والده سوفييتي انقلب على الشيوعيّة وورّثه الحكم.. إلهام علييف الذي استرد أراضي أذربيجان من أرمينيا

وقّعت أرمينيا اتفاقاً مع أذربيجان بعد تجدد الاشتباكات بينهما بخصوص إقليم قرة باغ التي استولت عليه أرمينيا من اراضي أذربيجان. فمن هو رئيس أذربيجان الذي نجح في الوصول لهذا الاتفاق؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/10 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/10 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
إلهام علييف رئيس أذربيجان / رويترز

خرج الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على الهواء ليخبر مواطنيه الأذربيجانيين أنّه "أجبر" رئيس وزراء أرمينيا على التوقيع على اتفاقٍ بخصوص إقليم قرّه باغ الذي تدور المعارك حوله منذ فترة. أكمل رئيس الوزراء كلمته بأنّ نظيره الأرميني "أراد أن يكون توقيع الاتفاق في مكان مُغلق، بعيداً عن الكاميرات لجبنه وخوفه". ثمّ رفع قبضته وضرب بها على الطاولة قائلاً: "هذه ما جعلته يوقّع، الضرب بالحديد هو ما جعله يوقِّع".

وقد ظهر الرئيس الأذربيجاني – والقضية الأذربيجانية – للأضواء، عندما بدأ الجيش الأذربيجاني عمليات تحريرية للأراضي التي تحتلها أرمينيا. وهذا الرئيس حائز على عدّة جوائز منها وسام حيدر علييف، ووسام شيخ الإسلام بأذربيجان، وغيرها من الأوسمة الأخرى.

بالتأكيد قد تستغرب من اسم أوّل جائزة "وسام حيدر علييف". لا تتعجّب كثيراً، نعم حيدر علييف هو والد إلهام علييف، وهو من ورّثه حكم "جمهورية أذربيجان". وهكذا، فإنّ إلهام علييف لديه عدّة أوجه، فهو ديكتاتورٌ وتتهمه المعارضة بالفساد، كون زوجته نائبة الرئيس. لكنّه في نفس الوقت يعتبر المؤسس الحقيقي لأذربيجان الحديثة.

لنتعرّف معاً على هذه الشخصية المثيرة.

علييف الأبّ.. من الشيوعية إلى الإسلام!

جمهورية أذربيجان صغيرة الحجم، فهي 86 ألف كم فقط، ويقطنها قرابة 10 ملايين مواطن، لكنّها مع ذلك تمتلك موقعاً استراتيجياً باعتبارها تطلّ على بحر قزوين ولديها مخزون نفطٍ وغازٍ هائل، وهي إحدى جمهوريّات الاتحاد السوفييتي السابق. ولهذا فهي مهمّة من الناحية الاستراتيجية بالنسبّة لأوروبا وحلف الناتو.

كان حيدر علييف أحد السياسيين الأذربيجانيين الذين عملوا مع السوفييت، وهكذا أصبح رئيس الفرع المحلّي لجهاز الاستخبارات السوفييتي السابق (KGB) في بلاده، كما كان عضواً في اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي السوفييتي.

تقلّب حيدر في مناصب الاتحاد السوفييتي فيما يخص جمهورية أذربيجان الاشتراكية، فقد كان رئيساً للجمهورية باعتباره أميناً عاماً للحزب الشيوعي فيها. ولكن في نهاية الثمانينيات عزله الرئيس الأسبق للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف عن الحياة السياسية، لكنّه ما لبث أن عاد رئيساً لأذربيجان عام 1993 بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانقلابٍ عسكريٍّ سريع.

بدأ علييف الأبّ في تبني التوجهات الاقتصادية الغربية، وبدأ يغيّر بوصلة خطابه من الشيوعية إلى الإسلام، منقلباً على المبادئ التي عاش حياته كلها يدافع عنها.

استمرّ علييف الأب رئيساً لأذربيجان حتّى أصيب بوعكةٍ صحية في أبريل/نيسان 2003 أثناء خطابٍ مباشر كان ينقله التلفزيون. نُقل على أثرها إلى مستشفى في أمريكا، وفي انتخابات عام 2003 لم يترشّح للانتخابات.

وقبل الانتخابات بشهرين عيّن ابنه إلهام علييف رئيساً للوزراء، وهكذا خلال شهرين أصبح ابنه رئيساً للحزب الحاكم، ومن ثمّ رئيساً للوزراء عند وفاة والده عن عمر 80 عاماً.

علييف الابن.. مؤسس أذربيجان الحديثة

وُلد إلهام علييف عام 1961 في أحضانٍ دولةٍ شيوعية، في بيتٍ شيوعيّ، فقد كان والده كما أسلفنا بمثابة رئيس الجمهورية الاشتراكية التابعة للاتحاد السوفيتي. درس علييف عام 1977 في جامعة موسكو للعلاقات الدولية، وما إن تخرّج فيها حتّى تزوّج من مهربيان علييفا، فعليه أن يجهّز وريثاً من الآن. أكمل دراسته في جامعة موسكو حتّى حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ.

أذربيجان
إلهام علييف رئيس أذربيجان وهو يزف خبر الاتفاق لمواطنيه رافعاً قبضته / رويترز

وهكذا أصبح علييف الابن يتحدّث الروسيّة والفرنسية والإنجليزية والتركيّة، فضلاً عن لغته الأم: اللغة الآذريّة. وما إن تخرّج حتّى وجد دولةً كاملةً بانتظاره، لكن كان على والده أن يجهّزه خطوةً خطوة ليرث "جمهوريته" الصغيرة.

بعد تخرّجه ظلّ علييف أستاذاً في جامعة موسكو طيلة 5 سنوات، وفي عام 1991 انتقل إلى عالم التجارة والأعمال، فقد قاد مجموعةً تجاريةً وصناعية خاصّة في بلاده. وما إن تولّى أبوه رئاسة الجمهورية المتحررة حديثاً من الاتحاد السوفييتي حتّى شغل منصب نائب رئيس شركة البترول الوطنيّة، ومنها انتقل إلى البرلمان فأصبح نائباً فيه عام 1995، وفي 2003 عينه والده رئيساً للوزراء، ومنها رئيساً للدولة وللحزب الحاكم، ليستمرّ في حكمه حتّى الآن.

يتفق الجميع تقريباً على شيئين بالنسبة لإلهام علييف: الأوّل أنّه وضع أذربيجان على الخريطة الإقليميّة لأوّل مرّة منذ ذمنٍ طويل، ليس فقط من ناحية البنَى التحتية التي أسسها في البلاد، وإنّما بتعزيز مكانتها الإقليمية  بطرقٍ أخرى مثل استضافة أوّل نسخة من الألعاب الأوروبية في العاصمة باكو عام 2015.

الأمر الآخر الذي يتفق الجميع عليه هو أنّ حالة حقوق الإنسان في البلاد تمرّ بفترةٍ مزرية. فقد فاز الرئيس علييف الابن بفترة ولايته الأخيرة (الثالثة حتى الآن) عام 2018، وقد قال مراقبون حينها أنّها انتخاباتٍ لا تفي بمعايير الديمقراطية.

وهكذا ألغى الرئيس قانوناً كان يمنع الرئيس من تولِّي منصبه لأكثر من فترتين في استفتاء عام 2009، وفي عام 2016 وافق الناخبون في استفتاءٍ آخر على تعديلاتٍ دستورية توسِّع سلطات الرئيس، بل وتخفِّض الحدّ الأدنى لسنّ المترشحين للرئاسة، ما جعل المعارضة تتهمه بفتح الطريق لابنه حيدر ليكون وريثاً محتملاً للحكم، فربما يصبح لاحقاً "علييف الحفيد" رئيساً لجمهورية أذربيجان.

لكنّ هذا أيضاً ليس أخر المعلومات المثيرة، فقد عيّن علييف زوجته مهربيان علييفا نائبةً أولى للرئيس، وتعتبر زوجته هي صاحبة أعلى سلطة دستورية في البلاد بعده مباشرةً.

هذه الصورة السيئة تُخفي أيضاً الجانب الآخر الذي تحدّثنا عنه. ففي عهده استطاع علييف الابن تعزيز مكانة أذربيجان، فعلى المستوى الاقتصادي استطاع استغلال الموارد المالية لتحديث دولته وبناء بنية تحتية قوية.

ووفقاً لتصريحات علييف نفسه في مقابلة مع قناة الجزيرة عام 2017، فقد استطاعت البلاد تحديث أغلب البنى التحتية، وبناء ميناء جديد هو الأكبر في منطقة بحر قزوين، التي تمرّ من خلالها عدد هائل من السلع والنفط والغاز.

كما أسست الحكومة في عهده 26 محطة توليد للطاقة، و3 آلاف مدرسة وما يقرب من 6 آلاف مستشفى، وهكذا حوّل دولته أيضاً من دولة صغيرة، إلى دولة صغيرة ذات دور كبير، عبر إنشاء شبكة سكك حديد كبيرة تربط الشرق بالغرب من خلال موقع بلاده الاستراتيجي.

ولكن، يبدو أنّ كلّ هذه الإنجازات التي قام بها علييف كانت مقدمةً لاسترجاعه الأراضي التي احتلتها أرمينيا من بلاده، ولم يستطِع والده حيدر علييف أن يسترجعها. فقد بدأ الرئيس الأذربيجاني منذ بدايات حكمه في بناء جيشه واكتساب الحلفاء العسكريين.

فمثلًا كما أنّ لأرمينيا اتفاقية دفاع مع روسيا، فلأذربيجان أيضاً اتفاقية مماثلة مع تركيا، وهكذا، عبر سياساتٍ يبدو أنّها كانت طويلة الأمد استطاع علييف الابن أن يحقق ما لم يستطِع والده، الجنرال الشيوعي السابق.

تحميل المزيد