الملكة سميراميس.. ابنة “الآلهة” التي حكمت 40 عاماً وأخضعت الأناضول ووسط آسيا

جمعت هذه الملكة الاستثنائية حكم العراق والأناضول وأرمينيا وأجزاء من آسيا الوسطى، وأصبحت أسطورة.

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/14 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/14 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
لوحة الملكة سميراميس وزوجها يسلمها تاج المملكة / Wikimedia Commons

في التاريخ قصصٌ كثيرة حول ملكات استطعن بطرقٍ مواربة أن يحكمن من خلال أبنائهنّ أو حتّى أزواجهنّ، لكنّ قصّة سميراميس كانت مختلفة، إذ اختلطت فيها الأسطورة بحقيقة الملكة سمورامات، ورغم ذلك فقد ألهمت قصّتها المخيال الفني العالمي، فقد حكى قصتها الإغريق والرومان، كما ألهمت الموسيقيين فظهرت أوبرا سميراميس من تأليف الإيطالي جايتانو روسِّي.

الأسطورة أولاً.. كيف جاءت سميراميس إلى الدنيا؟

تنشأ الأسطورة عادةً من قصةٍ أو حقيقةٍ بسيطة، لكنّها تتغيّر وتتحوّل بمرور الوقت إلى أسطورة. والقصة الأساسية التي أوردها المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي أنّ إلهة الحب الإغريقية "أفروديت" غضبت على إلهة السمك "ديرسيتو"، فوضعت فيها رغبةً عشقٍ قوية تجاه أحد الشباب الذين يعبدونها.

أسلمت إلهة السمك نفسها لهذا الشاب فولدت منه بنتاً، لكنّها شعرت بالعار من نفسها فقتلت هذا الشاب وتركت طفلتها في الصحراء، ثمّ رمت نفسها في البحيرة فتحوَّلت إلى سمكة.

سميراميس
قصة أسطورة سميراميس التي وجدها القرويون يربيها الحمام قرب بحيرة/ Wikipedia

وجد سربٌ من الحمام الطفلة، فأخذ الحمام يسرق لها الحليب والجبن من قريةٍ قريبة ويطعمها بمناقيره، وعندما لاحظ المزارعون فقدان الجبن والحليب أخذوا يبحثون عن السبب، ساروا وراء الحمام حتّى وصلوا لطفلةٍ صغيرة عمرها سنة تقريباً، قرب بحيرة، ويحيطها الحمام من كل جانب بالرعاية والعطف.

أخذ مزارعٌ اسمه "سيما" الطفلة وربّاها وأطلق عليها اسم "سميراميس"، والذي يعني باللغة الآشورية "الحمام"، وفق ما ذكر المؤرخ ديودور الصقلي. كبرت سميراميس حتّى زار وزير الملك "أونس" قريتها، فرآها ووقع في حبّها وقد كانت بارعة الجمال، طلب من أبيها يدها فقبل هذا، وهكذا دخلت سميراميس أولى مراحل التاريخ.

كانت سميراميس ذكية جداً وبارعة في السياسة، وبفضل نصائحها ارتقى زوجها أكثر واكثر فأصبح أقرب مقربي الملك. بدأ الملك "نينوس" إحدى حملاته العسكرية على منطقة أفغانستان الحالية، وكانت حملته موفَّقةً للغاية لكنّ العاصمة "بلخ" قد استعصت عليه.

كان الوزير في الحملة مع الملك نينوس، وكان متعلقاً جداً بزوجته سميراميس فأرسل في طلبها، عندما جاءت وضعت له وللملك خُطةً للسيطرة على العاصمة بلخ، وعندما وضعت الخطة أعجب بها الملك للغاية.

تختلف بعض تفاصيل القصة لكنّها لا تختلف في أنّ الملك نينوس وَقَعَ في غرام سميراميس، فطلب من مستشاره/ وزيره أن يتركها له، رفض زوجها فهدده الملك بقلع عينيه. أذعن الوزير في النهاية، وأصبحت سميراميس ملكة في النهاية.

شاركت سميراميس زوجها الحكم، وكانت من أقوى الملكات. وهناك أساطير كثيرة تحيط بها، منها مثلاً أنّها طلبت من زوجها الملك أن يسلمها السلطة لمدة 5 أيام فقط، لترى إن كان يمكن لها أن تسيِّر شؤون المملكة وحده، وعندما وافق زوجها، أمرت بقتله واستفردت بالحكم.

لكنّ كلّ هذه القصص ما زالت في طول الحكايات والأساطير، خصوصاً أنّ الكثير من المؤرخين اليونانيين الذين كتبوا عنها كانت كتاباتهم بعد وفاتها بعدّة قرون.

الملكة سمورامات.. هل كانت قصة سميراميس حقيقية إذن؟!

تركت لنا المدونات التاريخية قصّة ملكة آشورية اسمها "سمورامات"، وقد تربّعت على عرش الإمبراطورية الآشورية بين عامي 811-806 ق.م، لأنّ ابنها كان صغيراً، وكانت هي الوصية على العرش لحين بلوغه السن القانونية.

عرفت هذه الملكة باسم "سمورامات" أو "شمورامات"، لكنّها عُرفت أيضاً بالاسم الأشهر: سميراميس. ويبدو أنّ أسطورة سميراميس التي ذكرناها سابقاً كانت مبنية على قصة هذه الملكة، التي يبدو أنّها كانت ملكةً عظيمة.

سميراميس
حدائق بابل المعلقة، كانت بابل مقر حكم الآشوريين / IStock

كانت سمورامات -التي عرفت باسم سميراميس لاحقاً- زوجةً للملك الآشوري شمشي الخامس، الذي حكم بين عامي 823 و811 ق.م. وعندما توفي هذا الملك تسلمت هي الحكم وصيةً على العرش لحين بلوغ ابنها "أدد نيراري الثالث" السنّ القانونية للحكم، وعندما بلغ هذا الملك سنّه سلّمته أمه الحكم فعلاً.

لم يكن للنساء في مملكة آشور دخلٌ في شؤون الحكم، فلم يكنّ يتصدّرن في مواقع قياديّة، ما جعل سميراميس استثناءً في موقفها، فقد استطاعت بذكائها الخارق أن تحافظ على الحكم بعد وفاة زوجها، بل وتقوّي دولتها لتسلّم ابنها دولة أقوى من تلك التي تسلمتها.

تذكر لنا المدونات التاريخية القديمة كيف كان عهد سمورامات/سميراميس عهداً عظيماً لآشور، فقد خلدتها ذاكرة الإغريق والآشوريون باعتبارها شخصية مقدسة ولدتها الآلهة ورباها الحمام. بينما احتفظت الذاكرة الأرمينية بصورة سيئة عنها لأنّها غزت بلادهم، فقد حكمت سميراميس دولةً مترامية الأطراف وسيطرة على العراق والأناضول ووسط آسيا.

ويحكي لنا المؤرخ الإغريقي بلوتارخ قصةً طريفة. فقد بنت سميراميس لها نصباً تذكارياً ونقشت عليه التالي: على الملك الذي يريد كنزاً أن يفتح هذا القبر. مرّ على وفاة سميراميس قرابة ثلاثة قرون، حتّى جاء الإمبراطور الفارسي داريوس العظيم، وفتح النصب التذكاري فلم يجد شيئاً، لكنّه وجد نقشاً آخر مكتوباً عليه: لو لَم تكُن خسيساً جشِعاً لَما أزعجت الموتى في بيوتهم.

كما أحاطت الأساطير بقصة سميراميس أحاطت أيضاً بمنجزات عهدها، فلا يُعرف بالضبط منجزات عهدها، وإن ذكر المؤرخون الكثير من آثارها العمرانية، فهي التي بنت الحواجز في بابل لحماية المدينة من فيضان النهر.

وقادت سميراميس بنفسها حملاتٍ عسكرية، ويقال إنّها قادت حملة فاشلة على بلاد الهند، كما أنّها قد رافقت زوجها على الأقل في حملةٍ عسكرية واحدة قبل موته، وهذا ما يتوافق مع قصة سميراميس الأسطورية. وقد هزمت هذه الملك مملكة الميديين، وضمّت أراضيهم من الأناضول إلى إمبراطورية آشور، كما فتحت أرمينيا.

وقد أقامت سميراميس لنفسها مسلّة ضخمة تربط اسمها عليها باسم كل ملكٍ آشوري تستطيع ربط نفسها به. فقد نقشت على مسلّتها أنّها زوجة الإمبراطور شمشي، وأم الإمبراطور نيراري، كما أنّها كذلك كانت "كنّة" الإمبراطور العظيم شلمنصر -والد زوجها- الذي نعتته بلقب "ملك الجهات الأربع".

وعلى الرغم من كل ذلك، لا نعدم بعض الأصوات التاريخية التي اعتبرت أنّ سميراميس ما هي إلا أسطورة ولا علاقة لها بالملكة سمورامات الحقيقيّة.

تحميل المزيد