كان جزءاً من الدعاية اليونانية ضد الفرس! لماذا يُدعى هيرودوت “أبو التاريخ” و”أبو الأكاذيب”؟

رغم أنّه من أقدم مؤرخي العالم إلا أنّه الكثير من الباحثين يعتبرونه "أبو الأكاذيب".

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/08 الساعة 12:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/15 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش
تمثال هيرودوت / IStock

ربما يعرف الجميع هذا اللقب للمؤرخ اليوناني القديم هيرودوت: أبو التاريخ. وهو اللقب الذي أطلقه عليه الكاتب والخطيب الروماني شيشرون، ومن حينها وهو يعرف بهذا القلب، لكنّ مؤرخاً يونانياً آخر اسمه بلوتارخ أعطاه لقباً مختلفاً: أبو الأكاذيب!

فهل كان هيرودوت أباً للتاريخ بحق أم أنّه كان أباً للأكاذيب؟ تبدو الإجابة على مثل هذا السؤال صعبة بعض الشيء بالنظر إلى أنّ هيرودوت قد عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، لكنّ علماء وباحثي الآثار لديهم نظريات وآراء حوله رغم عامل البعد الزمني.

في البداية كانت الحرب بين الفرس واليونانيين

في ذلك العالم القديم يمكن أن نقول إنّ الممالك الكبرى كانت ثلاثاً، الأولى في اليونان القديمة (والتي كانت تضم أجزاء من الأناضول – تركيا الحالية) والثانية كانت الدولة الأخمينية في فارس، ثمّ الدولة الفرعونية في مصر.

استطاع قمبيز الثاني نجل قورش الكبير أن يضمّ مصر إلى سلطانه فأصبحت بذلك الدولتين الكبيرتين هي الدول اليونان الأخمينيين الفرس.

أبو التاريخ
الإمبراطور الفارسي قورش الكبير / IStock

كانت اليونان عبارة عن مُدن/دويلات لا تُحكم بشكل مركزي، بل كانت بينهم وبين بعضهم البعض العديد من الحروب والصراعات. لكنّ الفرس كانوا دولةً مركزيةً يحكمها إمبراطور واحد. وعلى الرغم من أنّ الحكام المحليين لديهم نوع من أنواع الاستقلال عن الإمبراطور الفارسي، فإنّها كانت دولةً مركزية، القرار النهائي فيها للإمبراطور.

وبطبيعة الحال نشبت سلسلة من المعارك الهائلة بين الفرس والإغريق (اليونانيين) بدأت منذ عام 499 وانتهت عام 449 قبل الميلاد. فقد أراد الأخمينيون ضمّ كل المدن اليونانية إلى سلطانهم، ليصبح العالم القديم كله تحت سيطرتهم.

لكنّ هذا لم يتمّ، فعندما جمع الإمبراطور خشايارشا الأول جيشه الذي يقال إنّه كان أكبر حشد في التاريخ الإنساني حتى هذه اللحظة ليغزو اليوناني، خسر في معركةٍ بحرية حاسمة، وبخسارته فقد انطوى على نفسه داخلياً دون أن يناوش اليونان مرةً أخرى.

وقد انتهت هذه المعارك الفارسية-اليونانية في النهاية، عندما قضى الإسكندر الأكبر على الدولة الأخمينية نهائياً بغزوه فارس عام 334 ق.م. وللقراءة عن هذه الدولة الأخمينية الكبيرة يمكنك الاطلاع على هذه المادة.

وفي هذا السياق من الصراع وُلد وعاش أبو التاريخ. فقد وُلد هيرودوت حوالي عام 484 ق.م وتوفِّي عام 425 ق.م.

كيف كتب هيرودوت التاريخ؟

كما قلنا، يعتقد العلماء والمؤرخون أنّ هيرودوت قد وُلد نحو عام 484 أو 480 ق.م، في مدينة هاليكارناسوس، وهي مدينة بودروم التركية الحالية، وفي هذا المكان والزمان الذي وُلد فيه هيرودوت فإنّ أدوات الدعاية اليونانية ضدّ الاحتلال الفارسي كانت قوية وعميقة.

ومن هناك بدأ هيرودوت رحلاته لزيارة العالم القديم. ولا زال هناك سؤال حول حياته ليس عنه إجابة. فقد كتب هيرودوت كتابه الطويل (9 مجلدات) بالاعتماد على رحلاته المتعددة في العالم القديم. ويعني هذا أنّه كان ثرياً (ليستطيع التنقل) وأنّه كان أيضاً متعلماً تعليماً جيداً.

هيرودوت
رسمة لهيرودوت وهو يقرأ القصص التي جمعها على جمعٍ من الناس / IStock

لكنّ أحداً ليس لديه المعلومة الدقيقة حول هذه الخلفية التي منحته القدرة على السفر والتدوين، وهي خلفية قد تعني الكثير في تحليل منتجه النهائي. فهل كان من أسرةٍ ثرية؟ أم كان تاجراً ثرياً؟ أم تلقى دعماً من أحد أمراء اليونان؟ لا أحد يعرف ذلك على وجه التحديد.

يركّز هيرودوت في كتابه عن الإمبراطورية الفارسية الضخمة وتاريخها، ويمكن القول إنّ المركز الرئيسي في كتابه هو الإمبراطورية الفارسية. وعندما زار هيرودوت مصر فإنّ تأريخه لها يشوبه الكثير من المشكلات التاريخية.

أبو التاريخ يدوِّن عن مصر الفرعونية بشكل غرائبي!

لم يكن هيرودوت يتحدّث اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) لكنّه استطاع أن يجمع القصص والأحاديث من عوام المصريين ومن بعض الكهنة، وربما اصطحب معه مترجماً ليلعب دور الوسيط بينه وبين المصريين الذين تحدّث معهم.

ومن الغرائب التي ذكرها هيرودوت عن مصر القديمة أنّ هرم خوفو الأكبر قد بُني بطريقةٍ مضحكة وغريبة بعض الشيء، وهي أنّ الفرعون خوفو أراد بناء الهرم وقرر تمويل بنائه بطريقة غريبة وهي: أن يجبر ابنته على ممارسة البغاء وثمن المتعة معها هو أن يعطيها كل رجل تمتعه حجراً ضخماً للبناء.

لا نحتاج للكثير لنتبيّن غرائبية هذه القصّة التي تكذبها كلّ الشواهد الأخرى. وهكذا تميل بعض الاتجاهات الأكاديمية أنّ ما كتبه هيرودوت عن مصر في فترة الاحتلال الفارسي لها كان لأهدافٍ سياسية دعائية ضدّ الفرس. بل إنّه فعل ذلك ليس فقط في مصر القديمة وإنما في كلّ المناطق والشعوب التي مرّ عليها وكانت تخضع للحكم أو الاحتلال الفارسي.

هذا فقط مجرّد مثال عمّا كتبه هيرودوت. لكنّ أبو التاريخ نفسه يخبرنا أنّه كان يسجّل فقط ما سمعه من حكايات وقصص وأقاويل، أي أنّه لم يكلّف نفسه عناء البحث والتحقيق وراء كلّ ما سمعه من هنا أو من هناك.

ربما يصدمنا اعتبار أنّ "أبو التاريخ" ما هو في حقيقته إلا "أبو الأكاذيب"، لكنّك لن تجد اختلافاً كثيراً داخل تيارات علماء التاريخ والآثار فيما يخصّ أنّ هيرودوت ليس مؤرخاً بالمعنى الحقيقي، وإنما كان رحّالة يمرّ على المدن والدول ويكتب ما يقصّه أهلها عنها دون تحقُّق، وفي كلّ هذا كان مدفوعاً بكونه يونانياً تربّى على عداوة الفُرس وكلّ ما يمتّ لهم بِصِلَة!

تحميل المزيد