الحالة الدينية في مصر خلال 12 قرناً من الزمان في معرض بالمتحف البريطاني

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/17 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/17 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش

يقيم المتحف البريطاني في العاصمة لندن، بين الفينة والأخرى، معارض متخصصة في مواضيع شتى، إذ يتيح مقتنياته للزائرين بطرق مختلفة تشمل العرض التقليدي للمقتنيات والقطع الأثرية بالإضافة لعروض مرئية ومكتوبة.

لكن المعرض الذي يقيمه حالياً هو المعرض الدولي الأول من نوعه والذي يغطي الحالة الدينية في مصر خلال 12 قرناً من الزمان التي أعقبت العصر الفرعوني تحت عنوان: "مصر.. الدين ما بعد الفراعنة".

هذا المعرض الرئيسي يستضيفه المتحف البريطاني في إحدى قاعاته الكبرى، ويمتد على مدار نحو 3 أشهر بدءاً من ٢٩ أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى ٧ فبراير/شباط المقبل.

ويعرض مراحل تحول أغلبية السكان إلى الديانة المسيحية ثم إلى الإسلام بعد ذلك في ظل ازدهار مجتمعات دينية يهودية لعبت دوراً مهماً في ظل هذه الحقب الزمنية المختلفة.

قطع فريدة

يقدم المعرض لزائريه باقة متنوعة من الآثار والمخطوطات والمقتنيات الشخصية يبلغ عددها نحو 200 قطعة فريدة والتي تعتبر مرجعاً يصفه المختصون بأنه لا مثيل له لحياة الأفراد والمجتمعات في مصر على مدى العصور. كما يروي قصة غنية عن التأثير والتبادل الثقافي والتعايش السلمي بين الأديان في مصر مع فترات متقطعة من التوتر والعنف. الأمر الذي يصفه القائمون على المعرض بأنه تحولات تاريخية صاغت العالم المعاصر الذي نحياه اليوم.

يبدأ القسم الأول من المعرض بدءاً من عام ٣٠ قبل الميلاد مع موت كليوبترا ومارك أنطونيو حين أصبحت مصر جزءاً من الإمبراطورية الرومانية، وتستمر الرحلة داخل المعرض حتى عام ١١٧١ ميلادية عندما انتهت حقبة عصر الخلافة الفاطمية الإسلامية في البلاد. وخلال هذه الفترة شهد توسع الإمبراطورية الرومانية تطوراً للديانة اليهودية وظهور المسيحية.

وتبين أعمال النحت المعروضة الانصهار والتداخل الذي حدث بين الثقافات والأديان في تلك الفترة، فعلى سبيل المثال اعتمد الرومان رأس المعبود حورس الذي يأخذ شكل صقر المأخوذ من العهد الفرعوني رمزاً لسلطتهم وهو يرتدي الدرع الروماني.

ويظهر خلال المعروضات مدى التأثر بقصة النبي يوسف (عليه السلام) ودوره في مصر القديمة والتي وردت في الإنجيل، فهناك قطعة من الملابس تعود إلى الفترة ما بين القرنين السابع والثامن الميلادي يرجح أنها جاءت من أخميم، وهي جزء من أكمام رداء منقوش عليها مشاهد من قصة النبي يوسف تبين رؤياه الشهيرة، حيث تظهر الشمس والقمر والكواكب بالإضافة لأبيه وأمه وإخوته. ويبين المعرض كيف ساد اعتقاد مسيحي مع حلول عام ٤٠٠ ميلادية بأن أهرامات الجيزة كانت تستخدم كصوامع لتخزين القمح في عهد النبي يوسف (عليه السلام).

أما دور العبادة فقد شهدت هي الأخرى تحولات، فقد أقيمت كنائس على أجزاء من معابد قديمة.

معابد وكنائس ومساجد

وتشمل العروض فيلماً وثائقياً قصيراً عن الأديان في مصر، يبين آثار المعابد والكنائس والمساجد على مرّ العصور. كما يصاحب ذلك صور أثناء اعتصام التحرير في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وحماية المسيحيين للمصلين المسلمين. وذلك بالإضافة لدور عدد من المسلمين في حماية كنائس من أي اعتداء.

واعتبر الفيلم أن الأدلة التاريخية تشير إلى سيادة هذا النمط من التعايش بين الأديان المختلفة في مصر، رغم أن التوتر والعنف قد خيّما على هذه العلاقة في فترات مختلفة، لكنه يبقى الاستثناء الذي يثبت الأصل هو سيادة مفهوم التعايش.

ويختتم المعرض أقسامه بعرض لنماذج من مخطوطات نادرة تعرف بأوراق الجنزا وجدت في كنيس بن عزرا. وهو معبد يهودي قديم يقع في مدينة الفسطاط التاريخية في القاهرة القديمة. وكان يتم تخزينها في غرفة معزولة من المعبد أو الكنيس وهي مشتقة من كلمة جنازة باللغة العربية وتعني مدفون أو دفينة. ولا يجوز إبادتها وفقاً للديانة اليهودية، حيث يتم تجميعها كل فترة ودفنها في مقابر. وتعود هذه المخطوطات النادرة إلى ما بين القرنين ١١-١٣ الميلادي وتوثق لأوضاع اليهود المعيشية وعلاقتهم مع المجتمع المحلي وصلاتهم الخارجية مع دول مثل إسبانيا والهند. وقد كتبت باللغات العربية والعبرية والآرامية.

وقد أصدر المتحف كتاباً عن المعرض يبين ما شمله من مقتنيات بالصور وبه مقالات لأكثر من ٤٥ خبيراً دولياً في مجال الآثار والتاريخ. كما أقيمت سوق صغيرة مع نهاية جولة الزائرين يباع بها منتجات تحمل تحمل أشكالاً وردت في المجموعة المعروضة.

من جانبها اهتمت وسائل الإعلام البريطانية بهذا المعرض، وتقول الدكتورة أهداف سويف بصحيفة "الغارديان" إن المعرض يمثل لها كمصرية مغتربة أهمية شخصية كبرى. وذلك لأن تغطية وتحليل شؤون مصر والشرق الأوسط في الغرب ارتبطت إلى حد بعيد بالصراع والعنف.

والأمر لا يتعلق فقط – حسب قولها – بالمعارك السياسية ولكن بالمصالح الجذرية التي تمثلها هذه المعارك والتي من شأنها أن تحول هذه المعارك إلى نزاعات صفرية وحروب على أساسي ديني. وترى أن هذا المعرض بمقتنياته النادرة يعد فرصة هامة لاستلهام نقاط مضيئة في الماضي يمكن أن تنير درب السياسة الراهنة والعلاقات بين الدول.

أما الناقد أليستر سوك فقد قال في جريدة "الديلي تليغراف" إن التاريخ القديم من دون مثل هذه المعارض يصبح شديد الجفاف، فهذا المعرض ينقل لنا الحياة الروحية المعقدة لأسلافنا بطريقة شيقة. ويشير إلى أنهم اعتادوا تناول تاريخ مصر القديمة في المعارض عن طريق استعراض طرق الدفن الغريبة والتماثيل التي يتم عبادتها وتحمل رؤوس حيوانات، لكن هذا المعرض يحمل نمطاً جديداً غير معتاد لتناول الوضع في مصر القديمة في فترة زمنية طويلة تتجاوز 1000 عام.

علامات:
تحميل المزيد