سكنه “عَبَدَة الشيطان” وحمتْه “العفاريت” من النهب!! قصر “البارون” الذي لا تغيب عنه الشمس يعود للحياة

ورغم ترميمه جزئياً وضمّه رسمياً إلى قطاع السياحة وهيئة الآثار، ظل مهجوراً بسبب

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/29 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/29 الساعة 11:01 بتوقيت غرينتش

رغم أنه يقع داخل واحدة من أشهر مناطق العاصمة المصرية القاهرة، وتحديداً في حي "مصر الجديدة"، وقريباً من مقر الرئاسة وعلى الطريق إلى مطار القاهرة- إلا أن المار بشارع صلاح سالم يستغرب التراب ومظاهر الإهمال التي تطال هذا البناء القديم الأسطوري، الذي بُني في عام 1911، وظل مهملاً أغلب فترات التاريخ.

إنه "قصر البارون إدوارد إمبان"، المهندس البلجيكي الذي منحه ملك فرنسا لقب بارون؛ تقديراً لمجهوداته في إنشاء مترو باريس، وقادته قدماه إلى مصر قادماً من الهند، عقب افتتاح قناة السويس، لتشييد هذا القصر الرائع في منطقة صحراوية حينئذ، قبل أن تتحول إلى أغلى وأفخم منطقة بالقاهرة.

اكتمل بناء القصر عام 1911، وتوفي صاحبه في يوليو/تموز من عام 1929، وظل مهملاً من الورثة، حتى حصلت عليه الحكومة المصرية وقررت تسجيله رسمياً كأثر عام 1993.

ورغم ترميمه جزئياً وضمّه رسمياً إلى قطاع السياحة وهيئة الآثار، ظل مهجوراً بسبب تضارب نوايا الجهات الرسمية بين تحويله إلى متحف أو أحد قصور الرئاسة، ليتحول تارة إلى كافتيريا وفندق وتارة أخرى إلى مكان لإقامة أفراح كبار العائلات الثرية.

هذا الأسبوع، تقرر إسناد ترميم قصر البارون إلى الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المصرية، التي كلفت بدورها أكبر شركة مقاولات في مصر (المقاولون العرب)، البدء في الترميم خلال العام المقبل، بتكلفة تبلغ 113.738 مليون جنيه مصري وفرتها الحكومة، ليصبح القصر متحفاً ومزاراً سياحياً.

الإهمال والعفاريت حمته من النهب!


رغم الانتقادات المستمرة لإهمال الحكومات المصرية المتعاقبة للقصر، يرى الدكتور حجاجى إبراهيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، أن هذا الإهمال حمى القصر!

ويشرح إبراهيم لـ"عربي بوست" ذلك، قائلاً: "انتشرت قصص بين السكان المقيمين بالقرب من القصر، أنه مسكون بالجن والعفاريت، وساعد على هذا، انتشار القصص عن ممارسة شباب، قيل إنهم ينتمون إلى عبدة الشيطان، طقوسهم داخل القصر في أثناء إهماله؛ ما أبعد أيدي العابثين عنه، فظل على حاله ونجا من التخريب".

ويوضح أستاذ الآثار أن قصر البارون تم ترميمه عدة مرات، ولكنه شأن الكثير من الآثار في مصر لم يراعَ فيه 3 شروط رئيسة للترميم الصحيح؛ هي: علاج وصيانة الأثر من دون أن يفقد أثريته؛ لأن معظم ما تم ترميمه من آثار في مصر فقدَ أثريته.

وأكد أن الشرط الثاني للترميم الصحيح، عدم استخدام مادة ضارة بالأثر على المدى البعيد؛ لأن معظم آثار مصر، بحسب خبير الآثار، استخدمت فيها مواد ضارة على الأثر على المدى البعيد عند ترميمها، أما الشرط الثالث، فهو متابعة الأثر بعد ترميمه؛ لأن المرمم كالطبيب والأثر كالمريض، ويمكن للطبيب أن يعالج مريضاً، ولكن العلاج وحده لا يكفي؛ إذ لا بد من متابعة آثار العملية.

ويؤكد الخبير الأثري أن قصر البارون يحتاج فقط إلى "التنظيف وليس مشروع ترميم مكلفاً".

رد رسمي على المخاوف


ردّ المدير العام لمشروع القاهرة التاريخية، محمد عبد العزيز، على مخاوف أستاذ الآثار من تشويه القصر عند ترميمه، مؤكداً أن "الهدف من المشروع هو إعادة تأهيل قصر البارون، مع الحفاظ على طرازه المعماري الفريد وعناصره الأثرية، بالإضافة إلى رفع وعي الزائرين بالقصر وتاريخه وتاريخ نسيجه العمراني والبيئة المحيطة".

ويوضح عبد العزيز لـ"عربي بوست"، أن "مشروع ترميم وتأهيل القصر سيتم بما لا يتنافى مع طبيعته وشكله الأصلي، كما سيتم استكمال الحديقة الأصلية بناء على الأدلة التاريخية والأثرية، ومن ضمن ذلك التماثيل، مع التمييز بين ما هو أصلي وما هو مستنسخ".

موضحاً قيمة القصر التاريخية، كونه تحفة معمارية متفردة تضم عدداً من التماثيل الهندية والبوذية والزخارف الفريدة، وأنه شاهد على الثقافة التي سادت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والتي كانت مزيجاً من إحياء الطرز التاريخية، والولع بالشرق موطن الأديان والأساطير والغموض.

ويؤكد مسؤول الآثار أن هناك عدداً من المقترحات للاستفادة من القصر؛ منها أن يضم متحفاً ومعرضاً متغيراً للقطع الأثرية يتم تجديدها شهرياً، وإعادة توظيف سطح القصر الأسطوري، المزين برسوم نباتية وحيوانية لتنظيم الحفلات المختلفة مثلما كان كان يفعل البارون إمبان، خاصةً أنه يتمتع بإطلالة بانورامية بديعة.

ومن جهته، رفع المحامي سمير صبري دعوى أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير الآثار؛ لإلزامه بفسخ عقد إيجار حديقة قصر البارون إمبان لإنشاء كافتيريا، إذ تؤجر وزارة الآثار الحديقة الخاصة بقصر البارون في سبيل تغطية نفقاتها.

البارون و"عبدة الشيطان"


بسبب طول فترات إهماله وبقائه مغلقاً، ارتبط قصر البارون بالحكايات الخرافية والأساطير، ومنها أنه مسكون بالجن والشياطين، كونه شهد مصرع أخت البارون؛ بسبب سقوطها من إحدى الشرفات ودُفن البارون في كنيسة مجاورة، بينها وبين القصر نفق خاص.

وحين تمكنت مجموعة من الشباب صغير السن من الدخول إلى القصر خلسةً في الليل عام 1997، واستغلوه لتنظيم حفلات موسيقى "الهارد ميتال" الصاخبة والرقص عليها بطريقة هيستيرية، وأشاعت الصحف أنهم من "عبدة الشيطان" ومع القبض عليهم، زادت الشائعات المثارة حول القصر.

وكان لتصاعد أصوات الموسيقى المريبة والأجواء الصاخبة ليلاً؛ بل وقيام بعض الشباب بحفلات شواء أعلى القصر وتصاعد الأدخنة، أثر كبير في اقتران القصر بالحكايات الخرافية حول الجن والعفاريت التي سكنته.

عبد السميع، أحد حراس العقارات القريبة من القصر، لا يزال يؤمن بهذه الخرافات، ويقول لـ"عربي بوست": "الأشباح لا تظهر في القصر إلا ليلاً، وهي لا تسمح لأحد بأن يظل داخل القصر مهما كان الثمن".

ويصر على أنهم، "يسمعون أحياناً أصواتاً غريبة، وكانوا من قبلُ يشاهدون دخاناً أعلى برج القصر"، وهو ما يقول سكان آخرون إنه بفعل الحفلات الصاخبة السابقة التي كان يقيمها الشباب قبل منع الشرطة لها.

في حين يقول أحمد ماجد، موظف على المعاش وأحد سكان المنطقة، إن الحفلات الصاخبة التي سمحت بها وزارة الآثار في حديقة القصر؛ لجلب دخل مالي للوزارة، والتي تُنظم أسبوعياً ما بين حفلات أفراح ورقص وغناء وتستخدم مكبرات الأصوات – تزعج السكان.

الغرفة المحرمة


وحول قصص الأشباح، يقول ماجد لـ"عربي بوست" إنها قديمة وترجع إلى عام 1982؛ حين أشاع البعض أن دخاناً ينبعث من غرفة القصر الرئيسة وشباك البرج الرئيس، ونيراناً ما لبثت أن انطفأت وحدها.

وهناك سبب آخر للغموض الذي يحيط بالمنزل، هو أنه يوجد في القصر غرفة حرّم "البارون إمبان" دخولها حتى على ابنته وأخته البارونة "هيلانة"، وهي الغرفة الوردية في "بدروم" القصر. وهذه الغرفة تفتح أبوابها على مدخل السرداب الطويل الممتد إلى كنيسة البازيليك التي دُفن فيها البارون بعد موته.

لا تغيب عنه الشمس




صمم المعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل القصر، الذي تبلغ مساحته نحو 12.5 ألف متر، بطريقة تجعل الشمس لا تغيب عن حجراته وردهاته أبداً، وزخرفه جورج لويس كلود، واستخدم البارون إمبان في بنائه المرمر والرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي البلوري الذي يسمح لمن بداخله برؤية كل من في الخارج.

وكي يرى القصر الشمس بصورة مستمرة، تم تشييد برجه بحيث يدور على قاعدة متحركة تأخذ دورة كاملة كل ساعة، ما يتيح لمن يجلس به أن يشاهد ما حوله في جميع الاتجاهات، وكان الطابق الأخير من القصر هو المكان المفضل للبارون ليتناول الشاي به وقت الغروب.

ما إن تدخل القصر المكون من طابقين وملحق صغير بالقرب منه تعلوه قبة كبيرة، حتى تبهرك تماثيل مرمرية رائعة لراقصات من الهند وأفيال على جدران القصر، ونوافذ مرصعة بقطع صغيرة من الزجاج البلجيكي وفرسان يحملون السيوف وحيوانات أسطورية متكئة على جدرن القصر.

ويتكون الطابق الأرضي للقصر من صالات ضخمة تحتوي على عدد كبير من الأبواب والشرفات، وفي قاعة المائدة رسوم مأخوذة من أكبر الفنانين مثل مايكل أنجلو، وليوناردو دافنشي، وفي كل ركن من أركان الغرفة عمود يحمل تمثالاً من التماثيل الهندية الثمينة.

الطابق الأول به أماكن إقامة الخدم سابقاً، وأفران ضخمة ومغاسل رخامية، ويتصل بغرفة الطعام مصعد مصنوع من خشب الجوز، وتتزين كل الغرف ببلاطات مصنوعة من الفسيفساء ذات الألوان الزرقاء البرتقالية والحمراء، في تشكيلات ملونة ورائعة.

أما الطابق الثاني من القصر، فبه غرف واسعة تطل على الشوارع الأربعة التي يطل عليها القصر، وفي هذه الغرف شرفات بها مقاعد ملتوية لو جلست عليها، أحاطت بك التماثيل من كل جانب.

سطح القصر الأسطوري يمكن الصعود إليه من الطابق الثاني بواسطة سلم مصنوع من خشب الورد الفاخر، وهو أشبه بمتنزه وكان يُستخدم سابقاً في تنظيم الحفلات.

السينما تغازل القصر


بسبب أهمية القصر وسحره، وارتباطه بقصص العفاريت وعبدة الشيطان، سعى العديد من منتجي الأفلام المصرية والأجنبية للتصوير داخله مقابل مبالغ طائلة، كما يقول مسؤولو وزارة الآثار.

وكانت أكثر المشاهد التي طلبت الشركات الأجنبية تصويرها داخل القصر، هي مشاهد رعب لأفلام تشبه إلى حد كبير Countess Dracula و"مصاص الدماء"، الأمر الذي يشير إلى أن قصة "قصر الرعب" لم تقتصر على المصريين فقط؛ بل امتدت إلى العالم أجمع.



فيما كانت أشهر الأفلام المصرية التي صُوّرت داخله هي: فيلم "الهارب" للفنانة شادية وحسين فهمي وكمال الشناوي في عام 1974، وفيلم "آسف على الإزعاج" حين ظهر بطلا الفيلم أحمد حلمي ومنة شلبي داخل القصر.



كما صور الفنان محمد سعد بعض مشاهد فيلمه "حياتي مبهدلة" داخل القصر، وصورت دنيا سمير غانم ومحمد حماقي داخله مشاهد أغنية من "مسلسل لهفة" في الاحتفال بمئوية مصر الجديدة، كما صور المطرب محمد الحلو أغنية بطريقة الفيديو كليب قرب القصر.



وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حاول فريق عمل سينمائي صنع فيلم وثائقي عن قصر البارون، بعنوان "منطقة محظورة"، ولكن بعد عدة محاولات فشلوا في استخراج التصاريح اللازمة للتصوير داخله، فقرروا اقتحام القصر والتصوير داخله من دون تصاريح؛ ما وضعهم في مشاكل جمة.

تحميل المزيد