نُسبت العديد من الاكتشافات الرياضية والعلمية إليه في العصور القديمة؛ لكن عالِم الرياضيات اليوناني فيثاغورس اشتهر بنظريته التي تحمل اسمه "نظرية فيثاغورس"، وهي علاقة أساسية في الهندسة الإقليدية بين أضلاع المثلث قائم الزاوية.
ووفقاً لـ"نظرية فيثاغورس"، فإنه "في مثلث قائم الزاوية، مربع طول الوتر يساوي مجموع مربعي طولي الضلعين المحاذيين للزاوية القائمة".
ولكن المثير في حياة فيثاغورس لم يقتصر على نظريته الأشهر؛ فقد كان فيلسوفاً ألهم بأفكاره الفلاسفة الإغريق الكبار، الذين جاءوا من بعده، على غرار أفلاطون وأرسطو. وما قد لا يعرفه كثيرون أنه كان أيضاً مؤسِّساً وزعيماً لطائفة دينية سُمّيت باسمه، وهي "الفيثاغورية".
كان بطلاً في الألعاب الأولمبية وتزوج بتلميذته
لا توجد مراجع تاريخية قديمة كثيرة تتحدث عن فيثاغورس؛ لكن وبحسب موسوعة Britannica البريطانية، فإن أولى الروايات المُفصّلة عن حياته كُتبت في القرن الرابع قبل الميلاد، أي بعد نحو 150 سنة من وفاة العالِم الرياضي والفيلسوف الشهير.
ولذلك، فقد اختلفت الروايات حول تاريخ ميلاده، لكن دائرة المعارف البريطانية أشارت إلى أنه قد يكون وُلد نحو عام 570 قبل الميلاد، في جزيرة ساموس اليونانية ببحر إيجه.
ونقلت موسوعة Academic الفرنسية أن اسم والده هو "منيسارك"، وكان يعمل صانعاً للخواتم، أما اسم والدته فهو "بارتينيس". ويُقال إن فيثاغورس كان قوي البنية، وقد شارك في سنّ الـ17 بالألعاب الأولمبية القديمة التي كانت تُقام في أثينا، وفاز بكل الألقاب الخاصة بالرياضات القتالية.
كما أكد الموقع نفسه أن فيثاغورس تزوج تلميذته "ثيانو"، التي اشتهرت هي أيضاً كعالِمة في الرياضيات، وله منها ولدان أو أربعة أبناء.. الرقم يختلف من مرجعٍ إلى آخر.
الذكاء الخارق لفيثاغورس بدأ يظهر منذ طفولته؛ وقد تفطن، عند بلوغه سن الثامنة عشرة من عمره بعد تولي الطاغية بوليكراتس عرش ساموس، إلى أن ذلك الحكم الديكتاتوري قد يشكل عائقاً كبيراً أمام تكوينه الدراسي.. فقرر مغادرة البلاد.
درس في مصر وبابل وتأثر بالمجتمع الشرقي
بدأ فيثاغورس منذ ذلك الوقت بسلسلة من الرحلات استمرّت لأكثر من 20 سنة، وفقاً لما أوضحه موقع Futura الفرنسي، وقد قادته تلك الرحلات إلى أماكن كانت معروفة -في ذلك الوقت- بأنها مقصد لطلاب العلم.
درس الفلسفة والرياضيات على يد مفكرين إغريق كبار، أمثال طاليس، أحد الحكماء السبعة للحضارة اليونانية القديمة، وتلميذه أناكسيماندر. وقد درس أيضاً لدى الكهنة المصريين في عهد الفراعنة.
ولفترةٍ ليست بالقصيرة، استقرّ فيثاغورس في بابل حيث تأثر بالحياة المعيشية الشرقية، خاصةً من حيث اللباس.. ما يفسّر وجود كثير من الرسومات والتماثيل القديمة، التي تُظهره مُرتدياً عمامة على رأسه.
مع مرور السنوات، ذاع صيت فيثاغورس في الجزر اليونانية والبلدان المجاورة لها، كعالمٍ ومفكر كبير.. فعاد إلى موطنه ساموس لتدريس ما تعلّمه وكسبه من معارف، خلال سفراته الطويلة.
ووفقاً لمراجع تاريخية عدة، فإنّ فيثاغورس لم يلقَ إقبالاً كبيراً من سكان ساموس، الذين لم يكونوا مهتمين كثيراً بالرياضيات، ما جعله ينزعج؛ كما انزعج أيضاً من كثرة الاستشارات السياسية التي كان يطلبها منه العديد من أشراف الجزر اليونانية، فقرر مرة أخرى مغادرة موطنه الأصلي.
أسّس مدرسة فيثاغورس الفلسفية وطائفته الدينية
وانتقل فيثاغورس، بعد هجرته الثانية لساموس، إلى جنوب إيطاليا، وبالتحديد إلى مدينة كروتوني. هناك، التحق به فيما بعدُ المئات من أتباع أفكاره الفلسفية، فأسّس طائفة "الفيثاغورية" التي استمرّت لعدة قرون بعد وفاته.
ووفقاً لموقع FUTURA، فإن فيثاغورس كان يقدّم دروسه بشكلٍ علنيٍ في الأماكن العامة، ولكن تقديمه للدروس الأكثر دقة كان مقتصراً على فئة واحدة من الناس: "الفيثاغوريون" الذين شكلوا الطائفة الدينية التي تزعمها الفيلسوف.
وقد كان الفيثاغوريون مُطالبين بالعيش كمجتمعٍ واحد ومشاركة جميع ممتلكاتهم، عكس باقي تلامذة فيتاغورس، الذين يمكنهم الاستمرار في عيش حياةٍ مستقلة.
وقد تطرق موقع History Collection إلى الأفكار الغريبة التي كان يدعو إليها فيثاغورس، والطقوس الأغرب التي كان يمارسها مع أتباعه. وأشار إلى أنه "بالنسبة لمعاصريه، فقد كان مُتعبداً غريباً وقاتلاً يؤمن بتناسخ الأرواح، وادعى القدرة على معرفة المستقبل والتحدث إلى الحيوانات".
أَحَبَّ فيثاغورس الرياضيات لدرجة أنه جعل أتباعه يقدّسون الأرقام. ومع ذلك، تنافست النظريات والمعادلات مع مفاهيمه الغريبة الأخرى. وقد أشارت بعض المراجع إلى أن فيثاغورس وأتباعه كانوا يخصّصون صلاةً خاصة للرقم "10"، بصفته أقدس الأرقام.
فقد امتلك الفيثاغوريون رمزاً عُرف بـ"تيتراكتيس"، وهو عبارة عن مثلث تكوّن من 10 نقاط موزعة على 4 صفوف لتجسيد مكونات الفضاء والكون، وبناء على ذلك، آمن فيثاغورس وأتباعه بأن الرقم 10 موجود بأعلى هذا المثلث ليكون بذلك هو أكثر الأرقام قداسة.
وأوضح الموقع، المتخصّص في التاريخ، أنّ من المفاهيم الغريبة لفيثاغورس أنه كان نباتياً يكره اللحوم، وكانت هذه أحد مبادئ طائفته الدينية. ولكن كانت هناك نبتة واحدة لم يلمسها قط، وهي الفاصوليا. فقد كان يساوي استهلاكها بأكل لحوم البشر، ويرى أن تناول الفاصوليا يعادل أخلاقياً أكل الوالدين!
كل شيء في الوجود عبارة عن أرقام
فلسفة فيثاغورس التي تبنتها طائفته الدينية ترى أن كل شيء في الوجود عبارة عن أرقام، والرياضيات هي الأساس لكل شيء. وكانت تعتبر أن الهندسة أعلى شكل من أشكال دراسات الرياضيات، ويمكن أن يُفهم العالم المادي من خلال الرياضيات.
ووفقاً لموسوعة Academia الإسبانية، فإنّ فيثاغورس كان يقول إنّ الروح تكمن في الدماغ، وهي خالدة. وتنتقل من كائنٍ إلى آخر، وأحياناً من الإنسان إلى حيوان. ومن خلال سلسلة من عمليات التناسخ التي تُسمى التقمّص، ستنتقل الروح حتى تصبح نقية.
وكان فيثاغورس يرى أنّ العالم يعتمد على التفاعل بين الأضداد، مثل الذكور والإناث، والضوء والظلام، والسخونة والبرودة، والجفاف والرطوبة، والخفة والثقل والسرعة والبطء.
ومن الطقوس الغريبة التي كان يقوم بها الفيثاغوريون هي التزام كل عضو جديد بالطائفة بالصمت التام لمدة 5 سنوات كاملة، حتى يعتاد على حفظ أسرار الجماعة.
وبحسب كتاب Protreptique، لمؤلفه الفيلسوف السوري يامليخوس -الذي كتبه باللغة اللاتينية في أواخر القرن الثالث الميلادي، وتُرجم لاحقاً لعدة لغات أخرى- مارس فيثاغورس سلوكيات غريبة هو وأتباعه.
فقد كانوا مثلاً يتفادون الاقتراب من كل مزهرية تحتوي على مادة الخلّ، ويُحرّمون على أنفسهم ارتداء الخواتم، ويساعدون الرجل في حمله الثقيل، ولكنهم مُطالبون بعدم التدخل أبداً عند تفريغه لذلك الحمل.
وفاة غريبة بسبب تقديسه للفاصوليا
ومثلما كانت مبادئه في الحياة غريبة، فإنّ وفاة العالم اليوناني كانت غريبة أيضاً، وتقول احدى الروايات أنه كان ضحية تلك المبادئ.
فقد غضب سكان مدينة كروتوني منه ومن أتباعه وسعوا لقتله. وأثناء هربه، وجد نفسه أمام حقلٍ من الفاصوليا التي كان يُقدّسها، فما كان منه إلا أن رفض العبور منه كي لا يدهسها بقدميه؛ ليقع إثر ذلك في قبضة سكان المدينة، الذين وضعوا حداً لحياته.
ولكن لموسوعة Britannica رواية أخرى تقول إنّ فيثاغورس سكن مدينة كروتوني في حوالي العام 532 قبل الميلاد، ثم هرب منها سنة 510 قبل الميلاد، بسبب الحملة العدائية الشديدة التي لاقتها أفكاره الفلسفية من طرف معظم سكان المدينة
وكان هروبه نحو مدينة ميتابونتوم في جنوب شرق إيطاليا، والتي تسمى حالياً "ميتابونتو"، أين عاش بها بقية حياته إلى غاية وفاته، في حوالي سنة 490 قبل الميلاد.