الكثير من الكوارث مرت علينا وأودت بحياة مئات الآلاف وربما الملايين، بعض تلك الكوارث نشأ نتيجة عوامل طبيعية كالأعاصير والعواصف والبراكين وتغير المناخ، وبعضها الآخر وقع بيدنا نحن، حيث دمر جزء من البشر حياتهم وحياة آلاف غيرهم.
المجاعات تعد واحدة من أسوأ تلك الكوارث التي قد تحل بنا نحن البشر، حينما لا يجد ملايين الأشخاص قطعة خبز أو ثمرة لتناولها لأسابيع وشهور وربما سنين، فهو أمرٌ كارثي بحق، وقد مرت تلك الكارثة على دول العالم مراتٍ عدة على مدار التاريخ.
وفيما يلي سنستعرض أسوأ المجاعات التي وقعت في العالم على مدار التاريخ:
1- المجاعة الصينية العظيمة 1958- 1961
تسببت سياسات الحكومة الصينيَّة عام 1958 في تلك المجاعة، حيث قام القادة الشيوعيون بفرض تغييراتٍ جوهريَّة على سكَّان الصين، تم بسببها تحريم تملُّك الأراضي الزراعية الخاصة، كما نفذّت الحكومة أساليب جديدة في الزراعة لزيادة إنتاجيَّة المحاصيل، ولكنَّها باءت بالفشل.
بالإضافة إلى هذا فإن عمل الحزب الشيوعي بقيادة الزعيم ماوتسي تونغ على إرسال الملايين من المزارعين للعمل داخل مصانع لإنتاج الحديد والصُّلب، زاد من ضخامة المشكلة، وتكاتفت تلك السياسات الفاشلة، مع فيضانات عام 1959، والجفاف الذي ضرب البلاد عام 1960، فنتج عنه ما يقرب من 43 مليون قتيل خلال تلك الفترة.
حينها قرَّر "ليو شاو تشي"، نائب رئيس الحزب الصيني، التصدِّي للزعيم ماو، وذلك بعد إصابته بالصدمة في أعقاب زيارته لقريته أثناء المجاعة، مما أجبر ماو على التراجع عن سياساته، وقد انتهت المجاعة عام 1962.
وبعد هذا بأربع سنوات انطلقت الثورة الثقافية، وأصبح ليو من المُطاردين حتى موته عام 1969.
2- مجاعة الصين 1907
أصابت تلك المجاعة شرق ووسط الصين عام 1907، وكانت قصيرة نسبياً، وقد تسببت عاصفة ضخمة في تلك المجاعة.
وقد أدَّت تلك العاصفة إلى إغراق 40 ألف ميل مربع من الأراضي الزراعية الخصبة، مما جعلها لا تصلح للزراعة لسنوات، كما أدت العاصفة إلى تدمير كل المحاصيل الزراعية في المنطقة بما في ذلك البذور.
وبالتزامن مع المجاعة، قامت أحداث شغب يومياً بسبب الجوع، وكان التصدي لها باستخدام القوة المميت، و تشير التقديرات إلى موت حوالي 25 مليون شخص خلال تلك المجاعة.
فيما كان الصليب الأحمر الأميركي واحداً من أبرز المنظَّمات التي ساعدت في القضاء على المجاعة، حيث جمعت الأموال والتبرُّعات من الغرب، ووزعَّت المواد الغذائية، والإمدادات الأخرى في جميع أنحاء الصين.
أيضًا ساعدت الصحف الأميركية في إنهاء تلك المجاعة بنشرها مقالاتٍ حولها، وتصوير الأوضاع في مخيَّمات اللاجئين، ومدى ازدحام الأكواخ، وبدأت حملة تبرعات واسعة أسفرت عن شحن آلاف الأطنان من المواد الغذائية من الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين كجزءٍ من جهود الإغاثة.
وقد استمرت آثار تلك المجاعة لسنوات، وأدت في النهاية للإطاحة بأسرة تشينغ الإمبراطورية الحاكمة عام 1912.
3- مجاعة تشاليسا 1783
حدثت تلك المجاعة نتيجة تغيُّر المناخ إلى مناخ النينو ( ظاهرة مناخية يؤثر تغير حرارة أحد المحطيات على الجو في بلد غير مجاور له) عام 1783، مما كان له تأثير كبير على مناخ شمال الهند فأصابه بالجفاف على نحوٍ غير عادي.
إذ ساهم ثوران بركان من 130 حفرة بركانية مليئة بالمياه الجوفية في أيسلندا في الثامن من يونيو/حزيران 1783، والذي استمر في ثورانه لمدة ثمانية أشهر في إبعاث الغازات البركانية المحملة بغاز ثاني أكسيد الكبريت، والذي بدوره أشبع الغلاف الجوي ليصيب المناخ بالجفاف.
حيث قلَّت الأمطار، وأدى هذا إلى موت المحاصيل الزراعية، وكذلك الماشية بسبب نقص الماء والغذاء، كما أدّت تلك المجاعة إلى هجرة العديد من سكَّان الهند، ويُعتقد أن ما يقرب من 11 مليون شخص قد لقوا حتفهم جرَّاء تلك المجاعة.
4- مجاعة الاتحاد السوفيتي 1932- 1933
كان السبب وراء تلك المجاعة التي حدثت عام 1932 بالاتحاد السوفيتي سياسة العمل الجماعي التي فرضها القائد الثاني للاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين على الفلاحين.
حيث أراد تغيير نظام الدولة من زراعي إلى صناعي، وعندما رفض الفلاحون تنفيذ قراراته قام بتدمير المزارع والمحاصيل، وأخذ الأراضي بالقوة من المزارعين، كما أتلف كل المحاصيل المخبأة في بيوت الفلاحين، وأحرق البذور.
كما استمر ستالين في تصدير الحبوب بدلاً عن إعطائها للفلاحين، اقتناعاً منه بأن الفلاحين يخبئون الكثير من الحبوب، وقد أدت كل تلك الأعمال التخريبية إلى تجويع الشعب لمدة عامٍ كامل.
تسبب ذلك في موت حوالي 10 ملايين شخص، ولكن حصاد عام 1933 ساهم في إنهاء المجاعة لكثرة إنتاج الأراضي الزراعية هذا العام.
5- مجاعة البنغال 1770
وقعت مجاعة في منطقة البنغال في الفترة بين عامي 1769، و1773، وتسببت في وفاة حوالي 10 ملايين شخص، حيث كانت تلك المنطقة تابعة لحكم الهند الشرقية البريطانية، والتي دمرت العديد من المحاصيل الزراعية لإفساح الطريق لزراعات أخرى كالأفيون، والخشخاش لأنها أقل كلفةً، وأكثر ربحاً.
كما عملت الشركة على زيادة فرض الضرائب، ونقل جزء كبير من الثروات إلى مساهمي الشركة، كما حظرت الشركة تخزين الأرز، وقد أدت تلك العوامل إلى جانب الجفاف، ونقص المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى حدوث المجاعة.
وما حال دون وقوع المزيد من الضحايا هو هطول الأمطار الغزيرة أواخر عام 1770، حيث نمت المحاصيل الزراعية، وخفت حدَّة المجاعة إلى حدٍ ما، ولكن سرعان ما حدث العجز مرةً أُخرى في الأعوام التالية.
فيما هاجر الناجون من المجاعة بحثاً عن الطعام، وتخلوا عن أراضيهم المزروعة، ونتج عن هذا فرض العصابات سيطرتها على تلك الأراضي، ولم تتم إعادة سيطرة الدولة عليها إلا في عام 1890 من خلال إجراءات عقابية.
6- مجاعة البنغال 1943
مع نمو الإمبريالية اليابانية، وأحداث الحرب العالمية الثانية، فقدت البنغال أكبر مورِّد للمواد الغذائية، وأكبر شريك اقتصادي لها، حين علَّقت اليابان تعاملات البنغال مع بورما.
كما أدى الإعصار الذي ضرب البنغال عام 1942، وموجات المد والجزر إلى زيادة الأمر سوءاً، فقد دمَّر3200 ميل مربع من الأراضي الزراعية، وأكثر من 90% من محاصيل الأرز.
ومع الإغاثة المالية الضئيلة لحكومة البنغال، ورفض رئيس وزراء المملكة المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل وصول أي سفن غذائية إلى الهند، وسوء تقدير الحكومة بإصدار تصاريح لتصدير الحبوب للتجار الذي أدى لازدهار السوق السوداء، تزايد أعداد القتلى، فبحلول عام 1943 بلغ أعداد الميتين جوعاً حوالي 7 ملايين شخص.
ولكن في يوليو/تموز 1944 وصل الهند خلال فترة المجاعة 264 ألف طن من الأرز، و285 ألف طن من القمح، ومنتجاته، و55 ألف طن من حبوب الدخن تم توجيهها جميعاً إلى البنغال.
7- مجاعة الهند العظمى 1876- 1878
أدّت السياسات الاستعماريَّة لإنكلترا إلى تلك المجاعة التي غطت مساحة ما يقرب من 670 ألف كيلو متر مربع، حيث كانت تصدر الحبوب إلى بلادها تاركة بلاد الهند غارقة في الفقر، فيما سُميت هذه المجاعة بـ "مجاعة مدراس".
كما ساعد الجفاف، ووباء الملاريا على زيادة أعداد الضحايا، فسجلت التقارير موت حوالي 5.5 ملايين شخص في تلك المجاعة.
فيما بدأت أعمال الإغاثة في عام 1878 حين أُرسلت حكومة الهند البريطانية السير ريتشارد تيمبل للإشراف على أعمال الإغاثة، فجعل العمل في خطوط السكك الحديدية مقابل الغذاء، والحبوب.
واستوردت الحكومة كمياتٍ كبيرة من الحبوب، كما سمحت بالرعي لمدة مؤقتة في الغابات، منفقةً ما يعادل 262 ألف دولار خلال هذين العامين للتغلب على المجاعة.
8- المجاعة الروسية 1921
قبل نهاية الحرب العالمية الأولى، شهدت روسيا ثورة عظيمة عام 1917، كما عانت من الحروب الأهلية، واستمرت تلك الأحداث لما بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
ما أجبر الفلاحين على التضحية بطعامهم، بمقابل بسيط، وأدى هذا إلى توقف الزراعة، أعقبه نقصٌ هائل في المواد الغذائية والبذور، ما تسبب في قيام المجاعة الروسية.
فيما أسفرت تلك المجاعة عن موت حوالي 5 ملايين شخص، بعدما رفضت الولايات المتحدة الأميركية تقديم المساعدات حتى تفرض سيطرتها على السكك الحديدية، وهذا ما رفضته روسيا، التي تغلبت على المجاعة بعد ذلك بتصدير الحبوب لجمع الأموال وإحياء الصناعة.
9- مجاعة كوريا الشمالية 1994- 1998
كانت تلك المجاعة نتاجاً لأخطاءٍ قيادية، وفيضاناتٍ غمرت كوريا الشمالية على نطاقٍ واسع، إذ أغرقت الأمطار الغزيرة عام 1995 الكثير من المناطق الزراعية، كما دمرت حوالي 1.5 مليون طن من احتياطي الحبوب.
وقد عانت كوريا الشمالية في تلك المرحلة من ركودٍ اقتصاديّ، حيث وُضعت احتياجات الجيش فوق احتياجات باقي الشعب، ما تسبب في ارتفاع معدلات الوفيات من الأطفال، والنساء حتى وصل إجمالي من ماتوا نتيجة تلك المجاعة، وسوء التغذية حوالي 3 ملايين شخص.
وفي محاولة مثيرة للجدل لتخفيف الأزمة، اقترحت حكومة كوريا الشمالية نظام "الأغذية البديلة" للشعب للحفاظ على أنفسهم من الموت جوعاً، وذلك بإضافة أجزاء صغيرة من اللحاء، وأوراق الشجر، والعشب الأخضر إلى الوجبات الغذائية.
فيما قدمت كوريا الشمالية طلباً للحصول على مساعدات دولية، واستجاب المجتمع الدولي لذلك، كما قدمت منظمة اليونيسيف، وجماعات دينية من كوريا الجنوبية الدعم على نطاقٍ صغير لتنتهي المجاعة عام 1998.
10- مجاعة فيتنام 1945
كانت فيتنام في تلك الفترة من الحرب العالمية الثانية تحت سيطرة اليابان وفرنسا، والتي عملت على تغيير الإنتاج من زراعي إلى صناعي لإنتاج المطاط ، كما أدَّت الفيضانات، والجفاف إلى جانب تلك السياسات الإنتاجية إلى حدوث المجاعة والتي نتج عنها موت حوالي 2 مليون فيتنامي.
لعبت تلك المجاعة دوراً مؤثراً في الحرب التي قامت حينها بين اليابانيين والفرنسيين، المحتلين لفيتنام من جهة، ومنظمة فيت مين "تحالف للمجموعات الشيوعية والقومية التي عارضت الفرنسيين واليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية".
حثت منظمة فيت مين الشعب الفيتنامي على نهب مستودعات الأرز، ورفض دفع الضرائب المستحقة، وقد أدَّى هذا التمرد ضد المجاعة والسلطات المحتلة بإعتبارها مسؤولاً رئيسياً عن المجاعة، إلى تعزيز شعبية فيت مين، واستطاعت المنظمة ضم الكثير من الأعضاء بسبب حراكها ضد المجاعة.
فيما اتجه الفيتناميون لزراعة العديد من الأراضي بالأرز، وزراعة الذرة، وبعض المحاصيل التي تحقق فائضاً، كما تم إطلاق الأرز المخزن في المستودعات اليابانية، ما كان له الأثر الأكبر في تخفيف آثار المجاعة في فيتنام.