تحمل كتب التاريخ سير الكثير من النسوة اللاتي وصلن إلى مناصب سيادية كبيرة، فمنهن من تولّين عرش بلادهن وأقسمن اليمين أمام العالم بأكمله، ومن أبرز هؤلاء السيدة إيزابيلا مارتينيز دي بيرون، التي بدأت حياتها راقصةً في ملهى ليلي، قبل أن تتغيّر حياتها بعد التقائها بالرئيس الأرجنتيني خوان بيرون وتتزوجه وتصبح نائبةً له، قبل أن تخلفه في سدة الحكم، لتصبح أوّل رئيسة جمهورية في العالم.
إيزابيلا.. الراقصة التي خطفت قلب رئيس الأرجنتين خوان بيرون
بمقاطعة لاريوخا، الواقعة في شمال غرب الأرجنتين، وفي 4 من فبراير/شباط عام 1931، ولدت ماريا إستيلا مارتينيز كارتاس لعائلة فقيرة، كانت فيها ماريا البنت الصغرى.
درست البيانو والرقص واللغة الفرنسية، ولكنها لم تستطع إكمال تعليمها الرسمي بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة التي مرّت بها عائلتها، يقول البعض إن والدها مات عندما كانت صغيرة جداً، ويقول آخرون إنها تشاجرت معه عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها وغادرت المنزل، بحسب ما نقلته BBC.
في سن 20 سنة، انضمت إيزابيلا إلى فرقة للرقص يديرها موسيقار كوبي في كاسترو التشيلية، أطلق على نفسه اسم "جو هيرالد"، كما اتخذت ماريا الاسم الفني "إيزابيليتا غوميز"، كانت فرقة الرقص تلك تجول في أنحاء أمريكا اللاتينية، وتؤدي عروضها في نوادٍ ليلية مختلفة.
في تلك الأثناء كانت الأرجنتين تعيش حالةً من اللااستقرار، وذلك عقب انقلاب الجيش على الرئيس الأرجنتيني خوان بيرون، الذي وجد نفسه منفياً في بنما سنة 1955.
قبل ذلك كان بيرون أرملاً مرتين في حياته، فقد تزوج من "أوريليا تيزون" لمدة تسع سنوات من سنة 1929 إلى وفاتها سنة 1938، ومن ماريا إيفا دوارتي من عام 1945 وحتى وفاتها أيضاً سنة 1952.
في عيد الميلاد لعام 1955، التقى خوان بيرون بإيزابيلا غوميز لأوّل مرة، حدث ذلك حين كان خوان بيرون في أحد الملاهي التي كانت ترقص فيها إيزابيلا مع فرقتها.
فُتِن خوان بيرون بجمال إيزابيلا، ووقع سريعاً في غرامها، وتم تقديمها أولاً كسكرتيرة له، وبعد ذلك تم تأكيد علاقة الحب بينهما، وفي عام 1961 تزوجا في مدريد. واستمر الزواج 13 عاماً حتى وفاة بيرون سنة 1974.
ومن بين زوجاته الثلاث كانت إيزابيلا هي المرأة التي كانت إلى جانب بيرون لفترة أطول، بحيث أمضوا ما يقرب من 19 عاماً معاً. وأصبحت إيزابيلا ذات نفوذ كبير في حياته.
ساعدت زوجها في استرجاع حكمه وصارت نائبة له
ظلّ بيرون في المنفى من عام 1955 حتى عام 1972، فبعد أن أطاح الجيش بنظامه فيما يسمى بـ"ثورة ليبرتادورا الأرجنتينية"، حظر على بيرون وحزبه دخول الأراضي الأرجنتينية.
خلال تلك الفترة ظلّ بيرون برفقة إيزابيلا، يقود حركته من أجل استرجاع الحكم، عبر إقامته في بنما وفنزويلا وجمهورية الدومينيكان وأخيراً إسبانيا.
في منفاه، وبهدف إعادة تجميع حركته السياسية وحشد الدعم، أرسل بيرون إيزابيلا، بصفتها ممثلاً له إلى الأرجنتين في رحلتين، في عامي 1966 و1971، فقد كانت إيزابيلا غير ممنوعة من دخول الأرجنتين.
نجح بيرون أخيراً في العودة إلى بلاده، فيما أطلق عليه "عملية العودة"، وكان في استقباله مئات الآلاف من الأشخاص، وذلك في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1972، بعد 18 عاماً قضاها في المنفى.
منذ تلك اللحظة أقام بيرون وزوجته إيزابيلا شبكات وتحالفات واتفاقيات مع قطاعات مختلفة، أعادته إلى وسط المشهد السياسي الأرجنتيني، بصفته واحداً من الشخصيات التي تحظى بأكبر دعم شعبي.
وتحت الضغوط الشعبية، دعت الحكومة العسكرية أخيراً إلى إجراء انتخابات، في 11 مارس/آذار 1973، لكنها منعت بيرون من المشاركة، بسبب أنه ليس مقيماً بالأرجنتين.
قرر خوان بيرون العودة إلى مدريد التي كان يقيم بها، ولكن قبل ذلك عيّن سراً حليفه هيكتور كامبورا، ليخوض الانتخابات عن حزب العدالة، في حملة انتخابية كان شعارها: "كامبورا للحكومة، وبيرون إلى السلطة".
وبالفعل، نجح كامبورا في الفوز بالانتخابات، وعاد بعدها بيرون إلى الأرجنتين في يونيو/حزيران، وبعد شهرٍ فقط استقال كامبورا من الرئاسة، ودعا لتنظيم انتخابات جديدة مع السماح لبيرون بالمشاركة فيها.
كان خوان بيرون يبلغ من العمر 78 عاماً، ومصاباً بمرض مزمن في القلب حين تمكن من العودة للحكم، فكان أول قراراته تعيين إيزابيلا نائبةً له، بحسب ما ورد في تقرير لـle monde الفرنسية.
إيزابيلا بيرون أوّل رئيسة للأرجنتين
في الأوّل من يوليو/تموز 1974، توفّي خوان بيرون، وقبل وفاته بيوم صارت إيزابيلا بيرون أوّل رئيسة للأرجنتين، بحسب history.
قالت إيزابيلا بيرون في رسالة إلى الأرجنتينيين بعد وفاة زوجها: "الله ينورني ويقويني لتحقيق ما كلفني به الله وبيرون كمهمة".
تولت الرئيسة الجديدة دورها في خضم الأرجنتين المليئة بالمشاكل والعنف والقمع الشديد، وأمام ذلك الوضع غير المستقر لجأت إيزابيلا إلى الشرطي السابق خوسيه لوبيز ريجا، مؤسس منظمة الجناح اليميني شبه العسكرية، والتي كانت تقتل أي شخص يعارض إيزابيلا.
أحصت لجنة حقوق الإنسان بالأرجنتين قيام تلك المنظمة بـ458 عملية اغتيال، في الفترة ما بين سنوات 1973 و1975، بحسب bootcamp military fitness institute.
والتي حاكت إيزابيلا من خلالها تجربة منظمة الجيش السري الفرنسي، التي كانت تغتال وتعذب الجزائريين خلال حرب الجزائر التحريرية في الفترة ما بين 1954 و1962م، واستعانت في ذلك بضباط من المنظمة الفرنسية الذين فروا إلى الأرجنتين، بعد فشلهم في منع استقلال الجزائر.
تميزت فترة حكم إيزابيلا بعدم الاستقرار، وكانت جزءاً مما يسمى بالحرب القذرة التي عاشتها الأرجنتين.
في سنة 1975، وبضغطٍ من جنرالات الجيش الأرجنتيني، قامت إيزابيلا بيرون بتعيين رافئيل خورخي فيديلا قائداً عاماً للجيش، كان خورخي فيديلا مشاركاً في الجرائم التي جرت خلال فترة حكم إيزابيلا وداعماً لها، إذ فعّل كتائب الموت، وقال إنه "يجب أن يموت عددٌ كبيرٌ من الأشخاص حسب الضرورة لكي تعود الأرجنتين آمنة".
وفي الوقت نفسه كان فيديلا يحفر تحت الرئيسة إيزابيلا، ويعدّ خطةٍ للانقلاب عليها.
ناهيك عن الوضع غير المستقر الذي عاشته الأرجنتين خلال تلك الفترة، عانت إيزابيلا بيرون أيضاً من أزمات صحية عديدة، أجبرتها على التغيب عن الرئاسة في عدة مناسبات.
وأمام ذلك الوضع، سنحت الفرصة لخورخي فيديلا وجنرالات آخرين في الجيش للقيام بالانقلاب، ففي 24 مارس/آذار 1976، تمت الإطاحة بإيزابيلا بيرون واعتقالها.
كانت إيزابيلا بيرون رئيسة لأقل من عامين فقط، لكنها سُجنت لمدة أطول، فقد مكثت أكثر من خمس سنوات في السجن.
كان أول سجن لها في المقر الرئاسي في نيوكوين، ثم في قاعدة بحرية في بيونس آيريس، ولاحقاً في السجن في سان فيسنتي.
في يوليو/تموز 1981، أطلق سراحها بشرط عدم البقاء في الأراضي الأرجنتينية، فغادرت إلى إسبانيا التي تقيم بها حتى الآن.
انقسم الأرجنتينيون كثيراً حول فترة حكمها، ودورها في القمع الذي شهدته البلاد، فحسب BBC يفضّل الكثير من الأرجنتينيين نسيانها.