أعلنت حكومة كاتالونيا، الإثنين 2 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أن 90% من الذين صوّتوا في استفتاء الأحد اختاروا الانفصال عن إسبانيا، في حين رفض رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، هذه النتيجة، معتبراً أن الاستفتاء لم يحصل.
ويطالب إقليم كاتالونيا بقوة منذ عام 2010، بالانفصال عن الحكومة المركزية، ويتمتع الإقليم الذي يبلغ عدد سكانه 7 ملايين و500 ألف نسمة، بأوسع تدابير للحكم الذاتي بين أقاليم إسبانيا، ويأتي ترتيبه السابع من بين 17 إقليماً تتمتع بحكم ذاتي في البلاد.
وتبلغ مساحة الإقليم 32.1 ألف كم مربع، ويضم 947 بلدية موزعة على 4 مقاطعات، هي: برشلونة وجرندة ولاردة وطرغونة.
وبعيداً عن الأسباب السياسية والاقتصادية التي دفعت سكان كاتالونيا لإعلان نواياهم الانفصالية، نتيجة اقتطاع الحكومة المركزية الإسبانية مبالغ تقدر بـ20 مليار يورو سنوياً من سكان القطاع، في حين لا مردود يذكر، فإن للقضية أبعاداً تاريخية ساهمت في تشكيل الهوية والثقافة الخاصة بكاتالونيا بعيداً عن إسبانيا.
إقليم كاتالونيا المظلل بالأحمر
كاتالونيا بين المسلمين والإفرنج
بدأت القصة عندما استطاع الموريون (السكان العرب والبربر المسلمون لسكان الجزيرة الإيبيرية أو الأندلس) تحت لواء الدولة الأموية، السيطرة على إقليم كاتالونيا في القرن الثامن الميلادي، لتبدأ بعد ذلك محاولات للسيطرة من جانب الإمبراطورية الكارولنجية (تحالف لقبائل جرمانية)، ثم لتتحول المقاطعات الكاتالونية إلى منطقة عازلة بين المسلمين والمسيحيين وسميت "الثغر الإسباني".
وفي عام 897م، خضعت المقاطعات الكاتالونية لسيطرة الكونت "ويلفرد المشعر" حكام برشلونة، وفي عام 988 م أعلنت المقاطعات الكاتالونية استقلالها عن الإمبراطورية الكارولنجية أو ما يعرفون بالفرنجة على يد بوريل الثاني.
تم توحيد المقاطعات الكاتالونية في عام 1136 بعد زواج الكونت رامون برينغوير ببنت الملك راميرو الثاني حاكم مملكة أراغون، لكن رغم ذلك احتفظ الإقليم بثقافته وقوانينه ونظام حكمه الخاص.
في ذلك الوقت، أصبحت برشلونة عاصمة المملكة الأراغونية، كما ازدهرت المدينة بشكل غير مسبوق لتصبح القوى الأبرز في حوض البحر المتوسط حتى القرن الـ 15.
استمر الوضع كذلك، حتى تم إدماج كاتالونيا كجزء من إسبانيا، نتيجة زواج فرديناند الثاني حاكم أرغون بالملكة إيزابيلا الأولى التي استطاعت توحيد إسبانيا والانتصار على المسلمين.
وعلى الرغم من قرار جعل مدريد عاصمة إسبانيا في عام 1562، فإن كاتالونيا تمتعت بحكم ذاتي وامتيازات حتى عام 1714، عندما دعمت المقاطعات الكاتالونية الأمير النمساوي هابسبرغ الذي ادعى الحق في حكم إسبانيا، لتتعرض كاتالونيا بعدها لقمع على يد فيليب الخامس ملك إسبانيا المنتصر (الفرنسي الأصل) خلال حروب الخلافة الإسبانية بين عامي 1701 و1714.
استمر ذلك الوضع خلال القرون التالية، حيث أهدرت حقوق الكاتالونيين ومنع تعليم لغتهم وأغلقت جامعاتهم، إلا أن ذلك بدأ في التغير مع انطلاق الثورة الصناعية.
عصر النهضة
ومع نهضة برشلونة في القرن الـ19، بدأت الهوية الكاتالونية في الازدهار، واستعادة أمجاد الماضي، واستمر الأمر كذلك حتى أوائل القرن العشرين، وبعد تنازل ألفونسو الثالث عشر، ملك إسبانيا، عن العرش، وتأسيس الجمهورية الإسبانية في عام 1931، تمتعت كاتالونيا بالحكم الذاتي إلا أن ذلك لم يستمر كثيراً.
ومع وصول الدكتاتور فرانكو إلى الحكم، ألغى الجنرال الإسباني الحكم الذاتي في عام 1939 وقام بقمع سكان كاتالونيا ومنعهم من تعليم لغتهم أو نشر ثقافتهم، لكن في عام 1979 عندما وُضع دستور ديمقراطي، تم ضمان حكم ذاتي لكاتالونيا.
وفي عام 2006، قامت الحكومة الكاتالونية بالموافقة على إعطاء صلاحيات حكم ذاتي أكثر، وفي 2010 حكمت المحكمة العليا بأن بعض صلاحيات 2006 غير قانونية، بما في ذلك تعريف الكاتالونين كـ"أمة".
اندلعت الاحتجاجات والأصوات المنادية بالاستقلال التام، حتى دعا كارلس بوتشدمون، الرئيس الحالي لإقليم كاتالونيا، لإجراء استفتاء على الانفصال عن إسبانيا، في 1 أكتوبر/تشرين الأول.
الخصوصية الثقافة
كنيسة ساغرادا فاميليا في بارشلونا
تقع كاتالونيا في شمال شرقي الجزيرة الأيبيرية، حيث تتمتع بلغة خاصة تميزها هي Vulgar Latin أو اللاتينية السوقية، بجانب ثقافة وتاريخ خاص منفصل عن بقية إسبانيا.
وتعتبر اللغة الكاتالونية أو السوقية اللاتينية أقرب للغات الفرنسية الحديثة والإيطالية أكثر منها إلى الإسبانية، ويعود أول نص مكتوب لها إلى القرن الـ11، كما يتكلم بهذه اللغة نحو 9.5 مليون نسمة موزعين على إقليم كاتالونيا وجزر بالاريك، وفالنسيا والمنطقة الفرنسية من روسيلون.
وبحسب ما كتبه أحد سكان كاتالونيا، سايمون هاريس، على Quora، فإن الكاتالونيين يُعرفون بجديتهم في العمل؛ لكونهم أمة اعتمدت على التجارة بشكلٍ أساسي طوال تاريخهم، كما كانت كاتالونيا واحدة من الأماكن القليلة التي خضعت لتأثير الثورة الصناعية.
كما يُعرف الكتالونيون بحرصهم على التنظيم، فتجد لكل مجال أو اهتمام مجموعة أو نادياً خاصاً به، بداية من فرق الكورة إلى مجموعات جمع عش الغراب، كما أن أول مجموعة مؤيدة للنوادي في إسبانيا كانت في كاتالونيا، كما يُعرف الإقليم بمعماره المتميز الخاص.
ويذكر أن البرلمان الكاتالوني قد أعلن أن رياضة مصارعة التيران غير قانونية في عام 2010، وهي إحدى أهم الرياضات الشعبية بإسبانيا.