الشعرَ صعبٌ للغاية ويقتصر على فئةٍ معينةٍ، لا تخجل، فلست وحدك من يشعر بهذه الهيبة تجاه الشعر.
ولكن البروفيسور الأميركي توماس فوستر الذي صنع مسيرةً مهنيةً مثمرةً بتأليف كتب تعليمية حول الطريقة التي ينبغي أنَّ نقرأ بها، قدم في كتابه الجديد How to Read Poetry Like a Professor جزءاً من مخطط لطريقة التعامل مع بيت من الشعر.
سعى فوستر في كتابه إلى إثبات عدم صحة فكرة أنَّ الشعرَ صعبٌ للغاية ويقتصر على فئةٍ معينةٍ أو كما قال فوستر لصحيفة The Guardian البريطانية إنَّه "غامضٌ عن قصد".
مُنذ تَقاعُده من منصب الأستاذية بجامعة ميتشغان فلينت الأميركية حيث كان يُدَّرس الأدب والكتابة لما يقرب 30 عاماً، حقق كتابه بعنوان How to Read Literature Like a Professor، الذي نقحه عام 2014، نجاحاً ساحقاً بإدراجه بقائمة صحيفة The New York Times للكتب الأكثر مبيعاً.
واتبعه بكتب How to Read Novels Like a Professor، وTwenty-five Books that Shaped America، وReading the Silver Screen.
ولأنه لم يَعرف كيف يَتعامل معه" في المدرسة الابتدائية، فإن فوستر، يصب، تركيزه حالياً على الشعر.
وفي مقابلةٍ مع صحيفة The Guardian قدم فوستر، الذي خلَّف احتكاكه بأعمال الشاعر لورانسفيرلينجيتي في وقتٍ مبكرٍ من مراهقته بصمةً لديه دامت للأبد، نصائحه لفهم الشعر والاستمتاع به: نصائح تبدو بسيطة وتحتاج بالأساس للعودة لقواعد القراءة الأولية البسيطة.
اقرأ كل الكلمات، ولا تحاول تخطي بعضها
يقول عزرا باوند إنَّ القصيدة ينبغي أنَّ تكون سَلِسة حتى يَسهُل أنَّ يفهمها ببساطة مَن لا يتمتعون بقدرٍ كبيرٍ من الذكاء، لذا أنصّح بالقراءة بهذه الطريقة أيضاً: أي عليك أن تبدأ بمستوى المعنى الحرفي أولاً. احرص على قراءة ما تراه أمامك بالفعل.
أما النصيحة الثانية، التي تَبدو وكأنَّها غير ضرورية ولكنني لا أعتقد أنها كذلك، هي أنَّه ينبغي قراءة كل الكلمات. لا ينبغي عليك قراءتها فقط، بل القراءة بالطريقة التي تصطف بها الكلماتُ إلى جانب بعضها البعض.
المشكلة أنه يظهر دافعٌ مفاجئ للانتقال من اللغةِ الموجودةِ في الصفحةِ إلى المعاني أو الرموز المتوارية التي قد تَكون موجودة.
وأثناء التدريب على تلك النصيحة، كان لدي عدد كبير من الطلاب الذين يقومون بذلك وفي الواقعِ يَتخطون كلمة أساسية.
يحدث فارق حقاً، حسب فوستر، إذا تخطيت كلمة "لا" على سبيل المثال. لا أرغَب في أنَّ يقلق أي شخص بشأن المعاني الثانوية أو التلميحات الرمزية حتى يتمكنوا بالفعل من التعامل مع ما يقوله المعنى على المستوى الحرفي.
أقرأ الجمل، فالسطور لن تجعلك تفهم
هناك نزعةٌ كبيرةٌ إلى لونٍ من ألوان الفن يكتب من سطورٍ لكي ترغب في أن تقرأ السطور.
لكن السطور في كثيرٍ من الأحيان لا تكون منطقية ولا تقدم معنى كاملاً. إذا توقفنا عند نهاية كل سطر وكأننا قرأنا عبارةً كاملةً، وكلنا فعلنا ذلك في مرحلة مبكرة من القراءة، فلن نفهم أي شيء من القصيدة لأننا لن نفهم ما يُقال. فالقصائد مثلها مثل كل شيء يُكتب باللغة الإنكليزية: تُمثّل الجملةُ الوحدةَ الأساسيةَ للمعنى فيها وليس السطر، وينبغي ألا نتجاهل هذه الحقيقة.
اتبع جميع علامات الترقيم حتى وإن لم تكن موجودة واستوعب الفروق بينها
إذا لم توجد علامةُ ترقيمٍ عند نهاية السطر، فنحن نُحبذ الوقوف بينما تَعود العينُ سريعاً إلى بداية السطر، وكذلك لا نُفضّل خفض الصوت وكأن الجملة انتهت. ولذا عليك أن تحافظ على انسيابية الكلام وجريانه قَدر الإمكان.
إذا وجدت فاصلة، نحتاج لأن نتوقف كما لو أنها فاصلة وليست نقطة. أما إذا وَجَدت فاصلة منقوطة أو علامة استفهام، وأي علامة ترقيم تقترب لكونها نقطة فإن ذلك يَتَطَلَّب توقفاً كاملاً، فعلينا أن نتوقف تماماً عندها ونفهم أننا أنهينا للتو جملة تفيد معنى كاملاً نوعاً ما.
فهذه هي الطريقة التي فهمت بها الشاعرة القصيدة عند كتابتها وعلينا أن نفعله بنفس الطريقة أيضاً.
لا تخجل واقرأ القصيدة بصوتٍ مرتفع
يُعد تواجُدك في المنزل مع شخصٍ آخر مشكلة. ربما عليك أنَّ تدخل غرفتك أو ربما تخرج أو تجلس في السيارة حيث لا يَسمعك أحدٌ. لكنني أعتقد أنك ستُبلي أفضل في قراءة القصيدة، على الأخص لحين يتحسن تعاملك مع ذلك الصوت الداخلي المسيطر، إذا قرأتها وسمِعتها بصوت عال.
تُوجد أصداءٌ تُحدثها القصيدة لن تسمعها إذا قرأتها في صمت. وهناك مواطن ستتساءل عندها فجأة عن التوكيد وسيدور في عقلك سؤال: "هل هو هنا أم هنا؟"، وقد تتمكن من حل كل ذلك بنفسك إذا قرأت القصيدة بصوتٍ مرتفع. بوجه عام، تُكتب القصائدُ لقراءتها بالعين. لكنها لا تزال تمتلك تلك الميزة الشفهية التي علينا أنَّ نبدع لنستوفيها.
اقرأها مرة أخرى فهي كتبت بهذه الطريقة
يردد أصدقائي في المجال هذه النصيحة، ويقولونها لأنفسهم ثماني مراتٍ يومياً: إنَّ براعة فن الكتابة تكمن في إعادة الكتابة. فكل مسودة تحتاج إلى أنَّ تُصبح أفضل.
سمعت شائعات تدور حول أنَّ الناقد هارولد بلوم وربما شخص أو اثنين في التاريخ كانوا يكتبون فقط المسوادت ومن أول مرة يكونون قد انتهوا من عملهم، لكن بقيتنا لا نتبع تلك الطريقة.
ففي هذه الحالة، أقول إنَّ القراءةَ الجيدةَ تعني القراءةَ مرة أخرى، وهذا صحيحٌ بصورةٍ خاصةٍ مع القصائد.
ويصعب حقاً قراءة رواية War and Peace مرة أخرى بمجرد الانتهاء منها، أو رواية Moby Dick وأي من تلك المجلدات التي تعصر القلب عند قراءتها، لكن يمكننا إعادة الكرَّة في حالة القصائد السونيتة (المكونة من 14 بيتاً).
يَرى كثيرٌ من الأشخاص أنَّه يمكنك القراءة في المرة الثانية بصمت طالما قرأت المرة الأولى بصوت عالٍ نظراً لأنك تكون حينها تمكنت من المعنى الآن.
إنه ليس غامضاً بالضرورة لكن فقط عليك معرفة من أين تبدأ؟
يتَمثَّل أحدُ عوائق الشعر في أنَّه لا يَقتصر على كونه غامضاً فقط، بل هو غامضٌ عن قصد. لكن عندما نراه غامضاً فقد يكون السبب هو عدم اطلاعنا على المراجع الثقافية.
فالشعرُ الإنكليزي التقليدي كان ينبغي أنَّ يُكتَب لشريحةٍ صغيرةٍ من الأشخاص الذين يتمتعون على نحوٍ ما بقدرٍ متساوٍ من المعرفة، ومن ثم فإنه لا يكتب فقط بلغة شبه أجنبية بل يكون أيضاً بمثابة مجموعة من المراجع الأجنبية.
ولا أوصي أنَّ يبدأ الأشخاص مطالعة الشعر ويبدأوا تجربتهم الشعرية بالقراءة لجون ميلتون ( أحد أشهر الأدباء البريطانيين، وهو شاعر وكاتب وصاحب ملحمة الفردوس المفقود التي تعتبر من روائع الأدب العالمي) أو صديقه الأديب أندرو مارفيل.
تعامل معه على أنه مختبر أو محادثة بينك وبين الشاعر
أهم ما يجب أنَّ نفهمه في القصيدة، أولاً وقبل كل شيء، أنَّها نوعاً ما تجربة في اللغة وعن طريق التعامل معها، أحدد كيف يمكنني التحدث عن هذا الشيء، كيف أقوله بطريقةٍ مثيرةٍ للاهتمامِ وفريدةٍ من نوعها، طريقة ستنقل المعنى وتتخطى عملية إيصال المعنى تلك؟
يقول فوستر: أنا أفكر في الشعرِ على أنَّه مختبرٌ.
ما يفكر فيه كبارُ الشعراء بصورةٍ كبيرةٍ هو مخاطبة خيالنا بطريقة ما، وهو الأمر الذي يجعلهم يحومون حولنا. الأمر ليس أشبه ببيع شمع السيارات أو أي شيء من هذا القبيل، بل إنَّهم سيجدون جمهوراً وأشخاصاً متحمسين يهتفون قائلين: "أجل، لقد فهمتها. إنها تُعيد إليَّ بعض الذكريات".
يكون الأمر بمثابة محادثة تجري بين مخيلتين لشخصين مختلفين. لا يتعلق الأمر بالكلمات فقط: فهو يتعلق بالطريقة التي تُعبر بها المخيلة عن نفسها، والطريقة التي تَستَقبل بها المخيلة الأخرى تلك الرسالة.