عندما تشعر أن الوقوف في مكانك ليس حلا، فقد ترى أن الحل إما بالتقدم إلى الأمام أو بالعودة إلى الخلف..
فيما يلي قصتان لفتاتين مصريتين هما "منة" و"هالة"، يجمع بينهما أنهما كانتا تنتميان عموما إلى ذلك التيار الإسلامي الذي كان يؤمن بنشر أفكاره وبتغيير المجتمع عبر الدعوة أو المشاركة السياسية.. الآن قررت إحداهما أن تتقدم إلى الإمام مفضلة "داعش"، وقررت الثانية أن تعود إلى الخلف وخلعت الحجاب.
القصتان تمثلان نموذجا لما فعله تسارع الأحداث في السنوات الماضية عندما أقنع كثيرا من الشباب بتغيير الطريق الذي ساروا فيه مدة إلى الزمن حتى صار كثير من رفاق الأمس على طرفي نقيض!
نحو داعش
"أنا من أسرة ملتزمة دينياً تربيت فى كنف الدعوة السلفية، وآمنت بكل الأفكار، والتي على رأسها أن الدعوة من خلال المساجد، وأنها خارج المساجد فتن.. نغذي أنفسنا أولاً دينياً وتربوياً وأخلاقياً ونتدارس ونتعلم ونقرأ ونحفظ ونترك العالم الخارجي فيما هو فيه، فلا علاقة لنا بالسياسة ولا الحكام، لم أكن أكترث لتلك الأشياء، فكفاني بعلمي وما أحفظ، لتأتي الثورة بما تشتهي ولا تشتهي الأنفس، فبدأت مرحلة من الصراع النفسي الداخلي".
هكذا استهلت هالة محمد كلمتها لتحكي لـ "عربي بوست" عن دوافعها وراء الإيمانها بأفكار "داعش" والترويج لها. بدأت رحلة تحولاتها الفكرية منذ بداية الثورة، على حد قولها، فاصطدم ما تعلمته طوال حياتها بواقع مختلف.
تقول، "بعد أن علمونا أن لا سياسة في الدين، وأن الدعوة بالمساجد، وأن الثورة والخروج على الحاكم حرام، أجدهم أول المشاركين فى السباق الانتخابي بعد الثورة، لتبدأ موجة من التبريرات، أقتنع بها تارة، وشوشتني تارة أخرى، ثم بدأت موجة أخرى من الصراع على الكراسي لأرى أساتذتي فى الدعوة السلفية تركوا مقاعدهم الدعوية بحثاً عن كراسي الحكم".
هالة ذكرت أن لحظات التحول جاءت بعد احتجاجات 30 يونيو/حزيران 2013، حين تلقت عشرات "الصدمات" واحدة تلو الأخرى، لتنكسر أمام عينيها "تابوهات"، ما كانت لتنكسر أبداً على حد قولها.
تضيف الشابة المصرية، "ما بين التنازلات الكثيرة للدعوة السلفية التي تربيت في كنفها، وانهزامات الإخوان ومناصريهم المتتالية، دخلت في حال عزلة واكتئاب لفترات طويلة، أشاهد من بعيد كل السقطات من حولي، حرمات تنتهك ودماء تسيل وأبرياء يظلمون ويعدمون ودين يهان".
وتتابع، "ثم ظهر تنظيم (داعش) على الساحة، فتجاهلته فى البداية ثم انتبهت وبحثت وتتبعت آثاره وأخباره، وشاركت في أكثر من منتدى الكتروني، وتابعت إصداراتهم وأخبارهم على مواقعهم الخاصة، ومن ثم بدأت الإيمان بهم، حاولت كثيراً السفر لكن حالت الظروف بيني وبين ذلك".
خلع الحجاب
على الجهة المعاكسة، كان تأثير الأحداث المصرية في السنوات الـ 5 الماضية على منة أحمد (20 عاماً) مختلفاً كلياً. فقد اعتقل والدها وسافر أخوها هرباً، وبقيت منة تعايش أحداث فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة"، وعدداً من الأحداث المختلفة التي سالت فيها الدماء ابتداء من عام 2013.
كان إيمانها بالدفاع عن الإنسان وحريته عاملاً من عوامل تحرّرها، على حدّ وصفها، فبعد أن سلب منها النظام حرية أسرتها حاولت أن تجدها بشكل آخر.
تقول منة، "خلعت الحجاب برغبة مني دون ضغط، فهو قرار شخصي ليس لأحد الحق في التدخل به، واجهت صعوبات كثيرة فى بداية الأمر، وخاصة من أسرتي نظراً لنشأتي فى أسرة ملتزمة دينياً، إلا أنهم تقبلوا الأمر بعد ذلك، مع محاولتهم لنصحي من وقت لآخر".
وتضيف، "كان الضغط النفسي الذي سببته الأحداث في مصر عاملاً كبيراً في قراري، وعاملاً كبيراً في تجاهل أسرتي للأمر أحياناً".
واجهت منة الكثير من الانتقادات، كما تلقت الكثير من كلمات التشجيع والثناء على ما قامت به من "تحرر" و"حرية رأي"، كونها تحجبت في سن صغير بطلب من أهلها.
منة تابعت حديثها لـ "عربي بوست" عن أسباب خلعها للحجاب قائلةً، "وجدت تعليقات على موضوع الحجاب ما بين المؤيد لخلعه بوصفه رمزاً للجهل، وما بين شعار (حجابي عزتي وعفافي وكرامتي)، والاثنان عندي أسوأ من بعض".
وتتساءل "منذ متى يتم قياس الحرية والعفة والعزة بالملابس؟ رأيي دائماً أنه ينبغي على كل واحد فينا أن يركز على نفسه، سواء كان يريد الحجاب أم لا".
تقول منة، "بالرغم من أن بعض الأصدقاء قطعوا صلتهم بي، وبعضهم الآخر لم يعلق على الأمر، فإني أشعر بخيبة أملهم، ومع ذلك فأنا ماضية في طريقي، طباعي لم تتغير ولا أسلوبي منذ أن خلعت الحجاب، فضلاً عن عشرات التساؤلات التى تضايقني، فعندما قمت بارتدائه لم أقدم أسباباً عن ذلك لأحد. فلماذا عند خلعه يجب أن أقدم الأسباب؟ علاقتي بربي بيني وبينه ليس لأحد أن يتدخل بها أو يحاسبها".
تراكمات نفسية واجتماعية
نهي محمد هي طبيبة نفسية، وتعليقها على القصتين السابقتين (وهما متكررتان) هو أن كل الظواهر الحديثة في المجتمع المصري بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة، ما هي إلا نتيجة تراكمات نفسية واجتماعية داخل نفوس الشباب كونتها الظروف السياسية على مدار عقود، وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة.
وتابعت "اتجاه الشباب وانضمامهم أو مجرد تأييدهم لتنظيم (داعش)، كان من أهم أسبابه اليأس، فقد وصل الشباب إلى مرحلة من فقدان الأمل من التغيير أو الإصلاح داخل بلادهم بعد ثورات في مختلف بلاد العرب، فتشبثوا بمن يملك القوة والسلاح للدفاع عن حقوقهم وأوطانهم".
وأرجعت نهى أسباب لجوء الشباب إلى تلك الجماعات، التي تتبنى منهج العنف، إلى غياب الديمقراطية الحقيقية في بلادهم وضياع أبسط حقوقهم.
وعن الاتجاهات الأخرى التي لجأ إليها الشباب في السنوات الأخيرة كالتصوف والإلحاد وخلع الحجاب – خاصةً بين الأسر الملتلزمة وذات التربية الإسلامية -، تقول نهى إن انشغال الأسر والأهالي بالأحداث الجارية أفقد الأبناء الحس بالاحتواء والنصح والمتابعة، في ظل أجواء اجتماعية محيطة ترفض الحجاب وتحاربه.