التي يُتم فيها القمر دورةً كاملة حول الأرض. وتقاس عادةً من مولد الهلال إلى ميلاد الهلال التالي، أي عندما يقع القمر بين الأرض والشمس في خط مستقيم.
ومن الواضح أن كثيراً من أسماء الشهور القمرية القديمة ليس لها معانٍ عربية واضحة، لكن تم استبدالها في القرن الخامس الهجري – أي قبل قرن من بعثة النبي محمد -، بالأسماء العربية المعروفة حالياً بأسماء الأشهر القمرية، وكانت أسماء الأيام أيضاً مختلفة عن الأسماء الحالية مثل: السبت: شِيَار، والأحد: أَوَّل، والإثنين: أَهْون.
وبسبب حياة الترحال وعدم الاستقرار والاجتماع فيما بينهم، لم يستخدم العرب الأرقام للإشارة للسنوات بالتواريخ الرقمية كما يحدث الآن، وعوضاً عن ذلك كانوا يسمون الأعوام القمرية بحوادث كبيرة مثل: حرب الفجار، وعام الفيل نسبة للمحاولة الفاشلة التي قادها أبرهة الحبشي حاكم اليمن من قبل مملكة أكسوم لتدمير الكعبة، ليوقف ذهاب العرب وقريش إليها، ويحولهم لكنيس بديل بناه في اليمن، وتوافق غالباً 571م.
لكن القبائل العربية اتفقت على الأشهر الحرم، التي استمدت من شريعة النبي إبراهيم، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، واستمرت حتى الإسلام وكان يُحرَّم فيها القتال، لكن تم التحايل عليها بنظام النسيء لتعديل مواعيدها، بتأخيرها أو تعجيلها أو استبدالها بأشهر أخرى، وقد ذكر القرآن "النسيء" باعتباره من أعمال الكفر.
"إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".
وبعد الإسلام استمرَّ العرب والمسلمون على نظام التقويم العربي السائد، اعتماداً على الأحداث الهامة دون تواريخ رقمية، لكن ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب، رأى لاحقاً حاجة الدولة الجديدة مترامية الأطراف لنظام تقويم خاص بها، فوضع التقويم الهجري بدءاً من أول شهر محرم من السنة التي هاجر فيها الرسول، بداية للتقويم الهجري والتأريخ الإسلامي.
ما معاني أسماء الأشهر القمرية القديمة والجديدة؟
1- المُؤْتَمِر/ المحرم
سمي المحرم بسبب تحريم القتال فيه، وهو أول الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها القرآن الكريم.
"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ".
وكان اسمه في الجاهلية المؤتمر، أي الشهر الذي يؤمر فيه بترك القتال. بينما كان يطلق اسم المُحَرَّم في الجاهلية على شهر رَجَب، ولم يكن محرم هو بداية السنة القمرية (قبل التقويم الهجري)، كما أنه لا يرتبط بهجرة النبي محمد.
2- نَاجِر / صفر
سمي بهذا الاسم لأن مكة كانت تصفرّ من أهلها إذا سافروا فيه أو خرجوا لقتال وتركوا بيوتهم، ويقال إنه سمي كذلك لأنهم إذا خرجوا للقتال فيه تركوا أعداءهم "صفر المتاع"، أي خالين من كل شيء، وسمَّته العرب العاربة "ناجر" أي شهر الحرب، بعد شهر المحرم.
3- خُوَّان / ربيع الأول
سمي بهذا الاسم لارتباطه بفصل الربيع، رغم أن الفصول تتعاقب وتختلف في العام القمري ولا ترتبط بأشهر معينة.
وكان يسمى باسم "خوان" لأن الحرب تشتد فيه، فتخونهم وتنقص حاجاتهم، حسب الباحث والمؤلف د. محمد عقل.
4- وَبْصَان / ربيع الآخر
سمي كذلك لأنه جاء بعد ربيع الأول في فصل الربيع، وكان يسمى قديماً "وبصان" والوبيص هو بريق للقتال.
5- حَنِين / جمادى الأولى
يجيء شهر جمادى الأولى مع فصل الشتاء، الذي يتجمد فيه الماء من البرد، فسمي الاسم جمادى بالتأنيث.
وكان يسمى حنين بسبب حنين العرب المسافرين فيه لبلدانهم بعد الربيع.
6- رُبَّى / جمادى الآخرة
سمي بهذا الاسم لوقوعه في الشتاء بعد شهر جمادى الأولى.
7- الأَصَمّ / رجب
كانت تقدم في شهر رجب "الرجائب" أي القرابين، ومعنى الترجيب هو التعظيم، وسمي قديماً "الأصم" لعدم سماع قعقعة السلاح وصوته فيه كونه من الأشهر الحرم.
8- عَإذِل / شعبان
سمي الشهر الثامن الهجري بهذا الاسم لأنه "شِعب" بين رجب ورمضان، وقيل لتشعّب العرب فيه نحو الحروب أو بحثاً عن المرعى والماء.
وسمَّته العرب قديماً باسم "عادل"، لأنهم يعدلون فيه عن الإقامة ويتشعبون في الأنحاء.
9- نَاتِق / رمضان
هناك تسميات مختلفة لشهر رمضان، نَاتِق، وسمي "نَاتِق" لأنه كان ينتقهم، أي يزعجهم بشدته عليهم، وقيل لكثرة المال فيه بعد غارات شعبان. ورغم أنه من المعروف أن أشهر السنة القمرية لا ترتبط بالفصول الأربعة، وأن شهر رمضان يتبدَّل وقوعه، ويأتي في الصيف والشتاء على حد سواء.
وكان الاسم مستعملاً في اللغة العربية القديمة، وأنشد الشاعر العباسي المفضل الضب.
وفي ناتِقٍ أَجْلَتْ لدى حَوْمَةِ الوَغَى ** ووَلَّت على الأَدْبَارِ فُرْسَانُ خَثْعَمَا
وقد عُرف الصوم لدى العرب القدماء قبل الإسلام، خاصة لدى اليهود والمسيحيين في الجزيرة العربية، وحتى عند أبناء القبائل، لكن بصيغ مختلفة لا تشبه صيام شهر رمضان لدى المسلمين.
10- وَعْل / شوال
سمي بهذا الاسم لشولان النوق فيه، أي نقصانها وجفاف حليبها. وسمي قديماً باسم (وَعِل) أخذاً من قولهم وَعَلَ إلى كذا، أي لجأ إليه، حيث كانوا يهربون من الغارات والقتال قبل الأشهر الحرم التي تبدأ بذي القعدة.
11-وَرْنَة / ذو القعدة
سمي الشهر الحادي عشر الهجري بذلك، لقعود العرب فيه عن التنقل والسفر، أو قعودهم عن القتال والحرب فيه، كونه أول الأشهر لحرم. وسمي قديماً باسم "وَرْنة" أي الحركة أو القرب إلى الحج.
12- بُرَك / ذو الحجة
سمي الشهر الأخير من العام الهجري بذي الحجة، لأنه الشهر الذي يذهب فيه الناس للحج، وهو شهر حرام، وسمي قديماً "ميمون" و "بُرَك"، لما فيه من البركة في الحج.