عاد الفنان الجزائري حميد شريت المعروف بـ "إدير" إلى بلاده، بعد هجرته إلى فرنسا قبل أربعة عقود. وبرر "إدير" غيابه طيلة هذه الفترة لـ "تعارض مبادئه ونضاله مع الأنظمة التي تداولت على حكم الجزائر"، قبل أن يقرر العودة مع اعتبار اللغة الأمازيغية لغةً رسمية في الدّستور الجزائري إلى جانب العربية، وهو المبدأ الذي ناضل من أجله.
ولدى وصوله إلى الجزائر العاصمة، عقد الفنان البالغ من العمر 74 عاماً مؤتمراً صحافياً أكد فيه نضاله الدائم من أجل اللغة الأمازيغية بعيداً عن الحسابات السياسية، معبراً عن فخره بالانتماء للجزائر، ومؤكداً في نيته الرجوع لإحياء الحفلات الغنائية في الجزائر.
ويعتبر "إدير" أول فنان من شمال إفريقيا يوصل الأغنية الأمازيغية إلى العالمية، من بوابة أغنية "أفافا اينوفا(A vava inouva)" القبائلية الشّهيرة، التي ألّفها وغنّاها وأخرجها سنة 1976، ونالت شهرة عالمية حتى ترجمت إلى حوالي 23 لغة.
قصة الأسطورة "افافا ينوفا"
تعتبر "افافا ينوفا" الأسطورة جزءاً من التراث الأمازيغي، تناقلها سكان شمال أفريقيا منذ قرون طويلة، لها كلمات ذات قيمة إنسانية، ممزوجة بموسيقى عالمية جعلتها تعبر القارات، تجسد يوميات الشّتاء القارس بأعالي جبال القبائل الكبرى.
وتحكي الأسطورة عن ليلى الأمازيغية والوحش، والتي كان اسمها "أغريبا" الفتاة القبائلية الشجاعة رمز العفة والشرف، مع والدها الشيخ الكبير "اينوبا".
أغريبا التي كعادتها في أيام الشتاء، تقوم باكراً للعمل من أجل جلب الحطب وجني الثّمار، وحرث الأرض وعلف المواشي، لإعالة أبيها الشيخ المريض وأشقائها الصّغار، تعود بوقت متأخر إلى المنزل لإعداد الطعام لهم.
يأخذنا إيدير في نص الأغنية إلى حديث إنساني، يتصارع فيه الشّك مع الخوف، عندما تصل "سندريلا القبائل"، منهكةً مهمومةً من تعب اليوم، تدق الباب على والدها وإخوتها، لكن والدها الذي يعيش هاجس الخوف على صغاره من وحش الغابة، يتملكه الشك خوفاً من أن يكون الطارق هو الوحش نفسه متنكراً في شخصية ابنته، ويطلب منها تحريك أساورها ليتأكد من أنها ابنته وليست الوحش، وتخبره أنها تخاف لو يسمعها الوحش، يجيبها والدها أنه هو أيضا يخاف لو تكن الوحش، ويبقى الصّراع قائم بين الخوف من الوحش، وعاطفة الأبوة.
هذه كلمات الأغنية مترجمة للعربية:
يا أبي إينوفا
أرجوك يا أبي "إينوفا" .. إفتح لي الباب
آه يا إبنتي "غريبا" .. دعي أساورك ترجّ
أخشى من وحش الغابة يا أبي إينوفا
آهٍ يا إبنتي " غريبا " .. وأنا أيضاً أخشاه
الشيّخ متلفّع في بُرْنُسِهِ
منعزلاً .. يتدفّأ
وابنه المهموم بلقمة العيش
يعيد في ذاكرته صباحات الأمس
والعجوز ناسجة خلف مندالها
دون توقّف .. تحيك الخيطان
والأطفال حولها
يتلقنون ذكريات أيام زمان
أرجوك يا أبي "إينوفا" .. إفتح لي الباب
آه يا إبنتي "غريبا" .. دعي أساورك ترجّ
أخشى من وحش الغابة يا أبي إينوفا
آهٍ يا إبنتي " غريبا " .. وأنا أيضاً أخشاه
الثلج رابض خلف الباب
و " الإيحلولين " يسخن في القِدْرِ ( الإحلولين هو نوع من الطعام يطبخه الأمازيغ يتكون من مزيج من النباتات يطبخ في زيت الزيتون ويقدم ساخن )
والأعيان تحلم منذ الآن بالربيع المقبل
و القمر .. و النجوم .. مازالوا مختفون
و حَطَبة البلّوط تحلّ محلّ حصيرة الصفصاف
العائلة مجتمعة
تستمع بشغف لحكايا زمان
أرجوك يا أبي "إينوفا" .. إفتح لي الباب
آه يا إبنتي "غريبا" .. دعي أساورك ترجّ
أخشى من وحش الغابة يا أبي إينوفا
آهٍ يا إبنتي " غريبا " .. وأنا أيضاً أخشاه
حفل في الجزائر وألبوم جديد
وتأتي عودة "إدير" إلى الجزائر، بعد غياب طويل ليحيي حفلاً كبيراً مطلع العام 2018، كما سيحيي بعدها حفلات ببعض ولايات الجزائر، بالتزامن مع طرحه الألبوم الجديد "هنا وهناك" والذي يشاركه فيه الفنانان الفرنسيان شارل أزنافور وفرانسيس كابرال.
وسيكون الألبوم بالأمازيغية، معبراً عن تعلق "إدير" بانتمائه لوطنه الجزائر، منتقدا كلّ من وصفه بـ "العنصري" و"الكاره للغة العربية"، مؤكدا احترامه لكل لغات العالم وإيمانه بفكرة التعايش بين الأجناس واللغات.