إذا كان الكاتب المسرحي الشهير آرثر ميللر كتب "يوميات بائع متجول"، كاشفاً وجهاً نقدياً للمجتمع الأميركي، وإذا كان توفيق الحكيم المسرحي المصري كتب "يوميات نائب في الأرياف" ليحكي واقع الريف المصري في الثلاثينيات من القرن الماضي، فإن هيثم السيد يصنع "يوميات قارىء متجوّل" في الريف المصري راسماً لحظة أمل صغيرة لأبناء القرى، يجعلهم يستمعون للحواديت ويقرؤونها.
هيثم المدرّس بإحدى قرى محافظة الشرقية بدلتا مصر، اكتشف أنّ التلاميذ في مدرسة قريته لا يقرأون سوى الدروس في الكتب المدرسية، فقرّر أن ينشر فكرة القراءة بطريقته الخاصة.
وبدأ يذهب للقرى المجاورة لقريته ويختار ساحةً خالية ويجلس مع الأطفال تحت ظل شجرة ويقرأ لهم القصص المصورة.
ونجحت التجربة رغم المعوّقات فصار علامة في الشرقيّة وقراها، وصار قارئاً متجولاً يوزّع الكتب أيضاً على من يحبّون القراءة.
في هاوية النسيان
يقول هيثم لـ"عربي بوست" عندما "تعيش في قرية على حافة الكون فأنت ومن حولك معرّضون للسقوط في هاوية النسيان، والتجاهل من قبل المسؤولين بدايةً من رغيف الخبز إلى آخر شيء في القائمة".
وبحسب المدرّس المصري فإنّ الثقافة كما يراها المسؤولون تعتبر ضمن قائمة الرفاهيات، أن تقرأ كتاباً أو تشتريه هذه رفاهية، السبل التي جعل الكثيرين من أهل ضيعته لا يعرفون ماهيتها.
هيثم ينتمي إلى قرية دوامة، مركز فاقوس، بمحافظة الشرقية وهي قرية صغيرة تبعد عن القاهرة مسافة ثلاث ساعات بالسيارة.. يعيش أهلها – كما يحكي هيثم – على الزراعة وبعض الصناعات الخفيفة، كصناعة الأقفاص من سعف النخيل.. بها مدرسة ابتدائية وحيدة ومدرسة إعدادية وحيدة.
ومثل الأهل يعمل أطفال القرية في الزراعة، وعندما تحدّثهم في المدرسة عن القراءة والاطلاع والكتب والحكايات ينظرون إلى بعضهم البعض وكأنك من كوكب غريب.
سألته طفلة ما "المجلة" فبدأت القصة
إنّ المشروع بدأ مع هيثم من سؤال بسيط سألته إياه طفلة "ما هي المجلة" حيث رأت في سيارته مجلة أعجبتها وأخذتها منه، وما هي إلا دقائق حتى اجتمع عددٌ كبير من الأطفال للحصول على مجلات.
يتابع "هيثم" ولكن "للأسف لم يكن معي سوى تلك المجلة التى أخذتها الفتاة، فقررت وضع مجلات وكلما شاهدت طفلاً قدّمتُ له مجلة متأملاً ردود أفعالهم ومدى تقبلهم للقراءة فوجدت رد الفعل فوق الوصف".
"رمضان" شهر القراءة
اختار المدرّس المصري شهر رمضان الماضي انطلاقاً لمشروع عربة الحواتيت التي وزع من خلالها ما يقارب 900 كتاب، كان قد جمعها لمدة 9 أشهر.
"إنني هذا العام لن أوزّع على الناس تمراً أو عرقسوساً أو سوبيا في رمضان، بل سأوزع كتباً على الأطفال" على حدّ قوله.
وقد وقع اختياره على شهر رمضان لتوزيع هذه الكتب لأن الأطفال يتوقفون عن العمل في هذا الشهر ويكون بالنسبة إليهم شهر إجازة.
بدأ مشروعه وحيداً، ولكن ما لبث أن توسع حيث انضم إليه تلاميذه وأصدقاؤه، على عكس تفاعل الدولة معه فهي بحسب ما يقول اقتصر دعمها على تقديم 100 كتاب فقط قدمتهم لهم الهيئة العامة لقصور الثقافة.
ويتابع "مع العلم أننا كنا في سيارة خاصة مستأجرة كلفت أجرتها 300 جنيه من الشرقية للقاهرة بمعنى أننا لو اشترينا كتباً بال 300 جنيه لكان أفضل".
الهيئة الرسمية الوحيدة التي دعمت المشروع بعدد معقول هي صندوق التنمية الثقافية، حيث منحونا عدد 2 كرتونة كتب من مشروع بنك الكتاب ومن مطبوعاتهم فقررنا عدم التسول، الاستمرار على نفقتنا الشخصية.
وزّعنا حتى الآن مايزيد على 11 ألف كتاب على حوالي 51 قرية وسوف نستمر.. فقد لمسنا نجاح التجربة وشغف أبنائنا بالقراءة.
ويختم بقوله "نحتاج دعم المثقفين المصريين لنا بالكتب حتى نضع في يد كل طفل مصري كتاباً وخاصة في القرى".
مضيفاً "كما نطمح لإنشاء مركز ثقافي قروي وأرجو أن تتيح لنا محطة فضائية مساحة لنقدّم برنامجاً يقدّم قصصاً حقيقية موجّهة لأطفال مصر، ويعمل على تنمية مهارات الأطفال الإبداعية وخاصة في القرى".