درب الجيش الياباني وانضم بإرادته إلى ثوار الساموراي.. عن الشخصية الحقيقية بفيلم The Last Samurai

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/06 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/06 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
ملصق فيلم The Last Samuraiعلى اليمين وجول برونيه على اليسار / Wikimedia Commons

في عام 2003، صدر فيلم "The Last Samurai"، أو "آخر ساموراي" وهو إنتاج هوليوودي من بطولة الممثل توم كروز. ويروي الفيلم قصة ضابط أمريكي يُدعى نايثان ألجرين، يسافر إلى اليابان لتدريب الجيش الإمبراطوري، لكنه يقع أسيراً لدى قوات الساموراي، ويتأثر بأسلوب حياتهم، ويقرر القتال إلى جانبهم.
ما لا يعلمه الكثيرون أن الفيلم مستوحى من قصة حقيقية، لكن مع اختلاف في بعض التفاصيل، فبطل القصة لم يكن أمريكياً، ولكن ضابطاً فرنسياً اسمه جول برونيه، وليس نايثان ألجرين. والمعركة النهائية رغم أنها كانت ملحمية، فإنها لم تكن لنفس الأسباب في الفيلم، وربما الفارق الأكبر كان قصة انضمامه لصفوف الساموراي البعيدة كل البعد عما جرى في الفيلم.

جول برونيه البطل الحقيقي لقصة "The Last Samurai" 

ولد جول برونيه عام 1838 في فرنسا، وهو نجل طبيب عسكري، وبعد أن حصل في عام 1855 على شهادته في الكفاءة بدرجة بكالوريوس العلوم، قدم جول برونيه في العام نفسه لامتحان القبول في المدرسة العسكرية الإمبراطورية الخاصة، وتم قبوله هناك. 

The Last Samurai
جول برونيه / Wikimedia Commons

وحصل على المرتبة 68 من أصل 120 من حيث التصنيف، وتم قبوله بعد تخرجه  للعمل في المدفعية، ليتخرج بعد ذلك في المرتبة الرابعة على دفعته في عام 1861.
بدأ حياته العسكرية وخوض المعارك عام 1863، بعد إرساله إلى المكسيك، حيث شارك في حملة للاستيلاء على مكسيكو سيتي، من ضمن فوج المدفعية للحرس الإمبراطوري الفرنسي.

تميز برونيه بشكل خاص عند حصار مدينة "بويبلا"، ما أكسبه عند عودته صليب وسام جوقة الشرف من الإمبراطور نابليون الثالث. بالإضافة إلى ذكائه الكبير وصفاته المتميزة كرجل عسكري، أثبت الملازم برونيه أنه فنان جيد يرسم لوحات رائعة.

تطوير جيش اليابان وثورة "آخر ساموراي"

في تلك الأثناء كانت اليابان دولة معزولة، تم منع الاتصال بالأجانب إلى حد كبير. لكن كل شيء تغير في عام 1853، عندما ظهر قائد البحرية الأمريكية ماثيو بيري في ميناء طوكيو بأسطول من السفن الحديثة.

كانت مشاهدة التطور الكبير الذي وصلت إليه الجيوش الأجنبية في التسليح والتنظيم بمثابة صدمة في اليابان، وبالتالي انقسم الرأي حول ما إذا كان ينبغي تحديث اليابان مع بقية العالم، أو البقاء على الطرق التقليدية المتوارثة. 

The Last Samurai
مجموعة من الساموراي المتمردين / Wikimedia Commons

وكان أحد تلك التحديثات هو بناء جيش نظامي من عامة الشعب، بعد أن كانت اليابان ولقرون تعتمد نظاماً اقطاعياً، وتعتمد على الساموراي للقتال بشكل أساسي.
كان الساموراي طبقة من المحاربين باليابان خلال عهودها الإقطاعية. وكان المصطلح بالأصل يشير إلى الحرس الإمبراطوري فقط، ولكن بعد قدوم النظام الإقطاعي صار يشير لكل الطبقة العسكرية، بما في ذلك المحاربون الذين يُطلق عليهم اسم "الدايميوس" و"الشوغن".

كان الساموراي أصحاب مكانة عالية وامتيازات خاصة، ويتبعون قوانين صارمة للحياة العسكرية، والتعود على اللامبالاة بالألم، والولاء الثابت. وعند هزيمتهم في المعركة كانوا يمارسون طقس "هارا كيري"، وهو الانتحار، لتفادي الوقوع في أيدي العدو أو لمسح عار الهزيمة.

كان قيام فرد الساموراي بهذا العمل بحسب اعتقادهم يكفر عنه خطئه، ودليلاً على النبل والطاعة، وفي كثير من الأحيان كان الساموراي يعين أحد المقربين له ليقطع رأسه بضربة سيف، بعد أن يقوم ببقر بطنه بنفسه.

على عكس ما ظهر في الفيلم لم يكن الضابط الفرنسي جول برونيه هناك لتدريب جيش "الإمبراطور ميجي" الذي كان يبلغ من العمر 15 عاماً حينها. ولكنه ذهب لتدريب الجيش الياباني التابع لقوات الشوغون الساموراي، ولم يقع أسيراً في أيدي الساموراي لينضم إليهم، ولكنه ذهب إليهم بإرادته منذ البداية.

في عام 1866، قررت الحكومة الفرنسية إرسال مجموعة من المستشارين العسكريين إلى اليابان، للمساعدة في تحديث جيش "الشوغون".
وعلى عكس ما ظهر في الفيلم أيضاً كان الشوغون من الساموراي والإقطاعيين ورجال الحرب، وهم وإن تمسكوا بتقاليدهم لم يرفضوا التحديث والتطوير في التسليح العسكري، لكنهم رفضوا تغيير مكانتهم الاجتماعية وإلغاء امتيازاتهم.

عقد الشوغون اتفاقاً مع فرنسا لإرسال 36 ضابطاً فرنسياً، لتدريب 1000 من المشاة و650 مدفعياً و350 من سلاح الفرسان، كان من بين الضباط الفرنسيين المرشحين للذهاب إلى اليابان جول برونيه، البالغ من العمر حينها 28 عاماً، أحد أصغر الضباط الذين تم اختيارهم للبعثة.

جول برونيه يرفض الانسحاب ويقاتل إلى جانب المتمردين

عندما وصل برونيه إلى اليابان عام 1867 كانت مفاجأته كبيرة بمدى "تخلف" جيش الشوغون من ناحية التسليح، كانت أسلحتهم قديمة ومعيبة، وكذلك تنظيمهم، وكانوا يفتقرون إلى الخبرة في استخدام الأسلحة النارية الحديثة، لكنهم كانوا مَهَرة في استخدام السيوف والسهام والرماح.

The Last Samurai
المستشارون الفرنسيون وحلفاؤهم اليابانيون وجول برونيه يجلس في المقدمة / Wikimedia Commons

وبينما ظهر في فيلم "The Last Samurai" شخصية قائد الثوار الساموراي باسم موريتسوجو كاتسوموتو، لكن قائد الثوار في الحياة الواقعية كان اسمه سايغو تاكاموري، ولم يكن ثائراً ضد الإمبراطور منذ البداية.

بل على العكس قاد سايغو في البداية القوات الإمبراطورية، وفاز بمعارك ضد الساموراي المتمردين لعدة سنوات، لكنه في النهاية انحاز إلى قوات المتمردين، وقاتل فيما يُعرف باسم "تمرد ساتسوما". 

شارك برونيه في معركة إلى جانب الساموراي، حيث قاتل 15 ألفاً من قوات شوغون، ضد 5 آلاف من أفراد الجيش الإمبراطوري. وعلى الرغم من أعدادهم لم تكن قوات الشوغون نداً للبنادق والمدافع، وكانت المعركة انتصاراً للجيش الإمبراطوري. عاد العديد من أتباع شوغون المهزومين إلى الإمبراطور.

وعندما بدأ الإمبراطور ميجي في ترسيخ حكمه، وبدأت الكفة تميل لصالحه، ادعت دول أجنبية مثل فرنسا حيادها في الصراع، وأمرت الحكومة الفرنسية البعثة بالمغادرة والعودة إلى الوطن لتجنب التورط في الصراع. 

لكن برونيه رفض المغادرة، ومن غير الواضح ما الذي جعله يقرر البقاء، ولكي لا يبدو وكأنه هارب من الخدمة العسكرية، كتب برونيه رسالة إلى نابليون الثالث تفيد بأنه كان يقيم مع المجموعة المتمردة، لأنهم كانوا 50 ألف محارب قوي، وكانوا موالين لفرنسا.

وفي الرسالة قدم استقالته من الجيش الفرنسي ليرفع عن فرنسا الحرج، ويعفيها من أي مسؤولية بسبب تدخل أحد ضباطها في الصراع.

ولا توجد إجابة محددة عن سبب قرار برونيه البقاء في اليابان، يقول البعض إنه كان مدفوعاً بالمال، ويعتقد البعض الآخر أنه كان مدفوعاً بالمغامرة. ومع ذلك من المحتمل أن يكون المحارب المخضرم قد تأثر بتفاني الساموراي في قضيتهم.

The Last Samurai
تمثال سايغو تاكاموري زعيم الساموراي المتمردين / Wikimedia Commons

بعد سلسلة من المناوشات والمحاولات الفاشلة لإبطاء عودة السلطة الإمبراطورية، وسلسلة معارك ملحمية استمرت 6 أشهر، انتصرت القوات الأمبراطورية على المتمردين، وقام زعيم المتمردين الشوغون بقتل نفسه كما حدث في الفيلم.

لكن على عكس الفيلم لم يكن برونيه موجوداً أو ساعده في إنهاء حياته، ولكنه ركب سفينة وتسلل خارج اليابان، وعاد بعد ذلك إلى فرنسا.

النهاية الحقيقية لمغامرة آخر ساموراي 

في الفيلم وبعد انتهاء المعركة يذهب بطل القصة نايثان ألجرين للإمبراطور، ويحصل على عفو مباشر، ويذهب بعد ذلك ليعيش حياته مع شقيقة قائد المتمردين الساموراي وسط الجبال، لكن ذلك لم يكن دقيقاً حقاً. 

The Last Samurai
جول برونيه في الوسط وبيده قبعة / Wikimedia Commons

لكن بعد القضاء على التمرد طالبت الحكومة اليابانية بمعاقبة برونيه، إلا أن فرنسا لم تمتثل بسبب شعبيته في فرنسا. بدلاً من ذلك تمت إعادة برونيه في النهاية إلى الجيش الفرنسي، حيث تمت ترقيته عدة مرات.

على الجانب الآخر في اليابان، كان من بين من انضموا للجيش الإمبراطوري بعد انتصاره الأدميرال إينوموتو، أحد مقاتلي الساموراي المتمردين سابقاً، والذي كان صديقاً لبرونيه، وقاتل إلى جانبه أثناء التمرد، وأصبح إينوموتو لاحقاً وزيراً للبحرية الإمبراطورية اليابانية.
من خلال تأثير إينوموتو لم تغفر الحكومة الإمبراطورية تصرفات برونيه فحسب، بل منحته ميداليات في 1881، ومرة ​​أخرى في 1885، وتم تسليم الميداليات في السفارة اليابانية في باريس. وترقى برونيه في المناصب في الجيش الفرنسي، وشارك في عدة معارك لاحقة حتى وفاته عام 1911.

تحميل المزيد