مهرجان يا أبو الريش إنشالله تعيش

أعود للغرض من المقال بعد أن أبعدت شبح ليلى علوي عن مخيلتي بأن أجبرت نفسي على مشاهدة المرأة الوطواط حتى أستعيد روحي الناقدة.. إن هذه الأزياء ما هي إلا مؤشر على طريقة التفكير وعلى مستوى الوعي ونوع الفن الذي وصلنا له.. والفن والآداب يا سادة هي المرآة التي تعكس حال الشعوب وهي المعلم الرقيق الذي يهذب شعورها ووجدانها.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/18 الساعة 06:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/18 الساعة 06:51 بتوقيت غرينتش

هذه التدوينة بالعامية المصرية

انتشرت في الفترة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام فيديوهات من الشارع تقيس وعي الجمهور وثقافته العامة. وهالني ما وصلنا إليه.. فمنذ متى كان أمه نعيمة نعمين هو النشيد الوطني (في النكتة الساخرة التي أطلقها الفنان محمد صبحي).. وذلك الذي يعتقد أن بوتين هو أقوى رجل في العالم في البوتينج (ومتسألنيش يعني إيه بوتينج).. وتلك العبقرية التي وصلت لاستنتاج عبقري بأن ميعاد الحج هو في العيد الكبير.. والكارثة عندما لم يعرف طلبة المدارس أين يقع المسجد الأقصى.

فيديوهات تميتك ضحكا هو كالبكا.. وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء.
ذكرني ذلك كله بمهرجان القاهرة السينمائي الأخير، أو كما أطلقت عليه مهرجان يا أبوالريش إنشالله تعيش. فقد شاهدنا على السجادة الحمراء العجب العجاب. فما بين تلك التي استثمرت كل ما تملك في المقدمة.. فبدت كأنها مقدمة طلع لها واحدة ست.. للأخرى التي تملك قناعة عكسها تماما وهو أن الاهتمام بالمؤخرة يدفعك للمقدمة فاستثمرت نصف طن الشحم الذي تمتلكه في المؤخرة وادخرت منه عددا محترما من الكيلوات في شفايفها، مع الحرص على فتح منور تهوية في منتصف الفستان، يمكن عشان الدهن ميسيحش من حرارة لمبات الإضاءة..

ورأينا تلك الراقصة ذات الخمسين ربيعا (وكان المهرجان هذا العام تحديدا حكرا على فنانات ربيع العمر) رأيناها في لوك الديك الرومي بألوانه المبهجة، بل إن شيطاني خيل إليّ أنها عندما ستتكلم ستصر أصراتا لا كلمات (سامحني يا رب).. وأخيرا اللوك المفاجأة لوك المرأة الوطواط الآتية رأسا من فيلم "الزومبي يغزو المدينة" التي حطت على السجاة الحمراء فأشاعت البهجة كما لو أنها الفقرة الكوميدية للحفل.

فلتت طبعا من كل ذلك فنانة أول حرف من اسمها ليلى علوي في لوك لا يسعني إلا أن أنقل لها رسالة من ستات مصر نصها "إيه يا شيخة! إنتي كده إزاي يا شيخة؟! مشربتيش مية بفوسفات ولا أكلتي خضار من اللي بيكبر لوحده في التلاجة؟ خافي الله فينا يا شيخة أو إلبسي أزرق عشان إحنا بنحسد وبنقر م الآخر".

أعود للغرض من المقال بعد أن أبعدت شبح ليلى علوي عن مخيلتي بأن أجبرت نفسي على مشاهدة المرأة الوطواط حتى أستعيد روحي الناقدة.. إن هذه الأزياء ما هي إلا مؤشر على طريقة التفكير وعلى مستوى الوعي ونوع الفن الذي وصلنا له.. والفن والآداب يا سادة هي المرآة التي تعكس حال الشعوب وهي المعلم الرقيق الذي يهذب شعورها ووجدانها.

هذة الأزياء كانت تقريرا مرئيا صامتا لحال الفن في مصر.. مزيجا من الألوان الصارخة والريش الذي يفتقد للجمال.. تقريرا يحمل كل مقومات التلوث البصري والسمعي والخلقي.

لم أستطع أمامه إلا أن أتذكر ذلك المخزون الأدبي من الأفلام القديمة التي مصرت روايات الأدب العالمي وأتحتفتنا بخلاصة فكر فطاحل الأدب العربي مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس.. حيث كانت السينما المصرية ملء السمع والبصر ومحل الترحيب في مهرجانات العالم.. حيث كانت نجماتنا ونجومنا حاجة تشرف على السجادة الحمراء.. بينما مهرجان كان الأخير شاهدنا نجماتنا يتألقن بفساتين من إبداع أبونسمة فاشون اللي تحت كوبري وكالة البلح.

وما كان حال الغناء بأبعد من حال التمثيل.. فبينما كان لدينا في عصر واحد عبدالوهاب وأم كلثوم ونجاة وشادية وعبدالحليم والأطرش وفيروز و و و و أصبح لدينا الآن فطاحل الغناء أوكا وأورتيجا وأولاد أبوسليم اللبانين.. واستبدلنا أعطني الناي وغني بفرتكة فرتكة ع الطبلة وع السكسكة.. أصلا يعني إيه فرتكة؟ ويعني إيه سكسكة؟

هذا هو حال الفن يا سادة.. ونحن لا نستغربه على فكرة.. فهو يتناسب طرديا مع حال التعليم والذي يتناسب بدوره طرديا مع حال الأخلاق والقيم والمبادئ.
انظروا أينما سرتم.. لن يلفت نظركم بأي حال من الأحوال القبح الذي يحاوطنا في العمارة والزحام والحفر والألفاظ والمياه والأكل فقد تعودنا عليه.. وكل ده كوم واللي بيعملوا بي بي تحت الكباري كوم آخر.. إنه الصرخة ذات الرائحة التي تزكم أنوفنا وأعيننا بما آل إليه حالنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد