أول الأمراء المسلمين الذي واجه الصليبيين.. لكنّه قتل في صلاة الجمعة! قصّة أمير الموصل مودود بن التونتكين

قصة هذا الأمير مثيرة للغاية ونهايته حزينة

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/22 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/22 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
لوحة عن حصار دمشق ضمن فترة الحروب الصليبية/ wikimedia.commons

عند الحديث عن الحروب الصليبية والقادة المسلمين الذين تصدَّوا لها تذهب أذهاننا تلقائياً إلى قادةٍ مثل صلاح الدين الأيوبي وبيبرس وعماد الدين زنكي وابنه نور الدين، لكنّ هناك رجالاً آخرين ربما لم تكن إنجازاتهم بقدر إنجازات هؤلاء، لكنّ دورهم لا يقل محوريةً وأصالةً عنهم في محاربة الصليبيين، وأحد هؤلاء هو الأمير مودود بن التونتكين.

البداية.. الحملات الصليبية وتفرُّق المسلمين

في القرن الحادي عشر الميلادي كان المسلمون متفرقين بشكلٍ كبير، فقد كانت السلطة مقسمة بين خليفتين، أحدهما في القاهرة هو الخليفة الفاطميّ الذي يسيطر على مصر وجزء من ساحل الشام (فلسطين وبعض لبنان).

والآخر هو الخليفة العباسي المقيم في بغداد، مجرّد رمزيّة روحية بلا أي سلطة فعلية، إذ كانت السلطة الفعلية في يد سلطان السلاجقة، تلك الدولة التركية التي غلبت الخليفة وحكمت باسمه، فقد كانت عاصمة الخلافة في بغداد يعيش فيها الخليفة العباسيّ، بينما عاصمة الدولة السلجوقية في نيسابور أو الريّ أو غيرها من مدن فارس.

وعندما اجتاحت جحافل الصليبيين الأوروبيين مناطق المسلمين وجدت طريقها سالكاً، فاستطاعت في سنواتٍ قليلة تكوين 4 إمارات صليبية في بلاد الشام، ليس هذا وفقط، بل وأخذت بيت المقدس من المسلمين.

الصليبيين
لوحة تجسد بابا الفاتيكان أوربان الثاني وهو يدشّن الحملات الصليبية/ wikimedia.commons

أثار الغزو الصليبي مشاعر المسلمين في أرجاء العالم الإسلامي، لكنّ وضع العالم الإسلامي كان مزرياً. فالخلافة الفاطمية في مصر كانت في طور ضعفها وهزالها، الخليفة لا يدري شيئاً من شؤون دولته، والسلطة موزعة بين قادته.

أمّا الخلافة العباسية وسلطنتها السلجوقية فقد ضعفت أيضاً، فبعد وفاة السلطان القوي ملكشاه ووزيره المحنّك نظام الملك، وقعت السلطنة في حربٍ أهلية بين ابني السلطان محمد بركياروق، وانتهى الصراع بينهما في النهاية بإقرار كلٍّ منهما بسلطة الآخر على المناطق التي يسيطر عليها. ومع ضعفهما وإضعافهما لبعضهما البعض استقلّ الأمراء الصغار بولاياتهم، أو حازوا استقلالاً كاملاً مع تبعية شكلية لأحد السلطانين، وهكذا أصبحت الدولة مفككة تماماً.

عندما جاء الصليبيون لم يجدوا أحداً يجابههم ويحاربهم، وهكذا بعد تأسيس الصليبيين 4 ممالك في المشرق الإسلامي بعدة سنوات، كان التاريخ على موعدٍ مع قائدٍ مسلم اختلف عن زملائه، هو مودود بن التونتكين.

لم يحرز مودود بن التونتكين انتصاراتٍ مذهلة، لكن تكمن بطولته الاستثنائية في أنّه الأمير الوحيد ضمن هذا الجمع من أمراء الشام والعراق وخليفة مصر، الذي قرّر رفع راية الجهاد ضد الصليبيين، ووقف لهم بالمرصاد، وكانت نهايته كذلك مثيرة للغاية.

مودود بن التونتكين يتولّى الموصل بعد قضائه على أميرها المتمرّد

كانت بدايات الأمير مودود بن التونتكين مع السلطان محمد بن ملكشاه، فقد أثار عامل السلطان على الموصل، واسمه جاولي، تمرداً. أرسل السلطان مودود بن التونتكين على رأس قوةٍ من الجند للقضاء على تمرد جاولي في الموصل، لكنّه لم يستطع أن يظفر به، لكن في نهاية المطاف وبعد حوالي 3 سنوات استطاع مودود السيطرة على الموصل، وأعادها لسلطة السلطان محمد.

في التوقيت نفسه كانت ممالك الصليبيين في الشام تتوسّع، فضمّت بعض مدن لبنان الساحلية المهمة مثل طرابلس، كما كان أمراء المدن الإسلامية منقسمين على أنفسهم، متذبذبين، ما جعل بعضهم يدخل في تحالفاتٍ مع الصليبيين، بل وصل الأمر بالأمير رضوان، أمير حلب، أن دفع الجزية للصليبيين.

ضجّ أهل حلب من وضع أميرهم رضوان، فخرجوا إلى بغداد، عاصمة الخلافة، وقاموا بما يشبه المظاهرة، وجيّشوا أهل بغداد ودخلوا إلى جامع السلطان ومنعوا صلاة الجمعة بعد أن كسروا المنبر. وهكذا أرسل الخليفة العباسي إلى السلطان السلجوقي يطلب منه تعبئة الجيوش لمحاربة الصليبيين، ولم يجد السلطان محمد أفضل من مودود بن التونتكين لتوليته قيادة الحملة.

في عام 1110 انطلقت الحملة التي انضمّ إليها أمير أربيل وأمير ماردين، وفي الطريق من مدينة الموصل إلى إمارة الرها الصليبية استطاع جيش مودود أن يستعيد السيطرة على بعض الحصون الصليبية، وبدأ الحصار الذي استمر طيلة شهرين، لكنّ الأخبار جاءت بأنّ حلفاً صليبياً من بقية الممالك الصليبية في الشام يتكوّن لينجد الرها، وهكذا رفع مودود الحصار.

مودود بن التونتكين
أحد معارك فترة الحملات الصليبية/ picryl

تبقى إلى جانب الأمير مودود طغتكين أمير دمشق، الذي انضمّ له عند انسحابه من حصار الرها، وبالإضافة لأمير شيزر خاضوا جميعاً معركةً ضد الصليبيين هزموهم فيها. لكنّ هذه التحركات وهذه الانتصارات الصغيرة لم تكن انتصارات حاسمة، ولم تكن سوى محاولات قام بها فردٌ واحد هو مودود بن التونتكين، لم تُكلّل بالنصر النهائي.

خلال 4 سنوات فقط، منذ عام 1109 وحتى عام 1113 حاصر مودود بن التونتكين إمارة الرها ثلاث مرات، لكنّه لم يستطيع في أيٍّ منها السيطرة عليها، لكنّ الفرصة الكبرى لجهود مودود جاءته عندما استنجد به الأمير طغتكين، أمير دمشق، فقد كانت مملكة بيت المقدس الصليبية قد بدأت التحرش به، وهنا أسرع مودود إلى دمشق.

التقى جيش مودود و طغتكين بجيش الصليبيين عام 1113 في شمال فلسطين، ووقعت معركة كبيرة قرب بحيرة طبرية، وانتصر المسلمون انتصاراً كبيراً، وأسروا الكثير من الصليبيين وغنموا غنائم كثيرة.

عاد مودود وطغتكين إلى دمشق محمّلين بزهو الانتصار، وأمل جديد فتحوه للمسلمين بانتصارهم، فلأول مرة منذ بداية الحملات الصليبية ينتصر جيشٌ مسلم انتصاراً كبيراً على جيشٍ صليبي في منطقة الشام، لكنّ النهاية كانت تنتظر مودود.

دخل مودود مع طغتكين أمير دمشق إلى صلاة الجمعة في جامع دمشق، وبينما تلتف الجماهير حول القائدين المنتصرين، هجم شخص على مودود وطعنه أربع طعنات قاتلة.

نقل مودود بسرعة إلى بيت طغتكين، لكنّ القدر لم يمهله وتوفي هناك بجراحه، فمات صائماً بعد صلاة الجمعة، وبعد انتصارٍ هو الأكبر بالنسبة للمسلمين في تلك الفترة. وبانتصاره ذلك انفتح الطريق أمام قادة مسلمين آخرين لمقاومة الاحتلال الصليبي، وبعد حوالي ثلاثين عاماً من انتصاره واغتياله استطاع عماد الدين زنكي أن يُسقط إمارة الرها عام 1144.

ويقال إن الذي قتله كان أحد أعضاء طائفة الحشاشين، ولكن بعض التحليلات الأخرى تقول إن طغتكين كان متورطاً في مقتله؛ لأنه خاف أن يسيطر على دمشق بسبب شعبيته المتزايدة.

تحميل المزيد