المصريّون القدماء نجحوا في إعادة تدوير الأشياء. لا لم تكن لديهم وسائل معقدة كالتي نمتلكها اليوم، بل اعتاد الكهنة القدامى استخدام بقايا أوراق البردي التي يحصلون عليها من المخطوطات المحليّة، في صناعة الجصّ الذي يستخدمونه في تكفين المومياءات، تماماً كما نستخدم الصحف القديمة لصناعة أقنعة ورقية.
اجتهد الباحثون لسنواتٍ للحصول على تلك الكتابات القديمة، التي يمكن أن تحتوي على معلومات لم تكن معروفة سابقاً عن الحضارات القديمة، ولكن ثمّة مشكلة واحدة، وهي كيفية الدخول إلى التابوت دون تدمير محتوياته.
أمّا اليوم، فقد تغيَّر كلُّ شيء، ويعود الفضل في ذلك إلى تقنيات الأشعة السينية المتقدمة وتقنيات التصوير التي تسمح لعلماء الآثار بقراءة هذه الوثائق المفقودة منذ زمنٍ بعيد.
الباحث مايك توث هو المسؤول عن المهمة، وخبير التصوّر الذي يعمل في مختبر بيركلي لمصدر الضوء المتقدم، والذي شكَّل فريقاً من علماء الآثار، من كلٍّ من بيركلي وجامعة ديوك وجامعة كوليدج في لندن وجامعة ستانفورد، للكشف عمّا اعتاد المصريّون القدماء كتابته في حياتهم اليوميّة.
الغريب أنّ تلك الكتابات ليست سوى أحاديث الناس اليومية. عادة كانت تُكتب النصوص القديمة التي وجدها ودرسها الباحثون، بواسطة الكتّاب المؤثرين، وكانت تُكتب في المخطوطات أو تُنحت على الجدران بحيث يتمكن الجميع من قراءتها.
من المؤكد أنّ دراسة هذه الكتابات مفيدة دائماً، فمن سيفوّت فرصة الرجوع بالزمن لدراسة أعمال هوميروس المفقودة؟ إنّ قراءة ما كتبه الأشخاص العاديّون، تمنح الباحثين نظرةً فريدة عن طريقة حياة المواطنين العاديين في ذلك الزمن.
قال عضو فريق جوشو سوسين من جامعة دويك لجريجوري باربر: "تحمل تلك الكتابات حيوات وتحدّيات الأشخاص العادييّن، لدينا رسائل كراهية، ومذكرات غريبة لأشخاص مصابين بوسواس التشتت، وعقود وفواتير للبيع".
للحصول على هذه الأعمال، ابتكر الفريق نظاماً معقداً من الأشعة السينية باستخدام مُسرّع الجسيمات في مختبر بيركلي، الذي يستطيع جعل الإلكترونات تسافر بسرعةٍ قريبة من سرعة الضوء. تستطيع هذه الأشعة أن تجتاز التوابيت مع موجاتٍ ضوئية متزايدة في الطول، تتفاعل مع الحديد والعناصر الأخرى المستخدمة في الحبر، ثمّ تنتج صورةً مفصّلة للغاية لطبقات ورق البردي.
ويكمن السبب وراء الحاجة لاستخدام آلة بهذه القوّة لإجراء تلك الدراسات، أنّه على الرغم من القدرة الفائقة للأشعة السينية على إيجاد التجاويف في أسناننا عند طبيب الأسنان، إلا أنّهم يكافحون لإنتاج صورٍ مفصلة لطبقات أوراق البردي، التي ضُغطت بقوَّة بطبقاتٍ من الطلاء منذ 2500 عام.
يقول باربر: "الإشعاع متعدد الأطياف هو أساسٌ جيّد لمومياءات الكارتوناج، ولكن تتعقّد الأمور بسرعة. فطبقات أوراق البردي عشوائية ومندمجة ومتداخلة مع الجصّ فيما يسميه توث (ورق البردي المعجّن)".
قام الفيزيائي أوي برغمان بمساعدة الفريق في استخدام الأشعة السينية، لإنتاج إشاراتٍ من المواد المختلفة داخل أوراق البردي. في الأساس، طوّر برغمان طريقةً لجعل بعض المواد (مثل الحديد المُستخدم في الحبر) تنتج إشارةً يتمكن الفريق من تحليلها بصورةٍ أوضح.
يعمل الفريق حالياً على تطوير النظام ومعالجة الخلل فيه، في محاولةٍ للعثور على إعداداتٍ دقيقة قادرة على إنتاج صورةٍ بأعلى جودة. يشمل هذا ضبط التباين والإشعاع الضوئي واستخدام تقنيات مختلفة حسب الحاجة.
لا توجد كلمات تعبّر عن تلك اللحظة التي سيتمكن فيها الفريق من تطوير نظام تصوير دقيق جداً، ولكن قد يكون ذلك وسيلةً سهلةً للباحثين للمساعدة في الحدّ من تدمير القطع الأثرية التاريخية سعياً وراء المعرفة.
أو على أقل تقدير، سيكون بإمكانهم تحديد التوابيت والقطع الأثرية التي تحتوي على نصوص، والتي ينبغي فتحها دون عملية التخمين الفوضوية.
هذا الموضوع مترجم عن موقع Sciencealert للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.