كجميع البشر، يتعرض رؤساء أقوى دول العالم للأمراض والمشاكل الصحية أيضاً، إلا أن الفرق بين المواطنين العاديين وبين هؤلاء الرؤساء، هو تسترهم على هذه الأمراض التي تتفاوت خطورتها من مشاكل صحية بسيطة، إلى تهديدٍ حقيقي لصحتهم.
ويرجع هذا التستر لعدة أسباب أهمها الحرص على عدم خلق اضطراب عام، أو للحفاظ على شعور المواطنين بالأمان والاستقرار، بالإضافة إلى خوف السياسيين من تأثير مشاكلهم الصحية على عملهم ومسيرتهم إذا تم استغلال نقطة الضعف هذه من طرف منافسيهم السياسيين.
ولذلك فقد جرت العادة على عدم إطلاع الصحافة وعامة المواطنين على المشاكل الصحية لهؤلاء الرؤساء إلا بعد رحيلهم عن السياسة أو عن الحياة تماماً.
ولهذا قدمنا لكم هذا التقرير، الذي سنتطرق فيه بشكلٍ موجز لبعض الرؤساء الذين عانوا خلال حياتهم من أمراض جسدية ونفسية متفاوتة الخطورة.
أطول الرؤساء حكماً أصيب بشلل الأطفال
نبدأ تقريرنا بالرئيس الأميركي الوحيد الذي تولَّى الرئاسة لأربع دوراتٍ متتالية، نتحدث هنا عن فرانكلين د. روزفلت الذي تم تشخيص إصابته بشلل الأطفال سنة 1921، أي عندما كان في التاسعة والثلاثين من عمره، وذلك بعد سقوطه في مياه مجمدة في خليج فندي على الساحل الأطلسي لأميركا الشمالية، وهو المرض الذي تسبب في عجزٍ في كلتا قدميه وصعوبة تحريك أذرعه واضطراب في جهازه العصبي.
فيما لم يتمكن روزفلت من التعافي سوى بعد سنة من إصابته وذلك في ربيع سنة 1922، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تعاني من معدلات مرتفعة جداً من الإصابات بشلل الأطفال قبل الستينيات، حيث تأخر اكتشاف علاج هذا المرض إلى سنة 1953 بينما تم توفيره للعامة سنة 1957.
لا تستغرب إصابة شخص بالغ بمرض شلل الأطفال فقد يصيب البالغين أيضاً بنسب قليلة، أما عن سر تسمية المرض بـ"شلل الأطفال" لأنه يصيب الأطفال الذين يبلغون أقل من 5 سنوات بشكل خاص أكثر من أي فئة عمرية أخرى.
عادت المشاكل الصحية لتطارد الرئيس فرانكلين روزفلت في سنة 1944 من جديد عندما بدأ يعاني من فقدان شهية ونقص حاد في الوزن، ليتبعه صداع حاد في بداية سنة 1945 تم تشخيصه على أنه نزيف دماغي، وقد فارق الرئيس الأميركي الحياة على إثره بعد فترة قصيرة، وذلك في بداية دورته الرئاسية الرابعة وتحديداً في الثاني عشر من أبريل/نيسان سنة 1945.
جون كينيدي والمرض النادر
لطالما شكَّل الرئيس جون ف. كينيدي رمزاً للشباب والحيوية والأمل خلال توليه الرئاسة، إلا أن ما كان خفيّاً عن علم الجميع هو إصابة كينيدي بمرض نادر يسمى مرض أديسون أو مرض القصور الكظري، وهو مرض تم تشخيص إصابته به سنة 1947، إلا أنه أخفاه، كمعظم السياسيين، خوفاً من تأثير هذا الخبر على مسيرته السياسية.
وتتراوح خطورة هذا المرض بين كونه أولياً، وفي هذه الحالة يعاني المصاب من اضطراب في الأنزيمات، وبالخصوص كل من الكورتيزول (Cortisol)، وهو الهرمون المسؤول عن تخفيف الإجهاد والمحافظة على توازن ضغط الدم، وكذلك هرمون الألدوستيرون (Aldosterone) الذي يحافظ على توازن الأملاح والسوائل، بالإضافة إلى خلل في الهرمونات الجنسية التي يتم إفرازها بكمياتٍ ضئيلة.
كما قد يكون المرض ثانوياً وفي هذه الحالة يحصل نقص في هرمونات الدماغ، وقد عانى كيندي في صمتٍ لسنين طويلة من هذا المرض وما يصاحبه من أعراض أهمها آلام الظهر الحادة والتوتر الشديد، مما جعله يغرق شيئاً فشيئاً في إدمان الحبوب المهدئة ومسكنات الألم.
إلا أن ما قتل كينيدي لم يكن المرض ولا حتى التناول المفرط للأدوية، بل جرى اغتياله على يد شخص يدعى "لي هارفي آزوولد" وذلك في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1963.
مشاكل صحية جمَّة أصيب بها غروفر كليفليند
عانى غروفر كليفلند -الرئيس الوحيد الذي استطاع تولي الرئاسة لفترتين غير متتابعتين- من مشاكل صحيَّة كثيرة، فقد عانى طيلة حياته من السِّمنة، وعندما بلغ الثامنة عشر، كادَ أن يُفارق حياته بسبب حُمَّى قوية أصابته لعدة أسابيع.
وبعدها أصيب بالتهاب المفاصل ومشاكل في الكلى، إلا أن أخطر ما أصاب كليفلند كان سرطان الفم الذي تم تشخيصه بعد أن لاحظ ورماً داخل فمه.
وذلك في بداية الدورة الرئاسية الثانية التي تولاها، حيث تم على إثر هذا التشخيص إجراء عملية بشكل سري لإزالة الورم، وكالمثال السابق، فقد تم إخفاء الخبر عن العامة، ولم يتم نشر معلومات حول هذه الواقعة إلا بعد 25 سنة من حدوثها.
فيما توفي الرئيس جروفر على إثر نوبة قلبية في يونيو/حزيران سنة 1908.
الرئيس السابع لأميركا.. حكم برصاصة بجوار قلبه!
عندما تولى الرئيس السابع للولايات المتحدة الأميركية الرئاسة سنة 1829، لم يكن في صحة نفسية أو جسدية سليمة تماماً، فأندرو جاكسون كان قد فقد زوجته التي توفت إثر نوبة قلبية قبل فترةٍ قصيرة من توليه الرئاسة، وقد أثرت هذه الحادثة عليه بشكلٍ حاد بحيث فقد الكثير من وزنه علماً أنه كان نحيفاً في الأصل.
وبعد تجاوزه هذه المحنة بدأت مشاكل صحية أخرى بالظهور أثناء توليه الرئاسة، نذكر منها صعوبة في التنفس، والصداع الحاد، وقصر البصر والتهاب في الكلى.
كانت معاناة أندرو جاكسون الصحية قد بدأت سنة 1806 عندما تلقى رصاصة استقرت بالقرب من قلبه، إلا أنه لم يشف بشكلٍ كامل من الجرح الذي سببته هذه الحادثة وظل يعاني من آلام حادة في صدره طيلة السنوات التي تلت إصابته، إلى أن توفي سنة 1845 على إثر سكتة قلبية.
حتى أكثر الرجال نفوذاً يصابون بالاكتئاب!
نعم، هذا صحيح، فحتى أقوى الرجال وأكثرهم سلطة ونفوذاً معرضون للانهيار النفسي والإصابة بالاكتئاب لأسباب متعددة، فحسب دراسة أجراها 3 باحثين، هم جوناثان دافيدسون وكاثرين م. كونور ومارفين سوارتز، على السيرة الذاتية لحياة أول 37 رئيس لأميركا من سنة 1776 إلى سنة 1974.
توصل هؤلاء الباحثون إلى كون نصف هؤلاء الرؤساء قد عانوا في فترة من حياتهم من أمراض نفسية أهمها الاكتئاب، ومن بين هؤلاء الرؤساء: "جون أدامز، توماس جيفرسون، جيمس ماديسون، فرانكلين بيرس، أبرهام لينكولين، وكالفين كوليدج".