فوبيا الحب

بعيدًا عن التقاليد والأعراف، هناك من تتلبسه حالة الفوبيا من الحب من الرجال لا لشيء سوى أنه يخلق به حالة من الضعف تجاه من يحب ويجعله مستكينا خاضعا بعدما كان يأمر وينهى، فرجولته تمنع من الاعتراف حتى لنفسه بأنه يهيم صبابة كي لا يفقد قوامته حتى وإن كان مقترنا بمن يحب، فتجد زوجته المسكينة تعاني ظنا منها أنه بارد الأحاسيس.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/29 الساعة 07:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/29 الساعة 07:28 بتوقيت غرينتش

أصبحنا نخاف تلك الكلمة الصغيرة البسيطة التي تتكون من حرفين متلاحمين متشابكين حتى تخال أنهما حرف واحد، وسط مجتمع شرقي يجرم الشغف والمحبة كلاما وممارسة.

فما إن تنطق بكلمة الحب أو واحدة من مرادفاته حتى تجد نفسك تلاحق بنظرات عار أو شتيمة، أما إن كنت شجاعا وقررت الكتابة أو القراءة عنه أو حتى عيشه أمام الملأ فستصبح مذنبا حتى تنبث براءتك بتوبتك وعدم ردتك. أصبح مصطلح الحب ضربا من الجنون أو الخيال، فما إن تخرج شفاهك الحاء حتى تتهم بأنك غير واقعي تعيش في عالمك الخاص، كونه أصبح مستحيلا الاعتراف بوجوده حتى ولو كان يغلف روحك كاملة في عالم اكتسحته الماديات.

تعود بي فوبيا العشق إلى زمن يشبه زمننا من حيث الفوبيا، إلا أن الكلمة المقترنة بهاته الأخيرة تغيرت فلم تبقَ كلفا، هياماً، عشقاً وصبابة، بل أصبحت حبا أو مادون ذلك دون مغالاة باستثناء بعض الحالات القليلة التي أصبحنا نسمع بها بين الفينة والأخرى، عاد بي إلى حيث تلك القصص الجميلة والتي لم تتوج بالزواج في ظل تقاليد الجاهلية التي تدعو إلى عدم تزويج العشاق، كيفما كانت نتائج هذا الفعل والذي غالبا ما تكون مأساوية بموت أحد الطرفين أو كليهما. ولعل من أشهرها وأجملها وأحبها إلى نفسي قصة عروة وعفراء، الحبيبين اللذين أحبا بعضها إلى درجة الجوى، غرام كلفهما حياتهما بعدما كان كل حياتهما. عشق خالص جمع بين محبين مخلصين قُذف بهما إلى الحياة الأخرى حيث لا ظلم ولا استبداد بالعاشقين..

مات عروة بعد زواج عفراء من رجل آخر وتتبعه هي بعد عدة أيام من الإضراب على الطعام. وقد قال قبل وفاته بعدما اشتد عليه الضنى والسدم
تحملت من عفراء ما ليس لي به ** ولا للجبال الراسيات يدان
كأن قطاة علقت بجناحها ** على كبدي من شدة الخفقان
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا ** وما عقبتها فى الرياح جنوب
وإنى لتعروني لذكراك هزة ** لها بين جلدي والعظام دبيب

كل هذا وما زالت لعنة الحب الضائع تتبعنا إلى الآن. ما زالت فوبياه تمسك بالمجتمع وتسكن بلبه فتجعله يعارض كل حاء وباء، جعلته يعارض الجمال والحب لأن سمعته أصبحت فاسدة، فلفق له كل فساد بدعوى الشغف وكل علاقة محرمة بدعوى الغرام، وأصبحت ممارسة الحب قرينة ممارسة الرذيلة بعدما اكتسحتنا العولمة وأفرغت عقولنا وقلوبنا من ذلك المعنى السامي الطاهر وعوضته بالطريقة الأوروبية الاميركية .على" faire l'amour "
فأصبحنا بين نارين نقف في صف المعتدلين، أمة وسط، تهاجم من طرف الغلو وممارسة الحب الشهواني من جهة ومن طرف التطرف ونبذ الحب كيفا كان من جهة أخرى أمة تناست أن الإسلام هو السباق إلى تغيير تلك النظرة الجاهلية وتنزيهه للحب من كل الشوائب وإعطائه معنى طاهرا يتجلى في قوله صلى الله عليه وسلم. (ما رأيت للمتحابين خيرا من النكاح )
وغير مفهومه كاملا من شيء يستعر منه العرب إلى رزق وهو يتحدث عن أمنا خديجة قائلا
"إني رزقت حُبها"
دين دعا إلى الحب في ممارسة شعائره فكيف لنا أن نخاف من دعوته التي شملت كل شيء ونغلو أو نتطرف..

بعيدًا عن التقاليد والأعراف، هناك من تتلبسه حالة الفوبيا من الحب من الرجال لا لشيء سوى أنه يخلق به حالة من الضعف تجاه من يحب ويجعله مستكينا خاضعا بعدما كان يأمر وينهى، فرجولته تمنع من الاعتراف حتى لنفسه بأنه يهيم صبابة كي لا يفقد قوامته حتى وإن كان مقترنا بمن يحب، فتجد زوجته المسكينة تعاني ظنا منها أنه بارد الأحاسيس. وهدا ما يقع في أغلب الأسر العربية الشرقية بصفة عامة ولن يتغبر بين ليلة وضحاها.. ويبقى لجماليته تفرد خاص رغم عدم اعترافه الشفهي فقد اعترف وهو واقف قلق يطببها ويسهر على راحتها وهي مريضة، قد اعترف وهو يلبي طلباتها ويعمل ليل نهار بتعب كي يراها أجمل النساء. حب وجد وما زال موجودا يغذي الأرواح اعترفت أم لم تعترف بوجوده فبدونه لا نقرضت البشرية مند عقود مضت.

كتبت لكل رجل ومن أجل كل امرأة تريد الإحساس بحبك يوما قولا وفعلا فكيف تخيفك عزيزي الحاء والباء وقد اعتدت أن تزأر في وجه الكلمات المركبة والجمل الطويلة.

أحبوا من أجل الحب الطاهر.. أحبوا رازق الحب أولاً.. أحبوا الإله الأعظم لتفرشوا قلوبكم وتجعلوها سامية تعرف الطريق الصحيح نحو من يستحق الحب فتجعلوا الروحين روحاً واحدة تعارفت فتألفت تحت رابط تحفه الملائكة..
"ان الغرام هو الحياة فمت به صبا فحقك أن تموت وتعذرا"

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد