عرف التاريخ عدداً من الشخصيات التي يلف الغموض حياتها، وقد كان من أبرزها الكونت سان جيرمان، الذي سجل أول ظهور له عام 1710. كان جيرمان يُعرف باسم ماركيز دي مونتفيرات، وقد عرف سان جيرمان بمظهر الرجل الأربعيني طوال حياته إلى أن توفي عام 1784، لكن عرفه التاريخ بـ"سان جيرمان الذي لا يموت"، فما السبب وراء هذا اللقب؟
الكونت سان جيرمان
وُلد الكونت ما بين سنة 1691 و1712 حسب المؤرخين، كان مغامراً أوروبياً مهتماً بالعلوم والكيمياء والفنون، حقق شهرة واسعة خلال القرن الثامن عشر؛ حيث اعتبره أمير هيس كاسل تشارلز واحداً من أعظم الفلاسفة الذين عاشوا على الإطلاق.
عرف سان جيرمان بالعديد من الأسماء نظراً لعدم معرفة الناس اسمه الحقيقي، وهي ممارسات كانت معروفة خلال القرن الثامن عشر بين أفراد العائلات المالكة والنبلاء، لعل من بين أشهر الألقاب التي حصل عليها:
- ماركيز دي مونتفيرات
- كونت بيلامار
- شوفالييه شوينينغ "أي الفارس شوينينغ"
كان الهدف من حصوله على العديد من الأسماء هو تشتيت الناس، قصد عدم معرفة أصوله، لتظل ولادته وخلفيته غامضة ليومنا الحالي، أقر سان جيرمان قبيل وفاته أنه ابن الأمير فرانسيس الثاني راكوزي من ترانسيلفانيا، كما اختلط اسمه تاريخياً بكلود لويس الجنرال الفرنسي الشهير المعروف أيضا بدي سان جيرمان.
اختفاء وظهور متكرر
طوال حياته لم يكشف دي سان جيرمان عن شخصيته الحقيقية، حتى لأولئك الذين وضع فيهم الثقة، كما لم تبدو عليه أي علامات في التقدم في السن كما ذكرنا من قبل، حيث كان دائماً الرجل الأربعيني ذا البنية القوية والقامة المتوسطة.
كان سان جيرمان راوياً جيداً للقصص، كما اشتهر بمواهبه العديدة والرائعة مثل صناعة الحلي ودرايته الكاملة بالموسيقى والفنون، كما زود الناس بجرعات سماها بإكسيرالشباب، وهو محلول صنعه، زعم أنه يبقي الإنسان شاباً ويقي من الشيخوخة، خالط سان جيرمان الطبقة الأرستقراطية حيث برزت شهرته أرجاء باريس ما بين سنة 1750 و1760 كفيلسوف وعالم في الخيمياء.
يذكر أنه كان جاسوساً للملك لويس الخامس عشر ابن الملك الفرنسي الشهير لويس الرابع عشر الذي اعتبر نفسه إله الشمس، إلا أن صداقته به تسببت له في العديد من المشاكل والعداوات داخل القصر، والتي كادت أن تنهي حياته، ما جعله يفر إلى إنجلترا ويختفي حتى شوهد في روسيا سنة 1762، وعاد بعدها إلى باريس فور تنصيب لويس السادس عشر ملكاً لفرنسا، حيث توقع حدوث الثورة الفرنسية ليتفاجأ بعدها بصدور قرار من حرس القصر بالقبض عليه.
اختفى سان جيرمان مرة أخرى بكل بساطة، ويقال إنه لجأ إلى هيس كاسل حاكم النمسا في ذلك الوقت، كما قيل إنه كشف العديد من الأسرار له فيما يخص القصر الفرنسي والملك الحاكم ويقال إنه توفي عام 1784 دون أية وثيقة تثبت ذلك.
بعد سنتين على وفاته، أي في عام 1786، شوهد سان جيرمان كممثل فرنسي في إحدى المسرحيات المقدمة في روسيا ليختفي بعدها مرة أخرى، ويعيد الظهور عام 1821؛ حيث ادعت الكونتيسة اديمار رؤيتها للكونت دي سان جيرمان كما أكدت عدم ظهور فارق السن عليه، حيث ما زال يبدو بمنظره الأربعيني الذي عرفته عليه في صغرها، ومن خلال الحديث معه تأكدت من أنه هو حيث لديه إلمام ومعرفة كبيرة لما كان يحصل في القصور الفرنسية خلال حكم الملك لويس الخامس عشر.
الكونت سان جيرمان 1972
أدلى الصحفي والكاتب الإنجليزي ألبرت فاندام في معظم كتاباته أن الكونت سان جيرمان قد يكون غير من اسمه؛ حيث أكد أنه التقى بشخص يحمل نفس المواصفات والشكل الذي عرف به الكونت دي سان جيرمان قبل مئات السنين حسب رسومات له. الاختلاف الوحيد أن الشخص يحمل اسم "ميجور فريزر"، هذا الأخير كان على دراية كاملة لما حصل خلال القرن الثامن عشر في كل من فرنسا وإنجلترا والبلدان التي سافر إليها دي سان جيرمان، وكأنه كان يعيش بينهم.
أما في بداية القرن الماضي انتشرت صورة لرائدة الثيوصوفية "مصطلح ديني فلسفي ظهر كممارسات روحية في الشرق الأقصى القديم بشكل خاص" هيلينا بلافاتسكي مع الكونت دي سان جيرمان ذي المظهر الأربعيني دائماً، ليختفي بعدها الكونت للمرة الرابعة إلى حدود عام 1972 حيث ظهر بفرنسا إذ ادعى أحد لاعبي الخفة أنه الكونت دي سان جيرمان البالغ من العمر 300 سنة، وأن باستطاعته تحويل الرصاص إلى ذهب باسخدام علم الخيمياء الذي برع فيه الكونت حسب بعض المؤرخين.
هذا الخبر تسبب في ضجة واسعة في فرنسا خلال السبعينيات؛ حيث لم يستطع أحد تصديقه أو تكذيبه ليقدم الرجل المدعي على الانتحار تاركاً وراءه رسالة مفادها "في هذه المرة سأرحل" وتنتهي بذلك قصة الكونت دي سان جيرمان وقصة حياته الخالدة، وبقيت حقيقة القصة مجهولة حتى يومنا هذا بين مصدقين ومكذبين للقصة.