لماذا يعشق الشباب العربي الروائي البرازيلي "العجوز" باولو كويللو؟
هل لأنه يستخدم الشبكات الاجتماعية كتويتر وفيسبوك وانستغرام بانتظام مثلهم، ويتفاعل مع حوالى 25 مليوناً من المشتركين في حسابه الرسمي على هذه المواقع؟
هل لأنه وقف إلى جانب العرب ضد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، فلا تزال رسالته الساخرة الغاضبة إلى الرئيس الأميركي جورج بوش في ذاكرة الكثيرين؟ أم لأنه دافع عن الإسلام ضد محاولة إلصاق جرائم "داعش" به؟
الكاتب البرازيلي الشهير كان نشر صورةً للقرآن وتحتها تعليق "كتب غيرت العالم"، فحصدت 39 ألف إعجاب، و4500 مشاركة، وعندما رد عليه أحد المعلقين "هذا الكتاب مصدر العنف والقتل"، قال كويللو، "هذا غير صحيح. أنا مسيحي ولقرون طويلة حاول المسيحيون أن يفرضوا دينهم بقوة السيف – راجع الحملات الصليبية – قتلنا النساء وقلنا عنهن ساحرات – وحاولنا أن نوقف العلم – مثلما حدث لغاليليو – فالعيب ليس على الدين وإنما على استغلال البعض له".
حكاية حكّاء
ولد باولو كويللو في ريو دي جانيرو في العام 1947، وبعد التحاقة بدراسة القانون تركها ليسافر. عمل كاتبا للأغاني، وفي العام 1974 قبض عليه بسبب كلمات قصائده المناهضة للحكم العسكري في البرازيل وسجن 3 مرات لنشاطه السياسي وتعرض للتعذيب في السجن.
في العام 1982 نشر أولى رواياته "أرشيف الجحيم"، والتي لم تلق نجاحا، بعدها بأربعة أعوام وأثناء زيارة لإسبانيا قام بالحج سيراً على الأقدام لمقام القديس جايمس في كومبوستيلا، ووثق تلك الرحلة فيما بعد في كتابه "الحج".
أما روايته الأشهر "الخيميائي" فنشرت في العام 1988، وهي الكتاب الأكثر ترجمة في العالم لكاتب على قيد الحياة. في 2009 تحولت روايته "فيرونيكا تقرر أن تموت" إلى فيلم سينمائي.
كتب 30 رواية من بينها "على نهر بيدرا جلست وبكيت"، و"الجبل الخامس"، و"الشيطان والآنسة بريم"، و"الفالكريز"، و"ساحرة بورتابيللو"، و"بريدا" إلى جانب آخر رواياته "الزانية"، ويعيش الآن وهو على أعتاب السبعين، مع زوجته الفنانة كريستينا اويتيشيكا بين أوروبا والبرازيل.
الجنون طريق للحرية
ربما يفهم كويللو "الاختلاف" ويقدره أكثر من غيره، فقد حكى أنَّ أهله أدخلوه مصحّاً للأمراض العقلية ثلاث مرات، حين كان في الـ 17 من عمره، ليثنوه عن حلمه بأن يصبح كاتباً، ويدفعوه إلى مسار أكثر جدية.
لكنه يدرك أنهم فعلوا ذلك لمصلحته عندما توقَّف عن الدراسة وبدأ يميل إلى العزلة، رافضاً ممارسة أي نشاط ما عدا القراءة.
ولم ينظر كويللو إلى نفسه على أنه ضحية، لأنه أدرك أن أهله فقط لم يتمكنوا من فهم "اختلافه" فظنوه مجنوناً، وكان جنونه هذا هو طريقه إلى الحرية. وبعد 35 عاماً كتبت رواية من وحي تلك التجربة بعنوان "فيرونيكا تقرر أن تموت".
العروبة والإسلام .. عشق كويللو وسّره
عندما سئل باولو كويللو عن أحداث بعض رواياته التي تدور في عوالم بعيدة عنه – وهو الأميركي الجنوبي – كالأندلس، ومصر، وفينيقيا وحضاراتها القديمة، قال إن السر يكمن في سحر الحكاية، حيث كان مولعاً في طفولته بقصص ألف ليلة وليلة، رغم عدم فهمه لها.
أما السر الثاني فهو أستاذ برازيلي أطلق على نفسه اسماً عربياً: مالبا طحان، والذي كانت كتبه تعبر عن عشق للثقافة العربية، ومن قراءتها في فترة المراهقة، وقع كويللو في هوى الثقافة العربية.
يعترف صاحب الرواية الشهيرة "الخيميائي" أن تلك الرواية بالنسبة له هي كتاب عن الحضارة الإسلامية، ويقول إنه لا يدعي معرفة عميقة بالإسلام، لكنه يعرف أن الثقافة العربية أسهمت بالكثير في الحضارة الإنسانية في الفن والعلم والفلسفة والطب.
ومن تلك الثقافة العربية الإسلامية، يقول الأديب البرازيلي إنه اكتسب نظرةً جديدةً للحياة، ربما لأنها ثقافة قريبة من الصحراء تساعد على تبسيط الأمور دون تسطيح. ويعترف أنه منذ بدأ احتكاكه بها، صار الإلهام رفيقه الذي يأتيه طائعاً.
هذا العشق للثقافة العربية قد يفسر ميل كويللو إلى الشكل السردي البسيط الأقرب إلى الحكاية منه إلى الرواية الحديثة ذات البناء العقلاني المركب؛ فالحكايات تترك مناطق غائمة كالحكاية العربية التي تتوجه إلى الطفل في داخل الإنسان لتخبره بالملموس، لكن من خلال الخيال والرمز، وهي على العكس من الـ "أنا" – التي لا تأبه للآخر – المسيطرة على الرواية الغربية.
عندما يكتب كويللو لا يفكر غالباً بردود أفعال القراء، لكنه يعرف أن مبيعات كتبه للقراء العرب تجاوزت النصف مليون نسخة – غير القرصنة بالطبع – ليتأكد من أن لغة روائية بسيطة يمكنها أن تصنع الجسر المفقود بين ثقافتين تبعدهما الجغرافيا كثيراً، وينساهما التاريخ أحياناً.
مالا تعرفه عن "الخيميائي"
1- صرح كويللو في حوار مع صحيفة The Guardian البريطانية في العام 2009، إن كتابة رواية "الخيميائي" استغرقت أسبوعين لأنها "كانت مكتوبة في روحي بالفعل"
2- لم تنجح في أول طبعة، طبع منها فقط 900 نسخة باللغة البرتغالية في البرازيل ورفض الناشر إعادة طبعها. وكان النجاح المدوي مع الترجمة الإنكليزية.
3- تم نشر الرواية في 119 دولة في العالم.
5- ظلت 300 أسبوعاً على رأس قائمة الكتب الأمكثر مبيعاً في صحيفة New York Times الأميركية.
5- ترجمت إلى 80 لغة ودخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكثر رواية تم توقيع ترجمات لها في حفل توقيع واحد، حيث وقع كويللو نسخا بـ 53 لغة في معرض فرانكفورت للكتاب في العام 2003.
هكذا تحدث كويللو
عندما طلب من كويللو أن يعرف نفسه ببساطة كان هذا موجز ما قاله عن نفسه:
* البيت الذي شببت فيه لم يعد له وجود لكن طفولتي أبدا لن تنمحي.
* عندما كنت طفلاً كانت أولى رغباتي أن أصبح مصوراً عندما أكبر.
* الرمي بالقوس هواية مفضلة وأجيدها تماماً. ذلك التوتر الأقصى للقوس قبل الإطلاق، والاسترخاء التام بعدها بثوانٍ، صارت طريقتي في التفاعل مع الكون فيما بعد.
* قد لا يعرف العالم أنني لا أجيد الغناء، لكنني كلما وقعت يدي على غيتار أعزف وأغني، وأصدقائي "يتحملونني".
* في كثير من الليالي أحلم بما سأكتبه في مدونتي، أو على تويتر أو فيسبوك في الصباح التالي.
* الكتابة عمل وحيد تماماً. عندما أكتب رواية أجدني في مواجهة روحي، وهذا أحيانا يقودني إلى عوالم لم أظنها موجودة داخلي. وعندما أنتهي من رواية يكون لدي الشعو بأني أنجبت مولوداً له حياته المستقلة التي تأخذه بعيداً عني إلى قلوب القراء مباشرة.
* الانترنت الذي يحمل إلي ردود أفعال القراء في تعليقات ورسائل على مدونتي أو صفحتي على فيسبوك يجعلني أشعر أنني لست وحيداً.
* ما أراه عندما أنظر في المرآة هو أنني أحتاج إلى تغيير المصباح الكهربي فلا ضوء يكفي كي أراني، وهكذا هو الحال منذ عامين كاملين.
* العمل الفني المفضل لدي هو بورتريه ارنولفيني للرسام فان آيك، وأراها أهم لوحة في العالم، مع كل الاحترام للموناليزا التي أجد أن هناك تقديراً مبالغاً فيه كثيراً لها.
* أحب ارتداء الكيمونو الياباني، وأحب أن أنام عارياً.
* المبنى المفضل لدي هو كاتدرائية شارتر في فرنسا، بنوافذها من الزجاج الملون ومذبحها الذي يذكرني بالرحلة من الحياة إلى الموت.
* غيرتني كثيراً قراءة رواية مدار السرطان لهنري ميللر، ففي أثناء قراءتها اكتشفت أنك كل صفحة تكتبها تحتاج إلى الدم.
لا ندم.. لكن كثير من الدموع
* ليس هناك ما أندم عليه. فقد فعلت كل ما أردت، حتى وإن كان ثمنه غالياً – وقد كان هذا هو الحال معظم الوقت.
* في صغري كنت أحب النجمة أودري هيبورن لكني لم أجرؤ على إخبار أحد.
* الأشرار في نظري هم المتطرفون الذين يمكنك أن تجدهم في كل دين على وجه الأرض.
* أبكي بسهولة أحياناً وأنا أشاهد فيلماً أو أثناء محادثة تليفونية مع صديق، أو حتى لمشهد الغروب.
* حياتي لو لخصتها في 6 مفاهيم هي: في نعمة، في رحلة حج ، رامي قوس، كاتب ، مدمن انترنت.
* خطتي الخمسية القادمة: أن أظل أتنفس!