في إحدى ضواحي دمشق التي مزقتها الحرب، جمع المقاتلون الثوار مكتبة تضم 15 ألف كتاب لإحياء آمال وطموحات الثورة، وأطلقوا عليها اسم مكتبة "فجر".
يسيطر صقيع الشتاء بالخارج على المدينة البالية التي دمرتها الحرب والمباني المتفجرة وأكوام الأنقاض والنفايات المحترقة التي تشعلها الطائرات الحربية المدوية في السماء أو مروحيات النظام المحمّلة بالقنابل المصنوعة من الديناميت والقطع المعدنية.
ومع ذلك، يصبح العالم فيما وراء حدود سوريا مفتوحاً داخل قبو بأحد المباني السكنية بضاحية داريا في دمشق.
إنه مكان للتعلم وطرح الأفكار، حيث تتجمع الكتب التي تم إنقاذها من وسط حطام الحرب ليصبح المكان بمثابة مكتبة مؤقتة تضم 15 ألف مجلداً، وفق تقرير نشره موقع بزفيد الأميركي، الخميس 4 فبراير/شباط 2016.
القراءة على أضواء الشموع
هناك نسخة من كتاب للتاريخ القديم ورفّ مكتظ بقصص الأطفال، وكتب لتوني روبنز، بالإضافة إلى رواية للكاتب جيه. إم. كويتزي، ومجلد إسلامي وبعض الطبعات من الشعر العربي لمحمود درويش أو نزار قباني.
ويمكن قراءة كل هذه المطبوعات على أضواء الشموع أثناء فترات انقطاع التيار الكهربائي المطولة، كما يقرأها المقاتلون أثناء تواجدهم بالجبهة.
الموقع الأميركي نقل عن أحمد، أحد المنظمين الرئيسيين المتحدث الرسمي باسم المكتبة، قوله: "رغم كل هذا الدمار، نحتاج إلى التمسك بثقافتنا والحفاظ عليها".
ترسم اللقاءات التي أجريت مع مجموعة من المقاتلين وكذلك صور ومقاطع فيديو مكتبة داريا شرقي دمشق، صورة مختلفة للثورة السورية وتوحي بأن الأمل في تحقيق التغيير الاجتماعي الذي نشأ مع ثورة 2011 ضد نظام الأسد لم يخمد بعد.
عمر أبو أنس، الطالب الجامعي البالغ من العمر 24 عاماً والذي تحول إلى مقاتل يرتاد المكتبة من حين لآخر، قال: "رغم ما يظنه الناس بنا، فلدينا مطالب ورسالة يتعين توصيلها. حينما تمت مهاجمتها، دافعنا عن أنفسنا. ورغم أنكم تدعونني جهادياً، فأنا من الجيش السوري الحر وأريد إسقاط النظام لبناء حكومة جديدة والعيش في مجتمع حر".
معاناة داريا
عانت ضاحية داريا، التي تمثل معقلاً للمعارضة السورية المعتدلة المناهضة لكل من نظام الأسد وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من اعتداءات همجية على أيدي قوات النظام في أغسطس/آب 2012. وبعد فترة وجيزة، قامت الحكومة بشن هجمات أخرى، ما أدى إلى قيام البعض بحمل السلاح وتشكيل ما يُعرف باسم الجيش السوري الحر. وجاء رد الحكومة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بفرض الحصار على المنطقة.
ومع استمرار الحرب، تدهورت أحوال الحياة في داريا وفرّ عشرات الآلاف إلى مناطق أخرى وإلى خارج البلاد. وكانت مروحيات النظام وطائراته الحربية تستهدف منازل المقاتلين والمدنيين على حد سواء، بالإضافة إلى المدارس والمستشفيات.
الكتب وسط الحطام
وفي وسط الحطام والأطلال، كان المقاتلون والمتطوعون يعثرون على الكتب وسط الأمطار.
وأضاف أحمد: "تعرضت مجموعات كبيرة من الكتب للتدمير. وبدأنا نجمع الكتب من الأماكن المعرضة للدمار".
وتحدث أحمد عن مجهودات نحو 40 شخصاً، معظمهم من طلاب الجامعات الذين هجروا دراستهم جراء الحرب في نهاية عام 2013.
وتابع بقوله: "كنا نبحث تحت أنقاض المنازل ونستخرج الكتب ونضعها في سيارات وننقلها إلى المكتبات". وهكذا تأسست مكتبة فجر، وهي أول مكتبة مجانية بالمدينة. وتعمل المكتبة من الساعة الـ11 صباحاً إلى الـ5 مساءً خلال فترات توقف القتال. ويزور المكتبة نحو 25 شخصاً يومياً.
وانضم البعض للمساعدة في جمع شتات الكتب.
نظام للمكتبة
أبو ماجد، أحد أعضاء الجيش السوري الحر، تمكن من وضع نظام لتنظيم المكتبة وتقسيم الكتب إلى فئات. وبعد أن لقي مصرعه عام 2014، استكمل آخرون عمله.
ورغم قلة عدد النساء اللاتي يأتين إلى المكتبة، يستعير العديد من الرجال الكتب من المكتبة من أجل زوجاتهم وبناتهم وشقيقاتهم. والبعض يعرف تحديداً ما يريدونه من كتب، بينما يتصفح آخرون العناوين لاختيار ما يناسبهم أو يستعينون بأمناء المكتبة للبحث عنها.
ويذهب المتطوعون إلى أصحاب مجموعات الكتب ويجمعون الكتب أيضاً من المنازل المهجورة.
بناء الديمقراطية
وبعد انتهاء الحرب، يستطيع أصحاب تلك الكتب استعادتها مرة أخرى أو تركها للمكتبة. وقد ساعدت الكتب الكثيرين في رفع معنوياتهم.
كتاب "الكيميائي" كان واحداً من بين أشهر الكتب في ضاحية داريا ويتناول قصة راع إسباني يسعى لتحقيق حلم ينقله إلى مصر بحثاً عن كنز مدفون.
وساعدت الكتب المقاتلين على مواجهة المخاطر اليومية ومسايرة الواقع. وقد أنهى أيمن أبو البراع البالغ من العمر 23 عاماً دراسة الاقتصاد بجامعة دمشق عام 2012 قبل أن ينضم إلى الجيش السوري الحر.
ويقرأ أيمن الكتب الإسلامية والترجمات العربية للكتب الأميركية. ويعتبر كتاب "القوقعة" للكاتب السوري مصطفى خليل من بين الكتب المفضلة لديه، حيث يتناول الحياة والمعاناة داخل سجون الأسد. وقد قرأ أيمن الكتاب مرتين.
ويأمل المنظمون بأن تسهم المكتبة في بناء الديمقراطية بمجرد انتهاء النزاع. ففي مدارس نظام الأسد يقرأ السوريون كتاباً للدراسات الاجتماعية يشجع على الخضوع والخنوع للحكومة.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن موقع Buzzfeed الأميركي، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.