أيّتها المرأة.. لا تحتسبي الأجر!

التقرب إلى الله وتقواه لا يستلزم -إطلاقاً- التنازلَ عن حقك في الحياة، فـ"إن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، ومن أجلى مظاهر القوة الممدوحة النهوضُ للمطالبة بالحقوق، فالضعيفُ حقاً هو المتخاذلُ دائماً، ليتحول ضعفه الاختياري إلى استضعاف يمارسه الآخرون بحرّية، لأنه قد جبُنَ عن الصمود والمجابهة، فهو يُؤثرُ الانسحاب مغطياً هزيمته بألفاظٍ تفويضية كاذبة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/31 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/31 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش

حياة المرأة تَعَبٌ كلُّها، بدءاً من الولادة وانتهاءً بالوفاة، وتزداد الأمور صعوبة حين تفقد أحد الأبوين لتبدأ عملية مضاعفة الاجتهاد فلا يحركها شيءٌ كالعَوَز. دافعُ التفوق لا يُستهانُ به، ولن تستصعب شبهة تُقتل بها المحاولات كتوهم الممكن مستحيلاً، فلا بدَّ أن نفهم ما تحت الألفاظ جيداً، إذ اللفظ حينما يُخلعُ على غير مدلوله يصيرُ آليةً للتضليل والمخادعة، طامسة للتصور، فيفسدُ الوعي، ليتعدّى الضررُ بعد ذلك إلى ردود الأفعال تجاه واقعٍ ما، فهذا ما أسميه "الضلال الدلالي"، إن هذا يشبه فكرة "احتسبي الأجر" التي هي المعادلُ اللفظي لمدلول "كفّي عن المطالبة بحقكِ". المعاني قد يتمُّ تحويرها اجتماعياً، بحيث يُستر المدلول السلبي بمسوحٍ دينية مزيفة، وهذا تلاعبٌ بالدين واللغة معاً.

التقرب إلى الله وتقواه لا يستلزم -إطلاقاً- التنازلَ عن حقك في الحياة، فـ"إن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، ومن أجلى مظاهر القوة الممدوحة النهوضُ للمطالبة بالحقوق، فالضعيفُ حقاً هو المتخاذلُ دائماً، ليتحول ضعفه الاختياري إلى استضعاف يمارسه الآخرون بحرّية، لأنه قد جبُنَ عن الصمود والمجابهة، فهو يُؤثرُ الانسحاب مغطياً هزيمته بألفاظٍ تفويضية كاذبة. وهذا يعني -في الحقيقة- أن حالة الاستضعاف التي قد يعيشها أي إنسان أو شريحة نابعة من إنكاره -هو- لذاته وتهميشها أصلاً، فكان استلاب الآخرين له كالاستجابة المتوقعة لتهميشه لنفسه هو قبل غيره، وفي هذا المعنى خطبَ مارتن لوثر كنج..

وقد قال أبو حيان: "العدل فعل كل مفروض من عقائد وشرائع، وسَيْرٍ مع الناس في أداء الأمانات وترك الظلم، والإنصاف، وإعطاء الحق".. وجرت العادة أن العدل حينما يُطلق؛ فإنما يُراد به عرفاً: حقوق الأفراد تجاه بعضهم أو تجاه المؤسسات الرسمية أو غيرها..

إن الحقوق لا تُنال إلا بمجاهدة وصبر واحتمال وعمل.. والمرأة سيدة نفسها تعرف الحق وترقبهُ، لكن من عادة الجبان أنه يرضى بأي شيءٍ، أو حتى بلا شيءٍ، ليتجنبَ مثل هذا الكفاح. والواقعُ يشهد أنه لا يحظى إلا بأقلّ الحظوظ وأخسها، فهو يتنازل ثم لا يُحمد له ذلك أيضاً، لأنه بتخليه عن حقه جعل الآخرين لا يرون له حقاً أصلاً، ولذا فهم لا يرون في كل هذا التخلي الفاحش سوى أنه "حالة طبيعية"، بل إنهم ليرون في مخالفة هذا المعهود الظالم أمراً ليس طبيعياً البتة، ولكَ في المعاملات المادية مثال؛ المرء استمرأ ذلك منك حتى باتَ عادةً مضطردةً، بحيث يكون الخروج عنها تمرداً لا يمكنهم القبول به، وفي حالة المواجهة بين الطرفين ستفرضُ الصابرة المحتسبة في سبيل حقها، لتتغيّر المعادلة الاجتماعية، ولتعود حقائق اللغة والدين، ومن سعى لانتزاع حقه، فهو ضربٌ من الجهاد.

لا يسوغ التحسّبُ سوى للعاجزة، التي تحققت من عجزها، فثبتَت أن قدراتها لا تمكنّها من نيل حقها، فهذه تفوضُ أمرَهُا لله تعالى، مع أن المرأة في حقيقتها حثيثة المطالبة تستمدُ العون من الله ومن عملها وكفاحها في أن تصيبَ. لكن السؤال: هل هي حقاً ضعيفة لا تقدر على شيءٍ؟ والأهم أن ندرك أن الضعف إذا اجتمع وتراكم ونُظّم صارَ قوةً. وهل السيلُ إلا اجتماعُ النقط، ليتداعى بعد ذلك تحت وطأته وضغطه أعتى السدود المنيعة.
إن السيول الجارفة ليست إلا قطرات، اجتمعت، فانتظمت، فتدافعت، لتجرفَ الهشيم عن طريقها، ولتصلَ إلى مستقرها من الأرض.

الشأنُ إذن في التنظيم، ولحشد الطاقات وتثويرها فنون وأفكار ومشكلة الحقوق عموماً أنها لا تسترد بالأماني والحسبلات المتخاذلة التي تأباها السماءُ والأرض!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد