الجزء2….
أكرر من جديد أن العنوان "فن الحب" عنوان لكتاب إريك فروم الفيلسوف، اقتبسته منه للدلالة العميقة التي يحملها، ما دفعني هذه المرة للكتابة هو التعاطي مع المفهوم والتعبير عنه، وأحياناً الطريقة التي نرى بها الأشياء.
سمعت قولاً أعجبني: السعيد يعيش الحب.. الشقي يكتب عنه، ولكن لم أجد بُداً من إزعاجكم كعادتي، فاعذروا شغبي.
الحب موهبة وكسب، الحب إرسال واستقبال، الحب تجربة ذاتية -إنسانية بامتياز- متفردة لا تقبل التقليد والمحاكاة، يتأسس الحب على مفاهيم أخرى لا تقل أهمية كالحرية والذكاء وغيرها، عندما نناقش موضوع الحب يجب أن نتناوله في شموليته، ولا نتخيل أنواعه فتضيع أفكارنا، الحب نفسه والموضوع متغير، بمعنى أنها نفس الآليات التي نمتلكها نشتغل بها على مواضيع مختلفة لتكون النتيجة نفسها، فحب الوطن مثلاً يقتضي المساهمة في بنائه في حال السلم والدفاع عنه في حال الحرب.
من أنواع الحب: الصداقة – الأمومة – الأخوة – الأبوة – حب الذات – الحب الشبقي.
من أشهر أنواع الحب: الحب الإلهي وحب الرجل للمرأة.
السؤال الذي يبقى مطروحاً هو هذه الشكوى المستمرة.. أحببته وأعطيته كل شيء.. وفي الأخير تركني.. أو المشكلة الثانية أحبه وأعشقه ولا يعيرني اهتماماً.. لقد سرقوا مني حبيبي، هذه بعض العبارات وغيرها كثير تعبر عن مشاكل الحب بين المحبين، والسؤال المطروح وبإلحاح: هل نحب فعلاً؟.. ثم ما معنى الحب؟
نعرف جميعاً أن اللغة -أي لغة- لا تسعفنا في التعبير عما نحسه، فنحن نقرب المتلقي فقط مما نحسه بواسطة اللغة.. هل نحس أشياء ولا نحسن التعبير عنها؟ هل نتسرع ويخيب إحساسنا ومن ثم ظننا؟ اللغة التي استطاعت أن تعبر عن الحب بلحظاته وأحواله بلا فخر هي اللغة العربية.. فكلمة الحب في اللغات الأجنبية واحدة.. تعالوا إذن نستعرض معاني الحب عند العرب: الحب ميل الطبع في الشيء الملذ، وهو عاطفة مركبة.
الهوى: التوجه للمحبوب. العلاقة: تعلق النفس بالمحبوب. الكلف: من الكلفة والمشقة. العشق: فرط الحب. اللوعة: حرقة يجد فيها المحب ذاته. التبل: السقم والمرض في الحب. الوله: ذهاب العقل في الحب. الصبابة: رقة الشوق إلى المحب. الوجد: حب مع حزن. الشجن: حب فيه هم. الشوق: نزاع النفس للشيء. الوصب: ألم المحبة. السهر والأرق والسهد: من لوازم الحب. الخلة: توحيد المحبة. الود: خالص المحبة. الغرام: الحب الملازم. وتحوم حول الحب مفاهيم تقترب منه وتختلف عنه كالإعجاب والافتتان والانجذاب والألفة.
أردت من خلال هذه الجولة السريعة أن نتعرف على حقيقة ما نشعر، ما نرسل وما نستقبل، حدود الموهبة وتقنيات الكسب.. أين وصلنا في تجربة الحب؟ لا يتبادر إلى ذهنكم أننا في حوار عقلي ومنطقي، بل نحن نستنطق القلب والروح لنعرف حقيقة ما نحس وما نقاسي.. حرام أن نرحل عن الدنيا ولم نجازف أو لم نحظَ بشرف التجربة.. حرام والله.
منزلقات الحب:
– نحب ذاتنا ونتوهم أننا نحب الآخرين.
– الغيرة تصبح مرضاً إذا تجاوزت القدر المطلوب (ملح الحب).
– الحب من النظرة الأولى (صدفة)، الاستمرار فيه يقتضي منا الاجتهاد.
– العلاقات الإنسانية لا تصبح مكتسباً دائماً.
– حين نحب فنحن لا نملك من نحب ولا يملكنا، ولا نصير واحداً.. الحرية.
– العادة تورث البلادة بصفة عامة وفي الحب خاصة.
يبقى السؤال عنوان المقال معلقاً "الحلقة المفقودة":
من أين لنا الطاقة المتجددة للحب والصبر على بلواه؟ ما مصدر الحب؟ وما منبعه؟
في عقيدتنا الإسلامية الحب والإيمان شيء واحد.. حقيقة الإيمان هي الحب.. حب لصفات الله ومحاولة لتجسيدها في مستواها البشري.. أما رسل الله فقد جاءوا لتعليمنا الحب ونحن لا ندري.. فهذا يسمى الكليم، والثاني الخليل، والأخير الحبيب، جاءوا بالحب والتواضع والكلمة والموقف والتفاني، وأسسوا للمعاني الإنسانية التي ننعم بها الآن، لا تستقيم أنواع الحب إلا بالحب الأخير.. حب الله.
ليست هذه دعوة للزهد في الحياة بل دعوة للحياة، للنهل من المعين الذي لا ينضب، جاء رجل إلى رسولنا محمد عليه السلام، وقال له: إني أحب فلاناً، رد عليه السلام: وهل أخبرته؟ قال: لا. قال: اذهب فأخبره.
يكفينا هذا درساً في الحب، بالمناسبة أخبروا من تحبون بحبكم ولا تملوا، إن لم يكن لهم فلكم.
أنهيت كلامي.. أشكر لكم صبركم على قراءته، وأتمنى أن يوحي إليكم بشيء يفيدكم، فإن لم أوفق فلي الشرف أني حاولت.. دمتم أحباباً ومحبين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.