أميركا بين الثعلب والذئب

قد يثبت التاريخ يوماً ما ليس ببعيد، أنَّ ترامب "الذئب" كان أفضل للعرب من هيلاري "الثعلب" بكثير، لو تعلموا فنَّ السياسة وإدارة المصالح، كما كان أجدادهم يتقنونه منذ مئات السنين.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/16 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/16 الساعة 03:08 بتوقيت غرينتش

طلب مني البعض التعليق على الانتخابات الأميركية، ورأيي في فوز ترامب الرئيس المُنتَخب، وفي الحقيقة لم أكن أرغب في ذلك لسبب واحد، أنني لم يكن لديَّ شغف متابعة تلك الانتخابات سوى للحصول على متعة المشاهدة وأمور أخرى استهوتني بعيدة عن السياسة، إضافة إلى يقيني التام بأنَّ مَن يصل إلى البيت الأبيض سيكون رهين قيوده الخفية التي لا نراها، ومنصب رئاسة الولايات المتحدة هو منصب عبودية محكوم بمؤسسات الدولة، فلو جاء مَن جاء إليه.. لن يُحدث أي فرق على الإطلاق، والتاريخ -الأستاذ العظيم- خير شاهد على ذلك.


لكن أحببت أن ألفت الأنظار لحقائق قد تكون غابت عن البعض، وسأجعلها في نقاط متتالية:

1- منذ أول مناظرة بين هيلاري وترامب، قمت ببعض التغريدات على فيسبوك وتويتر، وكان واضحاً ميلي إلى ترامب، لماذا؟
2- كانت المناظرة الأولى حول الاقتصاد تدور فعلياً بين رائد أعمال وموظفة، الأمر الذي جعلني أتذكر كتاب "الأب الغني الأب الفقير – Rich Dad Poor Dad" الذي يحاول مؤلفه تعليم الناس الحرية المالية من خلال ترك عبودية الوظيفة والانتقال إلى حرية الاستثمار، وهذا تفوق كبير لترامب على هيلاري في قدراته القيادية لا يمكن تجاهله.
3- خلال المناظرة لم يقرأ ترامب كلمة واحدة من أي ورقة، في الوقت الذي كانت تقرأ فيه هيلاري من الورق الذي أمامها بمعدل 50% وهذا ضعف كبير في قدراتها القيادية.

4- هيلاري عجوز مهترئة وليست أهلاً للقيادة، وصدق ترامب حين قال عنها إنه ليس لديها ما يكفي من الجَلَد "Stamina" لقيادة أميركا والعالم، وما حدث لحظة خسارتها أثبت صحة ذلك، فهي لم تقوَ حتى على توجيه كلمة لمناصريها، وخرج مدير حملتها ليخاطبهم بدلاً عنها.

5- لم أفهم لماذا يخشى العرب من ترامب ويتأملون الخير في هيلاري؟ وأنا لا أقصد عوام الناس، بل إن المفكرين والمحللين الذين -من المفترض- أنَّ لهم باعاً في السياسة، ولا تخفى عليهم ثقافة الحكم في أميركا.

6- لا أعتقد أنَّ مفكري العرب ومحلليهم لم ينتبهوا إلى أن فترة حكم أوباما كانت الأسوأ على العالم العربي على الإطلاق، وهيلاري لن تحيد عن ذلك النهج.

7- مشكلة العرب أنهم ما زالوا يحلمون بأنَّ الغرب سيحل معضلاتهم الداخلية والإقليمية التي ورَّطوا أنفسهم فيها، وكأنهم يطلبون حلاً من الشيطان.. والشيطان لا يقدم حلاً أبداً، والسياسة الأميركية الدولية لم ولن تأتي بتلك الحلول التي تتعارض مع مصالحها الإمبراطورية.

8- في اعتقادي أنَّ المثالية تقود الناس إلى الفشل والواقعية تقودهم إلى النجاح، والعرب يعشقون المثالية ويكرهون الواقعية، وهيلاري كانت الخيار المثالي لهم وترامب كان الخيار الواقعي.

9- في هذا العالم لا يمكنك أن تنجح وأنت مثالي، ومَن يُضطر إلى ذلك سيحتاج إلى أن يتحول إلى ثعلب، وهذا كان خيار هيلاري، بينما يمكنك تحصيل النجاح وأنت واقعي، لكنك ستضطر وقتها أن تتحوَّل إلى ذئب من شدة صراحتك، وهذا كان خيار ترامب.

10- خيارات العرب بين هيلاري "الثعلب" وترامب "الذئب" هي كخيارات الموت حرقاً أو شنقاً، خياران أحلاهما مُر ونهايته خراب وشر.

11- عندما تابعت ردود فعل الشارع العربي، وجدت أهمها يتمحور حول مخاوفهم من ترامب الذي سيعمل على إفلاسهم ونهب أموالهم؛ لأنه صرَّح خلال حملته الانتخابية بأنه سيجعل دول الخليج تدفع فاتورة الحرب، وفي اعتقادي أنَّ هذا ليس سبباً وجيهاً لكره ترامب أو الخوف منه، لماذا؟

12- العرب هم دائماً مَن يدفع الفواتير، وأميركا لا تدفع شيئاً على الإطلاق إلاَّ إذا كان هناك عائد ربحي، وأتساءل إن كانوا سمعوا الديمقراطي جون كيري، خلال إحدى جلسات مجلس الشيوخ الأميركي عندما صرَّح بأنَّ العرب سيدفعون فاتورة الحرب في سوريا

13- إضافة إلى أنه عندما تم إقرار قانون جاستا الذي سيعمل على إفلاس العرب ونهب أموالهم، لم يكن ذلك خلال فترة حكم ترامب الجمهوري، حتى لو ظهر أمامنا أنَّ أوباما الديمقراطي كان ضد القانون، ففي النهاية هي لعبة بين الثعلب والذئب، والعرب هم الضحية.

14- تعامل العرب مع هيلاري "الثعلب" ذات اللسان المعسول سيزيد من نومهم، بينما التعامل مع ترامب "الذئب" ذي اللسان السليط سيضطرهم إلى الاستيقاظ.

15- العرب في القرن الواحد والعشرين لم يدركوا بعد قوانين اللعبة الانتخابية الأميركية، ربما بسبب الديكتاتورية التي استشرت في خلايا عقولهم، فقد كانوا يثورون لأي كلمة يتفوَّه بها ترامب، ولم ينتبهوا أنه كان يغير كلامه حسب المكان والزمان اللذين كانا يحشد فيهما الأصوات.

16- عندما انتهت الانتخابات بفوز ترامب، انهالت شتائم العرب على الشعب الأميركي؛ لأنه اختاره، وكأن الشعب الأميركي يكترث لأي قضية خارج حدوده، والجهل في فهم ثقافته وحجم التحديات التي تعصف به خلقت هذا الانطباع الخاطئ عن احتياجات المواطن الأميركي الحقيقية الذي يبحث عن التغيير الذي وعد به أوباما ولم يأتِ.

17- ما لا يعلمه العرب أنَّ الديمقراطية السياسية في العالم الغربي عموماً، وأميركا خصوصاً، مقيَّدة بالسلال، فالمواطن الأميركي لا يختار مَن ينتخبه، إنما يصوِّت للمَجمَع الانتخابي الذي يختار مُرشَّحي الرئاسة نيابة عنه، يمكن مشاهدة هذه المادة التي تشرح بطريقة سهلة عملية الانتخاب في أميركا https://youtu.be/AcVJbXfEjhY.
18- عندما تفهم طريقة الانتخاب في أميركا، ستقدِّر وقتها طريقة الانتخاب القديمة عند العرب في اختيار ولاة أمورهم "أهل الحل والعقد".

19- في تقديري لو فازت هيلاري لن يتغير شيء في السياسة الأميركية بل قد تسوء، بينما بفوز ترامب هناك احتمالان: إما أن تزدهر أميركا، أو تنهار.

20- ختاماً.. قد يثبت التاريخ يوماً ما ليس ببعيد، أنَّ ترامب "الذئب" كان أفضل للعرب من هيلاري "الثعلب" بكثير، لو تعلموا فنَّ السياسة وإدارة المصالح، كما كان أجدادهم يتقنونه منذ مئات السنين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد