الكرد ينفتحون على العالم ويدخلون اللغات العالمية إلى ثقافتهم.. هذه أوائل الكتب المترجمة

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/06 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/06 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش

يجلس عبدو شيخو في مكتبة "هنار" في مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا محاطاً برفوف خشبية عليها عشرات النسخ من رواية "ثلج"، أولى الروايات الأجنبية المترجمة إلى اللغة الكردية في سوريا بشكل علني.

بعد معاناة طويلة وصل خلالها الأمر إلى سجنه في سوريا نتيجة حيازته كتاباً باللغة الكردية، يعمل شيخو (29 عاماً) اليوم في مشروع "هنار"، أي رمان باللغة العربية، الهادف إلى ترجمة الروايات والمؤلفات العالمية إلى اللغة الكردية.

ويقول شيخو "هدف مشروعنا اليوم تحرير اللغة والثقافة والفولكلور الكردي وحمايتها من الاندثار عبر ترجمة الكتب العالمية إلى اللغة الكردية".

ويضيف "سنضع ثقلنا في ترجمة لا الأدب فحسب وإنما أيضاً الفلسفة والفكر (…) حتى يتمكن الأكراد من قراءة الأدب العالمي بلغتهم الأم".

وأطلق مشروع "هنار" قبل شهرين بمبادرة شخصية وتمويل فردي من بعض المتطوعين والكتاب الأكراد ووافقت عليه الإدارة الذاتية الكردية، وعلى أساسه تم إنشاء المكتبة التي حملت اسم المشروع نفسه.

وترجم العاملون في المشروع حتى الآن 4 كتب من اللغات الفرنسية والإنكليزية والعربية، صدر منها كتاب "ثلج" للفرنسي ماكسانس فيرمين، على أن تصدر الكتب الثلاثة الأخرى تباعاً وهي "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبد الرحمن الكواكبي ومسرحية "جلجامش" لفراس السواح و"My Name is Aram" للكاتب الأميركي وليام سارويان.

وحاول العاملون في المشروع وفق شيخو، التواصل مع كاتب رواية "ثلج" للحصول على حق الترجمة "لكننا لم نفلح" حتى الآن.

قبل اندلاع النزاع في العام 2011، عانى الأكراد الذين يشكلون أكثر من 10% من سكان سوريا، من التهميش على مدى عقود، حتى أن عدداً كبيراً منهم كان محروماً من الجنسية السورية.

على مدى عقود، لم تكن اللغة الكردية لغة رسمية، ولم تكن تدرس في المدارس، وكان ممنوعاً نشر أي كتاب بالكردية. وبالتالي، لم يكن هناك وجود لدور نشر ومراكز ثقافية ومدارس كردية.

الأغاني والفلكلور


ويروي شيخو "دخلت السجن لثلاثة أشهر في دمشق العام 2009، وكادوا أن يقوموا بفصلي من الجامعة لأنهم وجدوا معي كتباً باللغة الكردية".

ويضيف "لغتنا وثقافتنا كانت ممنوعة علينا من حزب البعث المتسلط.. كانوا يريدون صهر الأكراد وثقافتهم".

وتصاعد نفوذ الأكراد منذ العام 2012 بعد انسحاب قوات النظام تدريجياً من مناطقهم. وقد أعلنوا إدارة ذاتية مؤقتة في ثلاث مناطق في شمال البلاد هي الجزيرة (محافظة الحسكة)، وعفرين وكوباني (في محافظة حلب).

واتخذت هذه الإدارة سلسلة إجراءات أبرزها إدخال اللغة الكردية الى المناهج الدراسية، وإعادة الأسماء الكردية الأصلية إلى القرى والبلدات.

ونتيجة التهميش على مدى العقود الماضية، لم تعد هناك إلا قلة قليلة من الكتاب باللغة الكردية. لذلك اتخذ قرار الترجمة من لغات أخرى.

ويشرح الكاتب حسين زيدو (45 عاماً) لوكالة الأنباء الفرنسية "لم يتسن للأكراد عبر تاريخهم الطويل في الشرق الأوسط نيل حقوقهم الثقافية والاجتماعية والسياسية"، ما أسفر على سبيل المثال عن "وجود قلة قليلة تكتب باللغة الكردية في مجال الأدب".

ويعمل مالفا علي (37 عاماً)، وهو أحد مؤسسي مشروع "هنار"، في الجزء الخاص بحماية الفولكلور الكردي. ويخصص وقته في توثيق وجمع القصص المحكية والأغاني الكردية القديمة التي يتداولها السكان، في كتب وأقراص مدمجة.

وتتطلب هذه المهمة جهوداً وأبحاثاً مضنية وفق علي الذي يوضح "سنقوم بداية بجمع كل القصص التي رويت في المنطقة وبعدها الأغاني الفولكلورية".

ويهدف المشروع على حد قوله أيضاً إلى إغناء القاموس الكردي عبر إضافة كلمات ومصطلحات لم يستخدمها الأكراد إلا شفهياً.

ليلى والذئب


ومنذ إنشاء الإدارة الذاتية، بدأت المؤسسات الثقافية الكردية بالظهور تدريجياً. وانتشرت المجلات الأدبية والثقافية والتاريخية وغيرها باللغة الكردية، وبينها مجلة "سورمَي" التي تعني "النبيذ الأحمر" بالعربية.

وانطلقت هذه المجلة الثقافية في العام 2008 باللغة العربية إلا أنها أجبرت على التوقف نتيجة ضغوط السلطات السورية، لتستأنف الصدور مجدداً في العام 2015.

وباتت تصدر حالياً كل شهرين من مدينة القامشلي وتوزّع باللغتين العربية والكردية في مدن الإدارة الذاتية وبينها كوباني ومنبج. وتعنى المجلة بنشر أبحاث ودراسات لكتاب أكراد.

ويشرح عضو هيئة التحرير في المجلة عباس موسى (31 عاماً) "نسعى لتقديم شيء مختلف ومتنوع للوسط الثقافي في ما يتعلق بالفكر والثقافة الكرديين اللذين لم يأخذا نصيبهما في السابق".

ويوضح أن الهدف من طرح المواضيع الدقيقة باللغة الكردية إظهار أن هذه اللغة "ليست ضعيفة".

ويسلط العدد الأخير من المجلة الضوء على قضية "اللغة والهوية".

ويقول موسى "اللغة هي أول ما يجدر بنا حمايته، فاللغة الكردية لم تأخذ فرصتها برغم أنها تمثل هوية شعب كما هي حال العربية والسريانية أيضاً".

وبالإضافة إلى عملها كمحررة في مجلة "سورمي"، تعمل بهار مراد (39 عاماً) على ترجمة قصص الأطفال من اللغة الإنكليزية إلى اللغة الكردية.

في مكتبها في مقر المجلة، تشير بهار بيدها إلى قصة "فلة والأقزام السبعة" أو Snow white التي ترجمتها من اللغة الإنكليزية إلى الكردية. وتقول أن هدفها رؤية "الأطفال يقرأون قصصهم بلغتهم الأم".

وتضيف وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة "طلب مني بعض الأطفال أن أترجم لهم قصة ليلى والذئب".

تحميل المزيد