بحلول الوقت الذي بلغت فيه "سارة ريكتور" الثامنة عشرة من العمر، قدرت ثروتها بما يعادل أكثر من 11 مليون دولار في وقتنا الحالي، فأصبحت بذلك أحد أثرياء أمريكا في بداية القرن العشرين، وأثرى طفلة ملونة في ذلك الوقت.
كل هذه الثروة جاءت من أرض غير مرغوب فيها، منحتها الحكومة الفيدرالية لسارة. لكن مع تلك الثروة جاءت المتاعب والطامعون في ثروتها، والسبب هو أن سارة ريكتور لم تكن فتاة بيضاء.
قصة سارة ريكتور سرد يوثق معاناة (الهنود الحمر) السكان الأصليين لأمريكا، والعنصرية في أمريكا ضد الملونين، ومحاولة البيض استغلال أي شخص لم يكن أبيض، وسرقة ثرواته بأي شكل، حتى لو كان ذلك يعني أحياناً قتله بطرق وحشية.
"الهنود الحمر" استعبدوا عائلة سارة ريكتور
على الرغم من أن العبودية لم تكن شائعة بين الأمريكيين الأصليين، فإن بعض زعماء قبائل الهنود الحمر، في الولايات الجنوبية الشرقية من أمريكا، اشتروا العبيد الأفارقة، جزئياً للتباهي بهم كرموز للمكانة. والاندماج في الثقافة الأنجلوأمريكية، حتى أطلق عليهم الجنوبيون البيض اسم "القبائل الخمس المتحضرة".
تم استعباد عائلة سارة ريكتور من قبل قبيلة من هذه القبائل الخمس، وبعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية، وإلغاء العبودية وتحرير عائلة سارة، اعتبرت الحكومة الأمريكية العبيد السود الذين تملكتهم تلك القبائل، مواطنين من القبائل نفسها التي تم استعبادهم فيها. وهكذا أصبحت عائلة سارة ريكتور بنظر الحكومة الأمريكية سوداء وأفراداً من الهنود الحمر.
لكن ما حدث من إبادات متكررة للقبائل الهندية وطرق المعاملة العنصرية في أمريكا للسود، لم يكن انتهى بعد.
طمعاً في أراضي تلك القبائل وضعت الحكومة الأمريكية قانون دوز عام 1887، وبموجبه أجبرت القبائل التي تعيش على أراضٍ خصبة وصالحة للزراعة، على مغادرة أراضيهم وموطنهم الأصلي، ونقل الملكية إلى المستوطنين البيض.
وأُجبرت بعض تلك القبائل على الانتقال إلى ولاية "أوكلاهوما"، وكان من ضمنها قبيلة سارة ريكتور، التي تم ترحيلها إلى أراضٍ جديدة. عمليات الترحيل تلك كانت مأساوية، بسبب الظروف الصعبة والسفر لمسافات طويلة على الأقدام أو على ظهور الخيل.
فاضطر أفراد القبيلة إلى البدء من جديد في أرض غير أرضهم. وراح ضحية عمليات الترحيل تلك الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن الذين لم يتحملوا مشاق السفر والظروف الجوية القاسية، في سبيل أن يصلوا إلى "مناطقهم الجديدة"، التي كانت غالباً أراضي جرداء وصخرية لا تصلح للزراعة، وهذا كان جزءاً بسيطاً فقط من المشكلة.
سعت القوانين الجديدة إلى فرض نظام "حقوق الملكية الفردية" على القبائل، بعد أن كانت تلك القبائل تعيش على أرض مشتركة، يمتلكها جميع أفراد القبيلة بشكل جماعي، واعتبر مسؤولو الحكومة الأمريكية طريقة الممتلكات القبلية السابقة على أنها طريقة "غير حضارية".
وفي الأرض الجديدة التي انتقلت إليها قبيلة سارة ريكتور وغيرها من القبائل، قام المسؤولون الحكوميون بتقسيم تلك الأرض إلى حصص فردية لكل فرد من أفراد القبيلة، لكن في النهاية وزعوا كثيراً من تلك الحصص على المستوطنين البيض من خلال ما اعتبروه أراضي قبلية "فائضة"، وتم تجريد ما يقرب من 90 مليون فدان من الأرض من القبائل ومنحها للسكان البيض.
الذهب الأسود يحول سارة ريكتور إلى أثرى طفلة ملونة
عام 1902 وُلدت سارة ريكتور لأبوين من العبيد المحررين، وكان لها نصيب من تلك الأراضي الموزعة، كانت تلك الأرض صخرية وغير صالحة إلى حد كبير للزراعة. ومع هذا طلبت الحكومة الأمريكية من أفراد تلك القبائل ومن ضمنهم سارة ريكتور وعائلتها، دفع ضرائب سنوية.
أصبحت ريكتور وعائلتها مُثقلين بدفع ضرائب الأرض على الممتلكات للحكومة الأمريكية، وفي عام 1911، قامت الأسرة بتأجير الأرض لشركة "ستاندرد أويل" النفطية؛ حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بأرضهم ودفع الضرائب للحكومة في الوقت نفسه.
في عام 1913، قام أحد عمال التنقيب عن النفط بحفر بئر في أرض سارة ريكتور، المفاجأة كانت أن أرضها غنية بالنفط، حيث أنتجت أكثر من 2000 برميل من النفط يومياً.
في سن 11 عاماً، حققت سارة ريكتور دخلاً قدره 300 دولار يومياً، وهو ما يعادل نحو 7 آلاف دولارٍ اليوم، وحصلت شهرياً على دخل بلغ نحو 9 آلاف دولار، في وقت كان متوسط دخل الأسرة الأمريكية أقل من 60 دولاراً في الشهر، ما جعلها أثرى طفلة ملونة في الولايات المتحدة.
القوانين العنصرية في أمريكا تلاحق سارة ريكتور
انتشرت قصة سارة ريكتور بنفس سرعة تضاعُف ثروتها، ونشرت الصحف أخبار ثروتها على نطاق واسع، فتلقت طلبات عديدة من البيض للزواج بها مع أنها كانت لا تزال طفلة، أو رسائل من أشخاص غرباء لا تعرفهم للحصول على قروض وهدايا مالية.
أضف إلى ذلك القوانين العنصرية في أمريكا آنذاك، والتي كانت تلاحق أثرى طفلة في ذلك الوقت، كان هناك قانون يُلزم الهنود الحمر، والسود، الذين كانوا مواطنين في إقليم هندي، ويتمتعون بممتلكات وأموال كبيرة، بأن يتم تعيين أوصياء بيض لإدارة أموالهم.
وفي بداية القرن العشرين وبسبب هذا القانون، تم استهداف قبائل الهنود الحمر الذين حققوا ثروات بشكل أو بآخر، من أجل أموالهم. وتعاون المسؤولون المحليون البيض الفاسدون مع المجرمين والمحتالين لسرقة ملايين الدولارات.
والأسوأ من ذلك كانت هناك جرائم قتل بالعشرات ارتكبها البيض بحق الهنود الحمر تم التستر عليها؛ حتى يتمكن البيض من وراثة الثروة النفطية في تلك الأرض كما حدث مع "قبيلة أوساج". ويمكنك الاطلاع على قصتهم كاملة على هذا الرابط.
وبسبب القانون العنصري نفسه، تحولت الوصاية القانونية لثروة سارة ريكتور من والديها إلى رجل أبيض. ولاستغلال سارة والاستفادة من أموالها تم اعتبارها ومعاملتها كـ"امرأة بيضاء"، وسُمح لها بدخول أماكن التسوق والمطاعم الخاصة بالبيض، والتي لم يسمح للسود بدخولها.
ثروة سارة ريكتور تفتح لها الأبواب
انتشرت الأخبار بأن القائمين على ثروة سارة ريكتور كانوا يسيئون إدارة ممتلكاتها؛ ما دفع ناشطين في حقوق السود إلى السفر إلى هناك، ومتابعة أحوالها، والمطالبة بتسليمها ادارة أموالها، لم يتم التأكد من حقيقة تلك الأخبار بدقة، لكن الأكيد بعد ذلك، أن سارة ريكتور وإخوتها أصبحوا يذهبون إلى المدرسة، ويعيشون مع عائلتهم في بيت كبير من خمس غرف، وامتلكوا سيارة فارهة.
وهي أمور لم يمتلكها كثير من السود في ذلك الوقت. تعليم سارة مكَّنها من التصرف بشكل جيد في ثروتها وإدارتها، وبحلول الوقت الذي بلغت فيه 18 عاماً، كانت ثروتها تقدر بنحو مليون دولار، وهو ما يعادل 11 مليون دولارٍ اليوم.
وكانت تمتلك أيضاً أسهماً وسندات في شركات عدة، وقصراً كبيراً لا يزال قائماً حتى اليوم، ومخبزاً ومطعماً، وألفي فدان من الأراضي.
توفيت سارة ريكتور عن عمر يناهز 65 عاماً في عام 1967، وعلى الرغم من أن ثروتها تضاءلت، فإنه لا تزال لديها بعض آبار النفط العاملة والممتلكات العقارية.