يمثل عيد الميلاد ثاني أهم المناسبات الدينية المسيحية بعد عيد القيامة، حيث حدد مجمع نيقية عام 325 أن ميلاد المسيح كان منتصف ليلة 24 ديسمبر/كانون الأول ونهار 25 ديسمبر/كانون الأول في العام الأول من التقويم الميلادي؛ أي قبل 2017 سنة مضت.
وتصادف ليلة عيد الميلاد مساء يوم 24 ديسمبر/كانون الأول لدى الطوائف المسيحية الغربية و6 يناير/كانون الثاني لدى طوائف المسيحية الشرقية ويعود الفارق بين التاريخين لاختلاف التقويمين اليولياني والغريغوري اللذين يعودان للسنة الرومانية والمصرية التي تشمل 365 يوماً وربعاً (ست ساعات).
وقد ولد المسيح في السنة 745 حسب التقويم الروماني، لكن راهباً إيطالياً في القرن السادس الميلادي اقترح أن تكون السنة التي ولد فيها السيد المسيح هي السنة الأولى الميلادية والتحول للتقويم الميلادي ولاقت فكرته قبولاً في العالم المسيحي ثم صارت سائدة في العالم، وفيما يلي نظرة الأديان المختلفة للسيد المسيح وحياته ورسالته.
يسوع ليس الماشيح عند اليهود
لا يعتبر اليهود يسوع نبياً ولا إلهاً ولا رسولاً من الإله، فهو حسب الاعتقاد اليهودي ليس "الماشيح" الموجود في النبوءات، وتذكر الأناجيل المسيحية وصفه من قبل رجال دين يهود بـ "الممسوس من قبل الشيطان"، ويعتبر اليهود النبي ملاخي آخر الأنبياء اليهود وهو سابق للمسيح بقرون ولم يكن بعده نبي ولا رسول، وترى اليهودية الإصلاحية أن كل يهودي يصرح بأن يسوع هو المسيح المخلص لا يعد يهودياً.
والحاخام موسى (موشيه) بن ميمون هو يهودي عربي ولد بقرطبة بالأندلس وانتقل لفاس بالمغرب ثم استقر كرئيس للطائفة اليهودية في مصر زمن الأيوبيين، ويعد من أكبر رجال الدين اليهودي في العصور الوسطى.
يقول موسى في كتابه "ميشناه – منشأ – التوراة"، إن "يسوع الناصري الذي ادعى أنه المسيا (المسيح) وقتل بأمر المحكمة ، كان النبي دانيال قد سبق وتنبأ عنه قائلاً: وأطفال ثوار شعبك سيرفعون أنفسهم لمرتبة النبوة فيتعثرون، فهل يمكن أن توجد صخرة عثرة أكبر من هذه؟ كل الأنبياء أجمعوا على أن المسيا سوف يخلص إسرائيل وينقذه وبأنه سيجمع المشتتين ويقيم الوصايا، بينما سبب الناصري ضياع إسرائيل بحد السيف وتفرق من تبقى منهم في كل مكان، كما أنه غير التوراة وتسبب بحصول خطأ فظيع بعبادة إله إلى جانب عبادة الرب".
المسيح في المسيحية
يسوع الناصري هو المسيح الذي تحققت فيه نبوءات العهد القديم (كتب اليهود والتوارة)، وهو المولود من السيدة العذراء مريم عليها السلام بطريقة إعجازية فريدة، وشهدت حياته منذ ميلاده العديد من المعجزات والآيات وترك للمؤمنين به الإنجيل، وهو كلمة الله وصاحب الوعد بالعودة في آخر الزمان، وهذه النظرة للمسيح يتفق عليها المسيحيون والمسلمون بينما يرفض اليهود الاعتراف بيسوع كالمسيح المنتظر وينكرون عودته ونبوّته ورجوعه وكتابه.
ويؤمن غالب المسيحيين أن يسوع هو متمم النبوءات والبشارات والمسيح المنتظر، وأنه ابن الله المتجسد الذي قدم في العهد الجديد التعاليم الاجتماعية والأخلاقية العليا، وأن له معجزاته التي تؤيد أقواله، وأنه كان مخلّص العالم بموته وقيامته، وأنه الوسيط بين الله وبشر وأنه سيعود مرة ثانية، وبخلاف الآريوسية التي لم يعد لها وجود في الزمن الحالي، والتي تنتسب للكاهن السكندري آريوس التي تنفي المساواة في الجوهر الإلهي بين الآب وبين المسيح وروح القدس، والنسطورية التي تعتبر يسوع المسيح مكوناً من طبيعتين كلمة إلهية وجسد إنساني بشري ولدته السيدة مريم وشهود يهوه التي تضع المسيح في مرتبة منتصفة فهو ليس إنساناً ولا إلهاً.
فإن الطوائف المسيحية الحالية تعتقد بـ "قانون الإيمان المسيحي" الذي يتضمن أساسيات مشتركة بين الطوائف المسيحية المختلفة (مع فروق بسيطة)، وقد تبلور القانون بعد مجمع نيقية 325 بأمر من الإمبراطور الروماني قسطنطين، وينص على:
"نؤمن بإله واحد الله الأب ضابط الكل خالق السماء والأرض، ما يُرى وما لا يُرى. نؤمن بربّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد. المولود من الأب قبل كل الدهور نور من نور إله حقّ من إله حق مولود غير مخلوق مساوٍ للأب في الجوهر الذي به كل شيء هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس وصلب في عهد بيلاطس البنطي تألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السماء وجلس على يمين أبيه وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات الذي ليس لملكه انقضاء"
عيسى ابن مريم في الإسلام
في الروايتين الإسلامية والمسيحية توجد نقاط اتفاق؛ مثل مكانة السيدة مريم، وبشارتها بالمسيح، ومعجزات عيسى مثل إحياء الموتى وإبراء الأبرص والأعمى وإنزال المائدة من السماء، وتحليل بعض محرمات الشريعة اليهودية.
لكن أهم الاختلافات فهي موضوع الصلب، وموضوع ألوهية المسيح وكونه الإبن، "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا – بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا".
فالقرآن – كتاب الوحي عند المسلمين – يقر وفاة المسيح وبعثه ورفعه إلى السماء، لكنه ينفي بشدة صلب المسيح أو قتله، وكذلك ينفي الدور الخلاصي في وفاة عيسى الذي يعتبر من أركان الاعتقاد المسيحي، ويحكي القرآن قصة المسيح عيسى ابن مريم منذ مولده في سورة مريم.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ، فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ، قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ، فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا، فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ، فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ، مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ "
المسيح إنسان حكيم عند البوذية
هناك رؤية بوذية للمسيح على أنه إنسان عظيم صنع الخير للبشرية، وأن حكمته وتعاليمه المتعلقة بالمحبة والتسامح تشبه تعاليم بوذا ، لكن البوذية لا تؤمن بالطبع بمعجزة ميلاد المسيح ولا بنبوته ولا ألوهيته
هل ناقش الكتاب القدماء مسألة وجود يسوع؟
في العالم القديم كان وجود المسيح تاريخياً بديهية لكن من زوايا مختلفة؛ ففي الأدب القديم للحاخامات اليهود اتُهم المسيح بأنَّه الطفل غير الشرعي لمريم العذراء وأحد السحرة. وفي أوساط الوثنيين، نبذه كلٌّ من الكاتب الساخر لوقيان السميساطي والفيلسوف سيلسوس المسيح، واصفين إياه بالوغد، ولكن لم يشكك أي شخص في العالم القديم في حياة المسيح وكونه شخصية حقيقية.