شاع في العالم بأسره اتخاذ الحية والكأس رمزاً لعلوم الطب والصيدلة، باعتبار أن هذه المؤسسات تقدم التطبيب والتداوي وكل ما من شأنه أن يمنح الإنسان الاستشفاء من الأمراض التي ترديه التهلكة وتجره بعللها إلى الهلاك وعالم الموت.
لكن في مقابل ذلك، تتميز الحية بكونها أحد الزواحف التي تطوي بين فكيها أفتك أنواع السموم التي تقضي على الحياة في زمن قصير بعد تعرض هذه الأخيرة لعضة واحدة، يصاحب ذلك شلل تام وأعراض ما تلبث أن تسري في الجسم مجرى الدم فتحطم الجهاز العصبي، إيذاناً ببداية النهاية لكل من تعرض لأحد هذه السموم.
فما معنى مفردة الحية؟ ومن أين اكتسبت هذه الأخيرة بمعية الكأس، رمزية التداوي وإعطاء حياة جديدة للإنسان؟ وكيف اقترن ذكر أفتك الزواحف التي تهدد حياة الإنسان وبين اتخاذها رمزاً للاستشفاء وطلب الحياة؟
1- رمزية الحية كشعار للطب والصيدلة:
تعتبر الحية أحد أنواع الزواحف من حيث النسبة، وأحد أجناس الثعابين والأفعى والصّل من حيث النوع، وتطغى على غالبيتها ميزة السم الذي يقضي على الحياة في دقائق معدودة، هذا إن لم يجد الإنسان ما يسعف به من أدوات طبية حديثة أو تقليدية.
إن التركيب اللغوي لاسم الحية يتشكل من حرف الحاء والياء، بمعنى الشيء الذي له حياة، وهذا الأصل في تركيب الكلمة ينافي ظاهر الحية وما حوت من سموم فتاكة، والتي غدت رمزاً للتداوي وأحد معاني الحياة، بل تتعداه إلى أبعد من ذلك، ألا وهو طلب الخلود الأبدي، كما سيأتي بيانه:
أ- ففي الرواية اليونانية: التي تعتبر أشهر الروايات الذائعة الصيت بين الباحثين وفي مواقع الشبكة العنكبوتية، والتي تخص بالذكر أن الإله أسكليبيوس Asclépios، قد بلغ شأواً كبيراً في مهنة الطب بعد أن أخذه ابتداء عن أبيه الإلهي – أبولو Apolo – ثم تعمق في دراسة ذلك على يد إله الصحة، إلى درجة أمكن لـAsclépios أن يَبرع في "دراسة خواص النباتات والمعادن، واستخلص منها أدوية تشفي جميع الأمراض"، "ولم يقتصر طبه على شفاء المرضى فحسب، بل رد الحياة إلى رجل ميت ذات مرة".
حيث تقول الأسطورة: إن Asclépios كان جالساً في إحدى جولاته البرية، فبصُر على مقربة منه بأحد الثعابين ميتاً على الأرض، وما هي إلا لحظات، حتى تراءى له ثعبان آخر يحمل بين فكيه نوعاً من النبات، فوضعه على الثعبان الميت، وما لبث هذا الأخير حتى عاد إلى الحياة، حينها علم Asclépios بسرّ الحياة فأخذ معه النبات والثعبان الأول لاستخدامهما في دوائه.
وصار بعد ذلك يقدم أنواع الدواء للمرضى، ويساعد البشر طريحي الفراش بسبب المرض العضال على الشفاء بفضل هذه النبتة التي اكتشفها.
ونتيجة لما توصل إليه Asclépios في ميدان الطب، فقد توجست الآلهة من أن يكشف هذا السر المكنون، ويهب الحياة للبشر، فعمدت إلى قتله، بأن أرسلت عليه صاعقة من برق السماء.
ب- وفي الرواية التوراتية: ورد في قصة السقوط، أن سبب الإغواء كان من لدن الحية: باعتبارها أحيل جميع حيوانات البرية التي خلقها الرّب، حين قالت للمرأة بعد أن نهاهما الرب عن أكل ثمار شجرة المعرفة: "فَقَالَتِ الحَيّة لِلْمَرْأَةِ: لَنْ تَمُوتَا، وَلَكِنّ اللهَ يَعْرِفُ أَنّكُمَا يَوْمَ تَأْكُلَانِ مِنْ ثَمَرِ تِلْكَ الشّجَرَةِ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَصِيرَانِ مِثْلَ اللهِ تَعْرِفَانِ الْخَيْرَ وَالشّرّ"، إلا أن حواء قد انصاعت لقول الحية، فأكلت من الشجرة وأعطت لزوجها أيضاً، حسب الرواية التوراتية، ومن ثم عرفا أنهما عريانان، وخاطا لهما من ورق التين مآزر ليستترا بها.
إن رمزية الحية التوراتية في قصة السقوط -أو الخروج من جنة عدن- لا تتوقف عند فعل الإغراء أو الإغواء أو الوسوسة، بل تتعداه في كونها السبب لإعطاء هذه الحياة الجديدة، إلى آدم وذريته بعد معصية أوامر الله ونهيه.
فلولا هذا التزيين من طرف الحية لما قدّر لآدم وزوجه الأكل من الثمار المحرمة، بل ولما تعرفا على ذاتيهما وقدراتهما في هذه الحياة الدنيا التي جاءا إليها كعقاب إلهي.
إن النزول -من الجنة الأولى- الذي يراه البعض "المنبع لكل الآلام التي تكبل البشرية"، يمثل من زاوية أخرى القيمة الوجودية للمعرفة، التي من خلالها بدأ الإنسان في التفريق بين الصالح والطالح والنافع والضار الذي يخدم مصالحه، بل ويحارب الشر من وجهة نظره تحقيقاً للحق والعدل الذي يرنو إليه.
ولعل إغواء الحية والأكل من الشجرة لم يكن السبب المباشر في قصة السقوط، بل ما صاحب ذلك من متغيرات في الوعي الذاتي لآدم وزوجه، والذي عبر عنه النص التوراتي: "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَا أَنّهُمَا عُرْيَانَانِ"، ثم طفقا يخصِفان عليهما من ورق الجنة، هو السبب الأول الذي على أثره سيكون السقوط، فالمعرفة بالخير والشر هي إحدى ميزات الإله، وإذ إن آدم وزوجه أكلا من ثمار المعرفة، فبإمكانهما أيضاً الوصول إلى شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى، وهنا يكمن السبب الرئيسي، الذي على أثره كان السقوط.
فقد جاء: "وَقَالَ الرّبُ الإِلَهُ: صَارَ آدمُ كَوَاحِدٍ مِنّا يَعْرِفُ الْخَيْرَ وَالشّرّ. وَالآنَ لَعَلّهُ يَمُدّ يَدَهُ إلى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أيضاً فَيَأْخُذُ مِنْهَا وَيَأْكُلُ، فَيَحْيَا إلى الْأَبَدِ".
إن الوصول إلى شجرة الحياة غدا أمراً حتمياً نتيجة للمعرفة التي نالها آدم وزوجه، وقد يأتي من خلال إغواء آخر للحيّة، وعلى أي حال سيكون، فإن الوصول إلى شجرة الخلد ما كان ليتم إلا بإيعاز من الحيّة بادئ ذي بدء، فلولا إغراؤها للمرأة بقطف ثمار المعرفة، لما كانت هناك معرفة بالأساس – وهي التي فسرت للمرأة السر المكنون في سبب النهي – فهي إذاً أحد أسباب السقوط، ولولاها لما كان ذلك، ولما حظي آدم وذريته بهذه الحياة.
لكأنها بذلك تكون مانحة الحياة بطريقة أو بأخرى لآدم ولنسله، حينما أرشدته إلى سر المعرفة أول الأمر، ومن ثم ينال الأبدية على أثر قطفه ثمار الخلد، لولا أن جاء القضاء النافذ بالخروج: "فَأخْرَجَ الرّبُ الإِلَهُ آدَمَ مِنْ جَنّةِ عَدَنٍ لِيَفلَحَ الأرض التّي أُخِذَ مِنْهَا".
ولن يتوقف إغواء الحية عند هذا الحد الذي منحت به آدم حياةً غير التي كان عليها بادئ سيرته، بل ستهبط معه هي الأخرى إلى الحياة الدنيا، ليشتد الصراع بين نسلها ونسل المرأة، إلى أن تورِث صنفاً منهم جنة الخلد في حياة هي أشبه بالعيش في عدن، كما ستورث صنفاً آخر منهم معيشة ضنكاً.
وعلى أي وجه كان أو سيكون، فإن رمزية الحيّة في العهد القديم تعتبر مانحة الحياة، على علاتها، أو أنها تمثل السبب الرئيسي في ذلك.
ج- وفي الحضارة الأكادية: دار صراع بين جلجامش Gilgamesh ملك أوروك، وبين الحية وطائر الزو وشيطانة القفار ليليث، الذين اتخذوا من شجرة الإلهة أنانا Anana مسكناً لهم، إلى أن حاربهم Gilgamesh وطردهم عن مسكن الإلهة Anana، وكمكافأة لبطولته فقد أهدته الإلهة Anana آلتين موسيقيتين هما الباكو والماكو.
حيث سقطت هاتان الآلتان في قعر العالم السفلي، فحزن عليهما Gilgamesh كثيراً وأخذ صديقه أنكيدو Ankidu عهداً على نفسه بأن يعيدهما إليه، إلا أن العالم الأسفل – عالم الموت – كان أقوى من Ankidu فأمسك به.
ولقد ناضل Gilgamesh كثيراً لكي يساعد صديقه على الرجوع، إلا أن محاولاته قد باءت بالفشل، فساعده الإله أيا Aya، بأن أمر خادمه نرجال Nirgal بإحداث ثقب من سطح الأرض إلى باطنها: أمكن بسببه انسلال "روح أنكيدو وكأنها الهواء / وتعانق (الصديقان) وقبّلا بعضهما بعضا / ثم أخذا يتحدثان ويتحاوران".
وبعد هذا اللقاء، فطن Gilgamesh إلى أن الموت هو نتيجة حتمية لا مناص منها، و"أن حياة الإنسان قصيرة، وأما الخوف فهو من الموت، فثار على هذا الواقع الذي سيناله هو أيضاً"، ثم بدأ رحلة البحث عن إكسير الحياة وسر الخلود؛ ليجتاز من خلاله عقبة الموت؛ حيث كانت هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر والصعاب التي تثني العزائم، إلى أن وصل إلى أرض أوتانا باشتيم Utna pashtim الذي نال الخلود، وسأله قائلاً: "والآن أخبرني كيف وجدت نفسك في مجمع الآلهة؟ وكيف حصلت على الحياة الأبدية؟"، فرد عليه Utna pashtim قائلاً: "منحتني الآلهة الخلود بعد أن أنقذت الحياة".
ثم بقي Gilgamesh مع Utna pashtim ينهل من معارف تجاربه عله يستفيد منها، كما أخضعه هذا الأخير لكثير من الاختبارات التي تمكنه من إثبات قوته وجلَده، إلى أن أضناه التعب ولم يستطع مجاراة التجارب، فعزم على العودة إلى بلاده.
"ولكنه في اللحظة الأخيرة، وبناء على اقتراح زوجة Utna pashtim، يكشف له هذا الأخير سر الآلهة، المكان الذي توجد فيه النبتة التي تعيد الشباب"، والتي تُستخرج من أعماق البحار.
فعمد Gilgamesh إلى حَجر وعلّقه برجليه ليساعده في النزول، ثم غاص عميقاً إلى أن حاز النبتة، ونال مبتغاه، وقال حينها:
"هذه النبتة ضد الكرب، وبها يصل المرء إلى كامل الشفاء، أنا راغب في أخذها إلى أسوار أوروك، وسأُشرك الناس معي في أكلها، وهكذا أختبرها، وسيكون اسمها: عودة الشيخ إلى صباه".
وحينما اقترب Gilgamesh عائداً إلى موطنه، "أخذه وصب ونصب في الطريق، جراء رحلته التي طالت وكثر شقاؤها، مما استدعى نزوله إلى بئر يغتسل فيها ويرتاح"، فكانت بجواره أفعى شمّت "رائحة النبات، فتسللت واختطفته، ولما عادت نزعت عنها جلدها"، ومنذ ذلك غدت حيّة، ورمزاً للحياة المتجددة.
2- رمزية الكأس كشعار للصيدلة:
وعن رمزية الكأس التي ترتبط بالجانب الصيدلاني، فمرجعها الأسطوري يعود إلى – Hygie – إحدى بنات إله الطب اليوناني Asclépios، إذ غالباً ما تُصور وهي تحمل الكأس التي كان يضع فيها Asclépios الخلطات النباتية لتطبيب مرضاه، وهي تساعده في ذلك، إنه الإناء الذي تخلط فيه المواد الرئيسية للتداوي، ويحفظ فيه الترياق الذي يمنح الحياة.
ويمكن إرجاع ذلك أيضاً إلى رمزية الكأس المقدسة – "غرال المقدس Saint Graal" – ليلة عشاء الفصح، الذي حضره السيد المسيح بمعية الحواريين قبل القبض عليه، قائلاً: "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ / مَنْ جَاءَ إلى لَا يَجُوعُ. وَمَنْ آمَنَ بِي لَا يَعْطَشُ أَبَداً"، ثم: "أَخَذَ كَأْساً وَشَكَرَ وَنَاوَلَهُمْ وَقَالَ: اِشْرَبُوا مِنْهَا كُلّكُمْ. هَذَا هُو دَمِي، دَمُ الْعَهْدِ الّذِي يُسْفَكُ مِنْ أجل أُنَاسٍ كَثِيرِين. لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا"، إن المسيح في سر التناول أو الأفخارستيا Eucharistie: "يقدم لحمه ودمه كقربان عن ذنوب البشر"، ويمثل – Saint Graal – الآلام والموت والقيامة، مانحاً للمؤمنين رمزية العبور مع السيد المسيح: "من عالم الخطيئة عالم الشيطان، إلى عالم الحرية والسعادة، عالم الرحمن، من عبودية الموت إلى رحاب الأبدية".
ولا يمكن فهم سر الأفخارستيا Eucharistie إلا من خلال متواليات الخلاص في الديانة المسيحية، بدءاً من الخطيئة، إلى قيامة يسوع ودينونته للعالم، باعتبار أن يسوع يجسد الخلاص في الفكر الديني المسيحي.
3- رمزية العصا كشعار للطب والصيدلة:
هذا بالإضافة إلى رمز الحية والكأس، فإننا نجد العصا التي تلتف حولها الحية؛ حيث لا تخلو هي الأخرى من رموز دلالية مكمّلة لما سبق ذكره:
إذ تعتبر العصا في العهود القديمة من الرموز المهمة التي تجسد القوة والسلطة المطلقة.
يتجلى ذلك – على سبيل القصر لا الحصر – في ملحمة الإينوما إليش Enuma Elish، حينما نُصّب مردوخ Marduk إلهاً أولاً، ومُنحت له سلطات مطلقة على جميع الآلهة، كما ورد ذكره: "مردوك وحده هو الملك، وسلّموه بعد ذلك الصولجان والعرش وعصا الملكية"، وبقيت العصا على مدى دهور خلت تمثل القوة والسلطة، حسب تنوع استخدامها في الحضارات الشرقية على عدة مستويات: كحمل الأغراض، والدفاع عن الذات، وإنزال العقوبة، والعدل، وفي الرقصات الشعبية التي تجسد أدوار الفرح، ومحاربة الأعداء.. وهو ما عبر عنه موسى قائلاً: "ولي فيها مآرب أخرى"؛ إذ تشكل كل هذه الاستعمالات أوجه الحفاظ على الحياة.
وفي التكوين التوراتي مثّلت العصا أعلى مستويات السلطة يوم الزينة، حينما "أَلْقَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَصَاهُ فَصَارت كُلُّ عَصاً حَيّةً عَظِيمَةً، وَلَكِنّ عَصَا هَرُون ابْتَلَعَتْ عِصِيّهُمْ"، كما شكلت العصا أسمى صور الخلاص يوم انفلاق البحر، بعد أن ظن الإسرائيليون أنهم مدركون، إلى درجة أيقنوا رجوعهم تحت نير العبودية والقهر الفرعوني، لولا أن ضرب موسى بعصاه البحر، "فَأَرْسَلَ الرّبُ عَلَى البَحْرِ رِيحاً شَرْقِيّةً عَاصِفَةً طُولَ اللّيْلِ حَتّى أَيْبَسَ مَا بَيْنَ مِيَاهِهِ فَانشَقّتِ الْمِيَاهُ وَدَخَلَ بَنُو إسرائيل فِي وَسَطِ الْبَحْرِ عَلَى الأرض الْيَابِسَةِ. وَالْمَاءُ لَهُمْ سُورٌ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ"، واجتازوه عن آخرهم، ثم مدّ موسى عصاه كَرّة أخرى: "وَرَجَعَتِ الْمِيَاهُ فَغَطّتِ الْمَرْكَبَاتِ وَالْفُرْسَانَ وَجَمِيعَ جَيْشِ فِرْعَونَ الّذِينَ دَخَلُوا وَرَاءَ بَنِي إسرائيل فِي الْبَحْرِ، وَمَا بَقِي مِنْهُم أَحَدٌ"، وهكذا منحت العصا الخلاص لشعب إسرائيل، ووهبتهم حياة جديدة في الضفة الأخرى.
وفي ختام هذا البحث، يمكن القول إن الرموز التي اصطُلح عليها في علوم الطب والصيدلة – رغم تطور مختبرات وتقنيات هذه الأخيرة – لخير دليل على تأثير الروافد التاريخية لحضارات الشرق القديم في تشكيل آليات العقل رغم الشُقة التاريخية، كما أنها – أي الرموز – لا تخلو من أبعاد أسطورية وكتابية، تكاد تكون متغلغلة في كثير من الحضارات الشرقية والغربية التي أفردت للحيّة مكانة خاصة لدى المجتمعات البشرية، وأجمعت على رمزية أوجه الحية، المعرفية والعرفانية والشريرة والإخصابية والمتجددة التي تمنح الحياة.
ويمكن القول بعد هذا العرض: إن الحية التوراتية والأكادية لا تتوقف عند كونها السبب الرئيسي في قصة السقوط، بل يمكن اعتبارها السبب الأول في جعل الإنسان يخرج من جنة كان يرعى فيها كالأنعام، إلى جنة أخرى أكبر، سيعرف فيها ذاته ويسبر فيها أغوار نفسه؛ ليحقق من خلال هذه المعرفة التي كلفته السقوط، هويته وفي عمق ذلك إنسانيته وحضارته.
لقد أعوزت الحية الإنسان من نيل الخلود، وحرمته الاتصاف بأهم سمات الآلهة التي تبقى خالدة أبد الدهر، لكنها منحته أحقاباً جديدة أمكنه التعمق من خلالها إلى جوهره.
ولا ضير في ختام هذا المقال استخلاص: أن الحية التي تقبض بين فكيها نبتة الخلود، والتي تتحول إلى عصا فيها مآرب شتى، ثم تقفل الزمان في حركتها الدائرية، هي أحد أهم الرموز الحضارية التي تعني الحياة في أجَلّ تمظهراتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.