في 8 مارس/آذار 1951، نفّذت السلطات الأمريكية حكم الإعدام الصادر بحق كلٍّ من ريموند فرنانديز، وحبيبته مارثا بيك، المعروفين بلقب "قاتلا القلوب الوحيدة"، في سجن "سِنغ سِنغ" بولاية نيويورك الأمريكية.
وقد وقفا يستمعان إلى حُكم الإعدام، بعد إدانتهما بارتكاب جريمة قتلٍ واحدة، مع أن المزاعم تُشير إلى أنهما اشتركا في قتل نحو 20 امرأة؛ وذلك بعد استدراجهنّ للردّ على إعلاناتهما المبوّبة -بعنوان "القلوب المنفردة"- والتي كانت تخصّصه الصحف الأمريكية في أربعينيات القرن الماضي، من أجل النساء الأرامل والمطلّقات والعزباوات بغرض التسلية في وحدتهنّ، وتبادل الرسائل مع عشاقٍ مزعومين.
تضمنت قصة الحب، غريبة الأطوار تلك، مجموعةً من أفظع جرائم القتل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثرت بأحداثها أفلامٌ كثيرة. لكن إليكم القصة الحقيقية لـ"قاتلا القلوب الوحيدة".
الحب القاتل بين مارثا بيك وريموند فرنانديز
وُلد ريموند مارتينيز فرنانديز في 17 ديسمبر/كانون الأول 1914 بهاواي، لأبوين إسبانيين. انتقل عبر أماكن مختلفة في طفولته، إلى أن حمله القدر على اجتياز المحيط للعمل مع عمّه في إسبانيا، حيث تزوج واتخذ لنفسه أسرة، وهو لم يزل بعد في العشرين من عمره.
شارك فرنانديز في الخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم قرّر العودة إلى الولايات المتحدة، تاركاً زوجته وأطفاله الأربعة. وعلى متن السفينة المتجهة به إلى أمريكا، أُصيب في رأسه إصابة شديدة، أتلفت شحمة الفص الجبهي من دماغه، ودفعت به إلى البقاء في المستشفى مدة ثلاثة أشهر.
ثم آلت به الأمور إلى دروب الجريمة، حتى قُبض عليه وأودع السجن بتهمة السرقة. وتروي مجلة TIME الأمريكية أنه صاحَب في الزنزانة زميلاً له من هايتي، علَّمه قواعد "الديانة الودونية" وممارساتها، والتي وصفها فرنانديز بأنها جعلته "خبيراً في أمور الإيقاع بالنساء".
أما مارثا بيك، فقد وُلدت في 6 مايو/أيار 1920 في ولاية فلوريدا الأمريكية. أُصيبت بعلَّةٍ في غدتها الدرقية تسبّبت بمعاناتها مع زيادة الوزن، وخلل البلوغ المُبكر. وقد ادّعت بيك أثناء محاكمتها -بعد سنوات- أن شقيقها اعتدى عليها جنسياً وهي في سنٍّ صغيرة، وأن والدتها كانت تُسيء معاملتها أيضاً.
تخرّجت مارثا بيك في مدرسة التمريض، لكنها عجزت عن العثور على وظيفةٍ مناسبة، فاضطرت إلى التنقل من مكانٍ لآخر في الولايات المتحدة، قبل أن تعود في النهاية إلى فلوريدا وهي حامل بطفلها الأول.
ولم تمضِ إلا مدة وجيزة حتى حملت مجدداً؛ فتزوجت من والد طفلها الثاني، لكنهما انفصلا في غضون أشهر. وهكذا، كانت بيك أماً وحيدة لطفلين، لكنها نجحت في الحصول على وظيفة بمستشفى "بينساكولا" للأطفال عام 1946.
وبعد عامٍ، نشرت إعلاناً في باب "القلوب الوحيدة" في إحدى الصحف، بحثاً عن أنيسٍ، وسرعان ما تلقت رداً من ريموند فرنانديز.
انتقل فرنانديز من نيويورك إلى فلوريدا، حيث أقام مع بيك مدة وجيزة، وعاد بعد ذلك إلى ولاية نيويورك. طُردت مارثا بيك من عملها فجأة، فجمعت أمتعتها وانتقلت للعيش مع فرنانديز. ولما توطدت علاقتهما، اعترف لها ريموند فرنانديز بما يفعله، وبالجرائم التي ارتكبها.
أحبّت مارثا بيك حبيبها ريموند فرنانديز كثيراً؛ ولأجل هذا الحب، تنازلت عن طفليها لجماعة "جيش الخلاص" المسيحية البروتستانتية، وأخلصت له بكلّ ما لديها من اهتمامٍ وحب وشغف.
جرائم "قاتلا القلوب الوحيدة" ريموند فرنانديز ومارثا بيك
واصل فرنانديز الرد على إعلانات "القلوب المنفردة"، وكان يتظاهر غالباً بأن بيك هي شقيقته، ويدَّعي أنه ليس إلا ضيفاً في منزلها، وأن المنزل ملكها. وقد كفلت له تلك الكذبات نوعاً من الاحترام بين المعارف، وجعلت استدراج ضحاياه أسهل، بسبب اطمئنانهن لوجود امرأة أخرى في المنزل.
كانت بيك مولعة بفرنانديز، فاشتعلت الغيرة في قلبها عندما ازداد عدد النساء اللواتي يستدرجهن إلى المنزل ليمارس معهن الجنس. وفي العام 1949، تعرف فرنانديز إلى جانيت فاي وتقرّب منها، فانتقلت للعيش معه في شقته بمنطقة لونغ آيلاند.
وفي أحد الأيام دخلت عليهما مارثا بيك يوماً، ووجدتهما معاً في السرير، فما كان منها إلا أن ضربت فاي بمطرقةٍ على رأسها، ثم قام فرنانديز بخنقها ليتأكد من موتها. وعندما ارتابت عائلة فاي في أمر اختفائها، فرَّ الحبيبان إلى ميشيغان، واستقرّا في بلدة وايومنغ بالقرب من مدينة "غراند رابيدز".
ما بين عامَي 1947 و1949، كان يُشتبه في قتلهما ما يصل إلى 20 امرأة؛ وفي فبراير/شباط 1949، التقى فرنانديز وبيك أرملةً تبلغ من العمر 28 عاماً، وُتدعى دلفين داونينغ. كان لدلفين طفلة تبلغ من العمر عامين، اصطحبتها معها لمقابلة الزوجين، لكن وعكةً ما ألمَّت بداونينغ، فأعطتها فرنانديز حبوباً منومة.
وعندما بدأت الرضيعة تبكي طلباً لوالدتها، انزعجت بيك وخنقتها. لم تقتلها، لكن فرنانديز تخوف من أن تستدعي آثار الخنق ارتياب الأم بعد استيقاظها، فقرر إطلاق النار على داونينغ وهي غائبة عن الوعي. فقتلها حتى لا تُبلّغ عنهما، ثم مكثا في منزلها بضعة أيام.
اشتد بكاء الطفلة حتى كادت تفضحهما، فما كان من بيك إلا أن أغرقتها، ثم دفنا داونينغ ورضيعتها في قبو المنزل. لكن الجيران ارتابا في اختفاء الأم وابنتها بشكلٍ مفاجئ، فأبلغوا الشرطة بأنهما مفقودان.
قبضت شرطة وايومنغ على ريموند فرنانديز ومارثا بيك في منزل الضحية داونينغ، بعد فترةٍ قصيرة من مقتلها.
محاكمة ريموند فرنانديز ومارثا بيك بتهمة القتل
اعترف فرنانديز أثناء الاستجواب بارتكابه 17 جريمة قتل في أماكن مختلفة، لكنه حاول التراجع عن اعترافه بعد ذلك. وأخبر الشرطة بأنه كان يحاول حماية بيك، غير أنه كان يعلم أن ولاية ميشيغان لا تتضمن قوانينها عقوبة الإعدام، فاتخذ الاعتراف حيلةً للبقاء هناك.
مع ذلك، قررت سلطات ميشيغان تسليم فرنانديز وبيك إلى ولاية نيويورك بتهمة قتل جانيت فاي، ويورد موقع History أن قوانين الولاية كانت تشمل عقوبة الإعدام في ذلك الوقت. فحوكم الحبيبان وأُدينا بتهمة القتل العمد، وُحكم عليهما بالإعدام بواسطة الكرسي الكهربائي، واحتُجزا في سجن "سِنغ سِنغ" انتظاراً لتنفيذ الإعدام.
ظنَّ فرنانديز أنه يحمي بيك باعترافه، إلا أنها لم تحاول إخفاء دوافعها. وقالت في لقائها الأخير مع الصحافة: "فيمَ اللوم؟ وعلامَ؟ قصتي قصةُ حب، لكن لن يفهم ما أعنيه إلا من تعذبوا بالحب. لقد وصفوني بأني لست إلا امرأة بدينة غليظة القلب. أنا لست غليظة القلب ولا غبية ولا مجنونة. على مر التاريخ، كم جريمة ارتُكبت باسم الحب"؟
نفذت السلطات حكم الإعدام في ريموند فرنانديز ومارثا بيك في 8 مارس/آذار 1951 بسجن "سِنغ سِنغ" بتهمة قتل جانيت فاي. ومع أن فرنانديز اعترف للشرطة بقتله 17 شخصاً على الأقل، فقد تعذَّر معرفة العدد الحقيقي لضحاياه.
بعد أن كان باب "القلوب الوحيدة" في الصحف وسيلةً يستعين بها رفاق الوحدة للعثور على أنيسٍ/ةٍ لهم/لهنّ، أصبح مرتبطاً بالقتل، فابتعد الناس عنه شيئاً فشيئاً، وقلَّت متابعة الناس له في غضون سنوات.
ومع أن الأحوال تبدلت لاحقاً، وحلَّت الإعلانات الشخصية ووسائل التواصل والتعارف عبر الإنترنت محلَّ التبويب الصحفي القديم، إلا أن قصة "قاتلا القلوب الوحيدة" لا تزال تُستدعى حتى الآن، للتحذير من لقاء الغرباء بهدف التعارف وتمضية الوقت العابر.